◄ عبرها كانت أبرز الطرق المؤدية الى حاضرة الدولة الصليحية
إذا اتعبتك هموم الحياة فعليك بالغوص بين ثنايا الطبيعة هروباٍ من الحياة اليها , وهذا ما عملناه قبل يومين حيث تركنا السياسة الى السياحة , ساعات اختطفناها من يوم الاثنين الماضي بعدنا خلالها عن ما نعيشه من ظروف سيئة الى رحاب السياحة, فكم زادت آلامنا من تلك المجازر التي يرتكبها العدوان السعودي بحق أبناء شعبنا اليمني في مختلف المحافظات وكان آخرها وأبشعها تلك المجزرة البشعة التي استهدفت مدينة عمال الكهرباء في مدينة المخا والتي انهالت عليها طائرات الحقد بصواريخها بلا رحمة وادت الى استشهاد العشرات من سكان تلك المدينة المسالمة اطفالا ونساء ورجالا بعضهم نزوحوا الى اقارب لهم في هذه المدينة هربا من المواجهات الدائرة بين اذرع السعودية والجيش واللجان الشعبية في بعض احياء مدينة تعز إلا أن طائرات العدوان لم تترك لهم خيار سوى الموت فمن لم يمت يرصاص آل سعود وسلاحهم الذي تسقطه طائراتهم يمت بصواريخهم القذرة من نفس تلك الطائرات .
النوعة
جريمة أدمت القلوب وأدمعت الأعين وتركت حرقة وألماٍ في الصدور , صور الضحايا والدماء يصعب نسيانها فما ان نحاول نسيان جرائم سابقة للعدوان حتى يعمد على ارتكاب المزيد , فكيف ننسى تلك المجازر في صنعاء وعدن وصعدة ولحج والحوبان بتعز والعبر بحضرموت وإب ويريم وذمار وغيرها الكثير في محافظات يمنية كثيرة .
ساعات من الصفا
ورغم كل تلك الاوجاع إلا أننا استطعنا ان نقضي ساعات من صفاء ومناجاة الروح عشناها بصحبة الطبية الخلابة اسفل جبل التعكر وفي رأس وادي ضباء الذي يتمتع بمناظر جمالية تريح الفؤاد الموجوع والقلب الجريح الذي ادمته مشاهد الدمار والدماء التي تسال من أبناء الشعب اليمني المظلوم من قبل الشقيقة الحاقدة عليه أرضا وشعبا و تراثا وحضارة .
رقرقات المياه وتغريدات العصافير وحفيف تلك النسمات من الرياح العليلة ومناظر الاخضرار التي احاطتنا طوال مشورانا وأينما توجهنا وتقدمت خطواتنا صعودا صوب جبل التعكر مرورا بالعديد من القرى والمناطق الجميلة المتواجدة على جنبات وادي ضبأ فمن قرية الرباط الى قرية العدانة الى قرية مدية بكسر الميم وتسكين الدال وفتح الياء حيث حطت رحلتنا اعلى هذه القرية الفاتنة التي تشتهر بزراعة الخضروات والفواكه ابرزها البيعة والقشمي ويطلق عليها الخصار والبقل , كذلك تشتهر هذه القرية بزراعة الموز ذي المذاق اللذيذ جدا وهذا ما يجعل سعرها مرتفعاٍ عن سعر الموز العادي وهناك اكتشفنا ان شجرة الموز لا تثمر سوى مرة واحدة فقط ولكنها قبل ان تنتهي تنبت شجرة أو اكثر بجوارها تثمر وتنتهي وبدورها تنبت اشجارا اخرى قبل انتهائها وهكذا يستمر الانتاج وتستمر دورة حياة هذه الشجرة دون ان تنتهي ثمارها .
قبل وصولنا الى منطقة اعلى قرية مدية تلك المنطقة القريبة من شلال المركاض الكبير الفاصل بين بداية وادي ضبأ وجبل التعكر مررنا بالعديد من المناطق الجميلة في سائلة الوادي الشهير والتي تمثل مزارات هامة منها الهدافة وصفا الارجاح والعنبي والاخيرة تعد اهم تلك المزارات في هذه المنطقة وفيها يوجد جسر الملكة اروى بنت احمد الصليحي وسمسرة قديمة كانت بمثابة الاستراحة للمسافرين القادمين عبرها من والى مدينة جبلة حاضرة الدولة الصليحية كونها كانت طريقا هاما الى جبلة عبر جبل التعكر وكما يقول أهالي قرية مدية من كبار السن ان الملكة اروى كانت تخطط لعمل نفق يخرق التعكر الى مدينة جبلة لتكون طريق المسافرين عبره وبالتالي تختصر الكثير من الوقت والجهد على المسافرين ومتاعب الصعود عبر جبل التعكر والنزول منها في ذهابهم وإيابهم الى عاصمة الصليحيين .
