“العدالة” تخذل المظلومين

أعوام عديدة مرت وهم بين حيطان السجن وأقفاص الاتهام والمحاكم.. مئات النزلاء يقبعون خلف قضبان السجون المركزية منذ عشرات السنوات على ذمة قضايا مختلفة.. منهم من صدر بحقهم أحكام قضائية ويقضون حالياٍ فترة عقوبتهم ومنهم من ما تزال قضاياهم رهن التحقيق أو منظورة أمام منصات ومنابر العدالة.
وفي ظل الوضع الراهن الذي يمر به الوطن.. تعيش أجهزة القضاء “محاكم, نيابات” عدم استقرار والتزام من حيث الدوام الرسمي وإنصاف المظلومين.. وذلك يعود لعدة أسباب أهمها العدوان السافر من قبل السعودية وحلفائها على بلادنا, مما ترتب عليه غياب الأمن والاستقرار بالوطن.. وهذا الحال يضع نزلاء السجون في ورطة ومأساة.

تصل أيام الإجازات الرسمية للسلطة القضائية ما يقارب “180” يوماٍ في العام, أي نصف السنة إجازة رسمية.. بالإضافة إلى الإضرابات وتعليق العمل الذي ينفذه أعضاء السلطة القضائية في حين تعرض أحدهم للاعتداء أو ما يمس بسيادة واستقلال القضاء.. وكان نزلاء السجون المركزية والاحتياطية وكذا المتخاصمين وأصحاب القضايا بالمحاكم والنيابات يشكون من الإجازات القضائية ويتذمرون ويحملونها السبب في تأخير الفصل في قضاياهم لسنوات عديدة.
وفي ظل الوضع الراهن الصعب الذي تمر به البلاد.. تأثر الجهاز القضائي كغيره من أجهزة  ومؤسسات الدولة.. رغم أهمية تواجده وحضوره في أوقات كهذه.. كونه ميزان العدالة للجميع.. ومرجع كافة الأطراف.. ونجد البلدان الأخرى في حال وقوعها بوضع لهذا تلجأ القوى إلى السلطة القضائية.. بينما نحن وفي هذه الأيام نجد القضاء مختفيا وغائباٍ حتى في فصل القضايا المنظورة أمامه.
المحامي خالد العفيري يؤكد أن القضاة هم عدالة السماء في الأرض ومهمتهم مستمدة من الحكم العدل سبحانه وتعالى وأن القاضي منوط به أعظم مهنة وهي الفصل بين الخصوم.. مشيراٍ إلى أن  توقف القاضي وامتناعه عن أداء وظيفته  وممارسة سلطته القضائية يعد إنكارا للعدالة وسببا رئيسيا في اختلال حياة الناس.
 ويضيف المحامي العفيري “أساس عمل السلطان هو تطبيق أحكام القضاء, فإذا لم نجد أحكاما قضائية تردع المجرمين وتنهر المعتدين فإن المجتمعات مصيرها الزوال والضرر الأكبر يلحق المحبوسين على ذمة قضايا منظورة إما أمام  النيابات أو لدى مأموري الضبط القضائي حيث يتم تعطيل الإجراءات القانونية وتصبح القاعدة القانونية حبر على ورق ولا يقتصر الضرر على السجناء فقط بل يتعداه إلى تعطيل مصالح الناس وإهدار حقوق الإفراد وضياع أرزاق فئات كثيرة من المجتمع مثل المحامين والطباعين والباعة وأصحاب المحلات جوار الجهات القضائية”.
وعن أساب توقف أو تخاذل القضاء عن أداء مهامه يقول المحامي خالد العفيري: هناك عدة عوامل أبرزها الانفلات الأمني الذي تمر به البلاد لأنه من المعلوم أن الأمن يعتبر الركيزة الأولى بل الوجه الآخر من عدالة القضاء وكل منهما يكمل الآخر ويعتبر الأمن الحصن المتين لتمكين وتنفيذ قرارات وأحكام القضاء وللأسف الشديد الانفلات الأمني الذي فرض علي البلاد هو السبب الرئيسي لعدم قدرة القضاء على مباشرة مهامه وتطبيق القوانين النافذة للحد من انتشار الجريمة”.
 واعتبر العفيري الانفلات الأمني الأرض الخصبة والمصدر الرئيسي لانتشار الجريمة في المجتمع وبذلك ليس هناك ما يمنع وقوع الجريمة.. مؤكداٍ أن الوطن فقد هويته الشرعية والقانونية المتمثلة بهيبة الدولة وقوتها التي ضاعت نتيجة الانفلات الأمني الذي أصبح يبحث عن من يؤمنه, حد قوله.. لافتاٍ إلى أن القضاء يبحث عن  من ينصفه ويعطيه حقوقه المكفولة في القانون وتوفير الحماية الأمنية لهم.
وعن الحلول الممكنة والتي تساعد القضاء في القيام بواجبه يربطها المحامي العفيري بوجود الأمن ودولة ذات هيبة وقوة تمكن القضاء من تطبيق القانون وكذلك تمكن النيابة العامة من مباشرة اتخاذ الإجراءات القانونية من حيث تطبيق العقوبات الصادرة من خلال أحكام القضاء وكذا متابعة مهام التفتيش القضائي لمعرفة أحوال وأوضاع السجناء وغيرها من الحلول الناجعة والفعالة.. إلا أن العفيري يؤكد أن الحل الرئيسي هو وجود أمن واستقرار يحمي القاضي وينفذ أحكام القضاة.
