تنمية معدومة..وسؤال حائر أين هي الدولة¿!

في الطريق إلى مديرية بيحان محافظة شبوة تواجهك الكثير من الصعوبات خصوصاٍ في هذه الأيام, صعوبات لا تقل في شأنها عن صعوبات ترزح تحت وطأتها المديرية وأبنائها.
مديرية ولكنها تفتقد لأبسط المقومات لا يوجد فيها شيء يذكر مما يمكن اعتباره مؤشراٍ على وجود مديرية, طرقات مخربة مستشفيات خربة غياب كامل ومطلق للمنتزهات انقطاع مستمر للكهرباء وصيدليات بحاجة ماسة إلى توفر الدواء.
قبل أن أتوغل أكثر في توصيف المشهد العام لمديرية بيحان وتحديداٍ بيحان العليا وهي عين المكان الذي أقصده برحلتي دعوني أقودكم أولاٍ معي في رحلتي منذ البداية إلى النهاية وذهاباٍ وإياباٍ وبالمجان..

اعتدت أن أسافر إلى بيحان درجة العادة أن خط السفر إليها هو آمن وهو خط مرهق للغاية والمسافة من مقر سكني بصنعاء يمكن استيعابها بست ساعات الطريق إليها لا يشهده طريق فأنت لا يمكن أن تلتقي بمدن أو قرى ظاهرة تسهل عليك من عناء السفر باستثناء ما يمكن من بعض المدن وهي ما يمكن وصفها ارتباط بالمدن أي لا توجد فيها أي مقومات حقيقية للمدن.
في أثناء ذلك عليك أن تعبر من طريق هو أشبه ما يكون بقطعة من جهنم, من التجني وصفه بالطريق, فهو عبارة عن حفر ومطبات لا تنتهي طريق يأكل منك الوقت ويضاعف من مسافة السفر ليضرب في ذهنك سؤال بقوة أين هي الدولة¿! وأين هي مصلحة الطرقات, وأين هي مكاتب الأشغال وأين هي المجالس المحلية وأين هي كل الجهات الرسمية, الذي تستقطع من قوت المواطن ضريبة لإصلاح وصيانة هذه الطرقات..
باختصار.. الطريق إلى بيحان قطعة من جهنم.
هم يغلب هم
إن خلصنا من الهم السابق فلن نخلص من هم نقاط التفتيش الذي تعترض طريقك بمسافات متقاربة, فهذه نقطة تابعة للجيش, وهذه نقطة تابعة للمقاومة, وأخرى للجان الشعبية, ونقطة لقاطعي الطرق, الجميع يطالبك بإبراز بطاقتك الشخصية وكأنك وافد عليهم من كوكب المريخ,  بالرغم من سحنتك الذي تبرز هويتك, ولكنهم يبحثون عن شيء آخر يفتشون في هويتك بغرض التأكد إلى أي فيصل أنت تنتمي, أنت في وطنك ولكنك محط شك من الجميع , والجميع يتوجس خيفة, فلعلك عنصر مقاتل يسافر بنية الالتحاق بالقتال مع أي فصيل, وليس يسافر بنية الاطمئنان على الأهل والأصدقاء.
لن أستطرد أكثر حتى لا أصيبكم بالغثيان الذي أصبت به بالصور القميئة التي شاهدتها من أطفال مسلحين يطالبونك بإبراز هويتك من دون أن يدركوا كيف يفك الحرف, فيتبصرون في هويتك ويحدقون فيها بنية استفزازك لا أكثر.
الجميع معرض للتفتيش حتى وإن كنت تصطحب في طريقك  عائلتك, عليك أن تفتح في كل نقطة تفتيش نافذة السيارة ليتأكدوا أن من برفقتك عائلة بالرغم من صعوبة ذلك.
مع هذا مازلت في الطريق إلى بيحان.
مدينة أشباح
عندما وصلت إلى بيحان وجدتها أشبه ما تكون بمدينة أشباح, مدينة تغرق في ظلام دامس ويخيم فيها سكون مريب يدفعك لأن تسترد أنفاسك, وانتظرت للنهار حتى يخرج تقييمي للوضع بشكل أكبر مقارنة لحقيقة الواقع.