في منطقة العنبي أيضا توجد المياه العذبة والنقية التي تستمر بالجريان صيفا وشتاء واليها تشد الرحال من قرى ومناطق قريبة لشرب المياه واخذ عينات منه ليشربونها في منازلهم .
جمال رغم ندرة الأمطار
في مكان يقع اعلى قرية مدية كانت محطة للتوقف والجلوس لمناجاة الطبيعة الساحرة التي حباها الله لذلك المكان وسط السائلة بين صخورها ورقرقات المياه الجارية فيها على قلتها على غير ما جرت عليه العادة في مثل هذا الوقت من فصل الصيف والسبب كما قالت إحدى النساء القادمة من ارضها وعلى رأسها حزمة من الحطب حيث اوضحت ان الامطار لهذا العام قليلة جدا مقارنة بالاعوام الماضية حيث تكون هذه المنطقة في مثل هذه الايام اكثر جمالا وسيولها اكثر جريانا وتدفقا بشكل يسمع من مكان بعيد , وأشارت الى انه لولا زخات المطر التي انهمرت بالامس وتقصد الاحد الماضي لكانت المياه الجارية الموجودة الآن غير موجودة ولجفت تماما .
ومع ان الامطار ليست غزيرة وجريان المياه قليل في هذا المكان الا ان المناظر المحيطة به واحات من الاشجار الخضراء التي تزينها الالوان الزاهية واليانعة واصوات الطيور والعصافير زادت المشهد صفاء وجمالا , سويعات مكثناها في ذلك المكان تأملنا بصمت ما حولنا وكلما تأملنا شعرنا بانفراج اسارير صدورنا وإزلةهمومها المتراكمة التي كبتت عليها منذ زمن وحاولنا نسيان تلك الغصة التي ارقت منامنا بفعل جرائم العدوان .
الطبيعة في ابهى صورها
وهنا يقول الاخ عبدالمعين عبدالله النوعة مدير مدرسة 30 نوفمبر بقرية مدية صاحب فكرة هذه الرحلة: إن هذا المكان يمثل ابرز الاماكن الجميلة التي تشعر المرء بالارتياح , ويضيف : بمجرد ان اشعر بضيق أو كرب آتي الى هذا المكان واجلس مع نفسي اشتم هذا الهواء العليل واستمتع بجمال الطبيعة المحيطة حتى اذا اردت ان اجعل اطفالي يستمتعون باوقات سعيدة لا اجد افضل من هذا المكان للعب والسباحة وقضاء معظم ساعات نهارنا وعندما اعود الى المنزل اشعر بأن ابنائي بالفعل استمتعوا بوقتهم وينعكس ذلك ايجابا في تعاملهم وسلوكهم في المنزل فالاطفال بحاجة ماسة بالفعل الى التنزه والعيش مع الطبيعة في ابهى صورها خاصة في مثل هذه الظروف التي نعيشها والحرمان المحيط بهم من كل اتجاه وعلى الرغم من ان عملي في هذه القرية القريبة من هذا المكان وهذه القرية بكاملها منطقة سياحية رائعة الجمال وزياراتي لها كثيرة بحكم العمل إلا أن زيارتها للتنزه تختلف كثيرا عن زيارتها للعمل .
نزهة مع الاطفال
ما قاله مدير المدرسة جعلني اصطحب اطفالي صبيحة اليوم التالي (الثلاثاء الماضي) وهو ايضا اصطحب اطفاله وقمنا برحلة الى تلك المناطق ليستمتع بها الأطفال ويخرجون من دائرتهم اليومية التي تعودوا عليها وفعلا استمتعوا بوقتهم وكان اكثر شيء استمتعوا به اللعب بالمياه والاغتسال .
متنفس للنازحين
اثناء رحلتنا في تلك المناطق وجدنا العديد من الزوار الذين نزحوا الى مدينة القاعدة وذي السفال جراء الصراعات والعدوان في مدنهم خاصة تعز وعدن لحج. وقال احد النازحين في مدينة القاعدة مسعود صالح: إن هذه المنطقة جميلة للغاية تتجلى فيها روعة الخالق سبحانه وتعالى وقدرته التي احاطها بأسرار الجمال ومفاتن الطبيعة , مشيرا الى انه كل اسبوع لابد وان يقوم بزيارة هذه المنطقة مع اسرته ونسيان الاوجاع التي خلفها العدوان وجعلهم يتركون منزلهم في تعز بحثا عن الامان .