وهناك أسباب عديدة  لتأخر القضاء في فصل القضايا المنظورة أمامه والتي أضيف إليها حالياٍ الانفلات الأمني, منها:  عدم وجود بنية تحتية مؤهلة لمباني القضاء «المحاكم» والنيابات, حيث إن أكثر مباني القضاء مستأجرة وغير متسعة بالإضافة إلى العدد غير الكافي من الكادر البشري «القضاة» نتيجة لإغلاق المعهد العالي لتأهيل القضاة الذي استمر إغلاقه أكثر من سبع سنوات خلال الفترة الماضية.. مما يجعل الفترة التي يحددها القاضي ما بين الجلسة والأخرى تصل بعض الأوقات إلى أكثر من شهر وذلك للعدد الهائل من القضايا المطروحة أمام القضاء.
طرق غير مؤهلة
رجال الأمن أيضاٍ مساهمون في تأخير الفصل بين المتخاصمين وذلك بجمعهم محاضر التحقيقات والاستدلالات بطرق غير مؤهلة علمياٍ ولا تشمل كل البيانات حول القضية خاصة الطب الشرعي الذي يملك إمكانيات بسيطة لم تواكب التقنيات الحديثة للطب الحديث في جمع استدلالات لا تخلو من قصور المعلومات والبيانات التي لا تساعد القضاة في الكشف عن المتهم الحقيقي في إي قضية وهذا ما يجعل القضاة عادةٍ يدرسون القضية من جديد.
700 قاضُ لسكان اليمن
قاضي الأحوال الشخصية بمحكمة بني الحارث والمسئول الإعلامي لفرع نادي قضاة اليمن بصنعاء  رضوان العميسي يرى  أن أسباب تطويل إجراءات التقاضي يعود إلى قلة الكادر القضائي في المحاكم مقارنةٍ بالقضايا المطروحة أمامهم.. مضيفاٍ “لا يوجد سوى (700) قاضُ لعدد خمسة وعشرين مليون مواطن يمني ما يعني أن لكل (35714) مواطناٍ قاضيا واحدا وهذا لا يتطابق مع المعايير الدولية التي تفترض قاضياٍ واحداٍ لكل (8000) مواطن على الأكثر وهذا يعني أننا بحاجة إلى أربعة أضعاف العدد الموجود”.
وأشار العميسي إلى أن عدد الكادر الإداري مساهم بشكل كبير في عملية تأخير الفصل في القضايا “يوجد في الغالب أمين سر واحد للقاضي يقوم بكافة الأعمال من كتابة محاضر الجلسات وتنزيل السجلات وتحرير الإعلانات والمذكرات بالإضافة إلى تصوير المحاضر والملفات للخصوم ناهيك عن تحصيل الأحكام, وهذا كله عمل مضنُ يحتاج على الأقل إلى ثلاثة موظفين إداريين” قد يحتاجهم كل قاضُ.
يضاعف من المشكلة
انعدام التأهيل المستمر للقضاة والإداريين يضاعف من المشكلة “حسب قول العميسي” إذ إن الكثير من القضاة لم يلتحقوا بدورات تأهيلية منذ التحاقهم بالعمل القضائي ومثلهم الإداريين.. منوهاٍ بأن القضاة بحاجة إلى صقل مواهبهم من خلال الدورات التدريبية المستمرة .
80% مباني إيجار
وعن عدم وجود البنية التحتية الكافية التي تستوعب جلسات القضاة على مدار الأسبوع والمكاتب الإدارية اللازمة قال العميسي “أكثر من80% من مباني المحاكم إيجار وتعتبر مباني سكنية لا تصلح لمحاكم أو لجلسات قضائية وهذا يسهم بشكل كبير في تأخير فصل القضايا لأن القضاة يضطرون من خلال هذه المباني إلى عقد الجلسات في ثلاثة أيام من الأسبوع وذلك تناوباٍ على القاعات من قبل القضاة”.. مشيراٍ إلى أن العدد الكبير من القضايا الواردة إلى المحاكم مع قلة عدد القضاة وعدم توفر القاعات الكافية تجبر الحاكم على تحديد زمناٍ قد يصل إلى شهرين بين الجلسة والأخرى.
يعتقد العميسي “أن كثرة العطل في المناسبات الدينية والوطنية وإضرابات القضاة بالإضافة للإجازة السنوية التي تمتد لشهريين متتابعين خلافاٍ للمعمول به عند الآخرين من الأسباب الرئيسية في تأخير الفصل بين المتخاصمين إذا يصل عدد هذه الإجازات إلى ما يقارب 180 يوماٍ في السنة أي نصفها”.. مشدداٍ على ضرورة إعادة النظر في هذا الجانب من قبل الجهات المختصة.
وعن الأسباب القانونية يقول العميسي “الأسباب القانونية أكثر من الواقعية ولا يسع المجال هنا لذكرها” ومن هذه القوانين نذكر “بشأن وجوب الفصل في الدفوع المتعلقة بالنظام العام قبل الخوض في موضوع الدعوى وما يترتب على ذلك من استئناف القرار ثم الطعن فيه أمام المحكمة العليا, لتعود القضية مجدداٍ إلى الابتدائية بعد أن يكون قد مر عليها سنة إلى سنتين ولم يتم الرد على الدعوى بعد.. بالإضافة إلى ما نص عليه القانون بشأن الإعلانات لثلاث مرات وكذا المدد القانونية للطعن على القرارات والأحكام…وغيرها”.
أخيراٍ
قد تكون هذه الأسباب مجتمعة هي من تقف وراء تزايد السجناء داخل السجون وتراكم القضايا بأروقة المحاكم, لكن تبقى كل الأسباب من السهل حلها في حال وجود الأمن والاستقرار والحماية الأمنية للقاضي وأسرته وضمان عدم تعرضه لأي اعتداء.. ما لم ستظل العدالة تخذل المظلومين والمتخاصمين.

قد يعجبك ايضا