العراق ..من أزمة الاحتلال إلى احتدام الصراعات السياسية



تقرير / قاسم الشاوش
يعاني العراقيون من إحباط شديد نتيجة استمرار الأزمة السياسية التي بلغت مستويات غير مسبوقة بين أطراف حكومة المالكي والتي بدأت فصولها عشية انسحاب قوات الاحتلال الامريكي من العراق قبل ستة أشهر في تطور خطير بات يشل حركة مؤسسات الدولة برمتها ويهدد أمن بلاد الرافدين واقتصاده ومستوى معيشة شعبه.
وتدور الأزمة التي يبدو انها تتجه نحو مسارات أكثر تعقيدا وتهديدا للعملية السياسية بالبلاد حول اتهام رئيس الوزراء بالتفرد بالسلطة اتخذت في الاسابيع الأخيرة منحى أكثر جدية مع طرح مسألة سحب الثقة من نوري المالكي الشخصية الشيعية النافذة الذي يحكم البلاد منذ 2006م.
ويرى المحللون ان “الازمة السياسية في العراق بلغت سقفها الأعلى منذ بدايتها الا انها لا تزال حاليا تدور في اطار اللعبة الديمقراطية” وان “البلاد مشلولة على كافة المستويات. هناك شلل سياسي واضح يوازيه تلكؤ حكومي وفشل في السلطة التشريعية بينما الشعب محبط وخائف من التداعيات الأمنية والاقتصاد يتراجع في ظل المخاوف المتصاعدة للمستثمرين”.
وعلى وقع الخلافات بين معسكري رئيس الوزراء وخصومه التي بدات فصولها عشية انسحاب قوات الاحتلال الامريكي نهاية 2011 بالاعتراض على “التفرد بالسلطة” خصوصا من قبل السياسيين السنة تعيش البلاد حالة من الترقب تنسحب سلبا على فاعلية مؤسسات الدولة الابرز.
وبين هذه المؤسسات البرلمان الذي لم يصوت خلال الاشهر الستة الأخيرة على أي قرار جوهري باستثناء قانون الموازنة بينما أجل حسم مسائل محورية أخرى مثل قانون النفط والغاز.
واصابت سهام التجاذبات السياسية القضاء ايضا ووضعته في قفص الاتهام بالتسييس خصوصا على خلفية قضية نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف في ديسمبر بعد اتهامه بالتورط بأعمال إرهابية.
وتسببت قضية الهاشمي بتوتر بين بغداد واقليم كردستان حيث كان يقيم قبل توجهه إلى تركيا وشكل عدم تسليمه إلى القضاء في العاصمة شرارة صدام بين المالكي ورئيس الاقليم الكردي مسعود بارزاني تزامن مع اتهامات بغداد لسلطات الاقليم بتهريب النفط إلى ايران وافغانستان.
ويرى النائب الكردي المستقل محمود عثمان ان “الدولة لم تعد موجودة بعد ان همشت الكتل السياسية البرلمان والدستور فيما ان الخلافات بدأت تؤثر على التجارة والامن وكل شيء”.
ويضيف: “كيف يعتبر هؤلاء “قادة الكتل السياسية” أنفسهم رجال دولة وهم عاجزون عن ايجاد حل¿ هم يتصرفون وكانهم في صحراء”.
ويؤكد عثمان: حان الوقت كي يتوقفوا عن التصرف كقادة أحزاب وفئات وأن يتعاملوا كرجال دولة وان يحسموا أمرهم نحو أي اتجاه يريدون دفع البلاد”.
وعلى مدى الأشهر الستة الماضية فشل قادة العراق حتى في الاجتماع بسبب الخلاف على جدول الاعمال. وقد حددت عدة مواعيد لهذا اللقاء الا انها تأجلت جميعها واستعيض عنها باجتماعات مصغرة كرست الانقسام العامودي.
وحذر الرئيس جلال طالباني من ان “خطورة الظرف الراهن” في العراق الناتجة عن الازمة السياسية باتت تهدد مؤسسات الدولة والاقتصاد والامن مناشدا قادة البلاد بالجلوس إلى طاولة حوار وطني.
وشهدت العملة المحلية في ابريل تراجعا امام الدولار هو الأكبر منذ سنوات ما دفع خبراء إلى التحذير من ان الازمة السياسية باتت تؤثر بشكل سلبي ومباشر على القطاع الاقتصادي وعلى نوايا المستثمرين.
وعلى الصعيد الامني لا تزال البلاد التي تفتقد منذ تشكيل الحكومة نهاية عام 2010 إلى التوافق حول اسمي وزيري الداخلية والدفاع تشهد أعمال عنف يومية بينها عمليات اغتيال لموظفين ومسؤولين ورجال أمن.
ويقول المحلل العراقي ابراهيم الصميدعي ان “انحسار الازمة بالسياسة ظاهرة مهمة لابتعادها عن العنف”. ويستدرك “لا احد يستطيع ان يقول هذا (العرس) سيستمر”
ووفقا للمراقبين فان “الامور قد تنزلق نحو مواجهات بين الطرفين. هناك توتر خفي على الناحية الاجتماعية حيث ان الخوف بدأ يتسرب إلى مكونات الشعب من ان تنسحب السياسة على الشارع”. وأن “الازمة لغز كبير ان لم ينزع فتيله فقد ينفجر ويدمر”.
واعتبرالمراقبون ان “الأزمة الطاحنة” باتت تتطلب “قرارات مصيرية وجريئة” واصفين الوضع الحالي بـ”المهزلة السياسية”.
محذرين من ان الصراع “أصبح صاخبا على المصالح الحزبية والفئوية والطائفية والعنصرية مما لا ينذر بسقوط الحكومة فقط وانما بزوال مشروع الدولة العراقية.
ورغم تواصل اجتماعات قادة الكيانات الثلاثة المعارضة للمالكي (العراقية والتيار الصدري والتحالف الكردستاني ) لبحث مايمكن عمله لتنحية المالكي أو ابقائه ضمن شروط جديدة أعلن هو رفضه لها وانه غير مستعد لتنفيذها ما لم تكن متطابقة مع الدستور .. هذا الدستور المتنازع عليه ايضا .الا ان طغيان لغة التهديد والتحدي وغياب لغة الحوار الموضوعي الذي يحترم الرأي الآخر يعني جعل الأزمة تستمر لعقد آخر بعد أن انقضت عشر سنوات دون أن يصل العراق إلى أمن واستقرار على ما كان عليه في السابق..
مما يعني ان الأزمة السياسية العراقية قد تدخل مرحلة خطيرة تقود إلى تداعيات أقل ما يقال عنها انها مرحلة طويلة من عدم الاستقرار قد تتحول إلى صراع طائفي مكشوف في ظل وضع اقليمي ودولي يساعد على ذلك.

قد يعجبك ايضا