النهار في بيحان
تستطيعون القول إنني صحوت على فاجعة, فليل ببيحان أرحم من نهارها, فالمشهد العام يمكن اختزاله بكلمة واحدة: (كارثة)..
أنتم في مديرية تسمعون عنها كثيراٍ ولكنها أبعد ما تكون عن حقيقة كونها مديرية, لا مشاريع تذكر, لا مستشفيات حقيقية تنهض بأعباء مرضاها وجرحاها, ولا مدارس يمكن وصفها بالنموذجية, ولا أسواق تعج بالبضائع, ولا منتزهات, ولا كهرباء, ولا ماء, ولا  دواء.
في بيحان تشعر بأنك في مديرية لا تقوم فيها قائمة للحياة, ويحتاج أهلها إلى كثير من الصلاة حتى يشعرون أنهم أحياء.
ألم أقل لكم في البداية أن السفر إلى بيحان قطعة من جهنم مع هذا فأنا أعتبر قرار سفري إليها صائب لأني ازور عائلتي وأتعرف على مولودي الجديد ولولا هذا لكان السفر إليها قطعة من جهنم بالفعل.
كثبان من الرمل
رسالتي كصحفي تحتم علي نقل ما أشاهده بكل مصداقية وبدون تجني أو مبالغة وحتى لا اتهم بالنزوع نحو التثبيط كان علي ان اسرد انطباعي أيضاٍ عن كل ما هو جميل في هذه المديرية فماذا وجدت¿
في الطريق إليها – بيحان- صحراء مترامية الأطراف كثبان من الرمل تلتحم بالسماء مشهد يأخذك من نفسك من كل محيطك ليحلق بك في امتداد لا متناهُ من الروعة.
فن معماري
بمجرد ان تدلف على المديرية سوف تشاهد فن للعمارة اليمنية هذا الفن الذي يذكرك بروعة الإنسان اليمني القديم الذي اجترح الصعب واستطاع أن يشيد الصحراء ويسكنها ويعمرها وأن يخلق نوعاٍ من العلاقة الحميمة والأزلية مع هذه الكثبان من الرمل فن للعمارة القديمة الذي يتماها مع محيطها الصحراوي لأنها مواد استخرجت من ذات المحيط بل واستطاعت أن تتطاول في البنيان وكأنها جبال شاخصة تطل من بين ثنايا هذه الصحراء وتلتحم بها.
هذا الفن المعماري جعلني أتذكر منشوراٍ للأستاذة الكبيرة أحلام مستغانمي على صفحتها في الفيسبوك: عندما كان الإنسان في أوروبا يسكن الكهوف والأدغال كان الإنسان في اليمن يسكن في قصور من خمسة أدوار نعم إنها قصور لكن هناك قصور معرفي في فهم أهمية الحضارة التي بناها إنساننا اليمني بجذور تضرب أطنابها في أعماق التاريخ ويمتد تأثيرها إلى الحاضر.
سبعة أيام
قضيت سبعة أيام في بيحان إلا أني اشعر بأني قضيت سبع سنوات عجاف من عمري لذا قررت أن آخذ عائلتي الصغيرة عائداٍ باتجاه صنعاء.
حيدت كل المشاهد التي أصابتني بالإرهاق والتعب وسأتذكر الصحراء التي سترافقني لساعات سأناغيها سأتعثر برملها سأحاول أن أبحث فيها عن أجوبة مقنعة لكل الأسئلة التي وردت في ذهني .
غادرتها وقت شروق الشمس وأشعة الشمس تكسو رمال الصحراء بلون الذهب لن يغير هذا من حقيقة أن صحرائنا هي الذهب ولكننا نغفل عن ذلك.
غادرت بيحان محفوفاٍ بكرم أهلها ومروءتهم عادات يبدو أنهم جبلوا عليها وهي تجري فيهم مجرى الدم ولا يمنعها عنها ضيق ذات اليد.

قد يعجبك ايضا