«مريم».. عن الحب والحرب والموت


متابعة / أحمد الشرفي –
لا يدعي فيلم “مريم” للكاتبين باسل وتليد الخطيب أنه يقدم رواية تاريخية عن فترة زمنية محددة من تاريخ سوريا تمتد من نهاية الحكم العثماني وصولا إلى اللحظة الراهنة.
ولكنه رغم ذلك يقدم تيمة تاريخية ما خفية بالتأكيد من خلال مسارات درامية محددة تقدم تصورات اجتماعية وإنسانية بل وتتعرض لجدليات سياسية مر عليها زمن طويل كانت فيه طي الكتمان أو التناسي.
الفيلم لا يقدم قصة تاريخية بالمعنى المتعارف عليه التي كثيرا ما نراها في العديد من الأعمال الفنية المشاهدة سواء في السينما أو التلفزيون فالفيلم يروي بشكل انتقائي قصص ثلاث نساء يحملن اسم مريم تعيش الأولى (لمى الحكيم) وهي فتاة يافعة في قرية صغيرة أواخر أيام الاحتلال العثماني للمنطقة العربية تمتلك صوتا ملائكيا يعتني بها إقطاعي نبيل يختلف عن إقطاعي عصره بالكثير من النواحي ويجعلها ضيفة طرب لأكابر ضيوفه في قصره وتحب شابا يافعا ويتعلقان معا بفرس تكاد تموت فتحزن عليها وتقوم بحرق نفسها بينما تحضر نفسها للغناء في قصر الإقطاعي نديم.
قصة مريم الثانية (سلاف فواخرجي) تقفز بنا بالزمن ما يقارب الخمسين عاما فنحن هنا أمام سيدة أربعينية مسيحية من الجولان مات زوجها في الحرب تفقد حماتها في حرب الـ67 في كنيسة تحت القصف الإسرائيلي وتصاب في الحرب مع ابنتها ثم تموت وتترك ابنتها مع عسكري لا يلبث أن يجعلها بعهدة سيدة مسلمة في دمشق لتتربى بين يديها وتصبح صبية وتعمل في دار للمسنين.
مريم الثالثة (ديمة قندلفت) فتاة تعيش في زمننا المعاصر مغنية ترفض تعامل أسرتها مع جدتها فتعمل على إخراجها من دار المسنين التي وضعوها فيها لكنها تفشل وهي تحمل في قلبها الكثير من معاني الحب والدفء للماضي.
الفيلم لا يروي أحداثا تاريخية بشكل مباشر إنما ينتقي عينات من أحداث وقعت أو يفترض أنها وقعت في هذه الأزمنة ثم يحاول من إعادة صياغتها أن يروي بسياق مختلف تاريخ المنطقة الاجتماعي وأحيانا السياسي من خلال طرح أسئلة إشكالية كبرى.
ويصور الفيلم الآن بريف حمص وطرطوس بوجود حشد كبير من الفنانين السوريين وكذلك فريق تقني كبير يضم أمهر العاملين في المجال السينمائي في سوريا ع خبراء في التصوير والماكياج من إيران.
من يشهد العمل سيطلع على حجم النشاط الكبير الذي يبذله الفريق لإنجازه في الصورة المثلى فالفريق التقني يبدأ العمل في السادسة صباحا ويأتي فريق الإخراج والتمثيل في الثامنة لتدور كاميرا التصوير حتى المساء في قصر عثماني قديم في قرية جميلة.
الفنان أسعد فضة حاضر بقوة في موقع العمل حتى بدون أدائه لدوره بلطفه الكبير ودفعه حماس فريق العمل التقني عندما يصيب بعضهم قليل من التعب بعد ساعات طويلة من العمل وكذلك الأمر مع جهاد سعد وفاروق الجمعات ونادين وأمية ملص ورباب مرهج وأحمد رافع وآخرين.
كاميراتي الفوتوغراف و”الميكينغ أوف”. تسجلان تفاصيل العمل بدقة لتحضير ملفات الصور عن العمل وكذلك لإعداد أفلام الميكينغ أوف .
مدير إنتاج الفيلم فايز السيد أحمد يقول أن أجواء العمل صعبة لكنها جدية “العمل يسير بوتائر جيدة الجميع متعاونون ونأمل أن نصل بالنتيجة إلى النجاح المطلوب الذي تسعى إليه المؤسسة والمخرج”.
ويضيف “هذا العمل يحمل لي خصوصية كونه يتعامل مع مستويات زمنية متعددة في فيلم واحد وهذا ما حفزنا لبذل المزيد من الجهد لكي نصل للنتيجة المطلوبة”.
أما الفنان المخضرم حسان أبوعياش الذي يقود فريق الديكور والإكسسوار فهو يترك انطباعا لدى السائل بأن الأمور تسير بشكل انسيابي هادى فريقه يعمل في ثلاث مواقع بشكل متزامن لكي يجهزوا العمل المطلوب.
والواضح أن أبوعياش بذل الكثير من الجهد للوصول إلى الصيغة المثلى للصورة المطلوبة خاصة بالنسبة للمرحلة العثمانية التي تتطلب الكثير من البحث والتدقيق في تفاصيل الديكور والإكسسوار.
في الموقع كان هنالك فريق صغير مختص بصناعة المطر الذي ينفذ من خلال وجود نافورتي ماء كبيرتين تغذيان من خزان ماء كبير موجود في المكان.
إلى جانب كل فرق العمل المعتادة هنالك فريق خاص بفن الغرافيك الذي يحضر مرحلة التصوير في اللقطات التي تخصه هذا الفريق ساهم في تصميم اللقطات الصعبة التي تمثل حرق مريم لنفسها في قصر نديم بيك وبذل مع فريق الإخراج والممثلين الكثير من الجهد للتنفيذ الأمثل.
باسل الخطيب حيوي في العمل إلى درجة كبيرة هو خلف المونيتور حينا وبين عمال الديكور حينا آخر يساعدهم ويرشدهم إلى كيفية تشكيل الديكور لكي يتناسب مع ظرف اللقطة المناسب وكذلك مع فريق الإضاءة يقفز بسرعة إلى وسط الصالون الذي يصور فيه ممسكا بالنص بين يديه يدرس حركة الممثلين ويضبطها ثم يبدأ التنفيذ ويقود العمل من خلف شاشته.
فيلم “مريم” يبشر بعمل سينمائي هام في تاريخ المؤسسة العامة للسينما السورية ولكن الحكم في النهاية مرهون بالنتائج التي نراها على الشاشة وفي كل الحالات لابد من الانتظار حتى نرى النتائج.

قد يعجبك ايضا