يضغط الشق المتشدد داخل حزب النهضة الإسلامي والذي يعرف بالصقور داخل الحركة في اتجاه خروج حزبهم من الائتلاف الحكومي الأغلبي في تونس والذي يشكله مع أحزاب نداء تونس والاتحاد الوطني الحر وآفاق تونس وذلك على خلفية ما باتوا يعتبرونها “حربا شعواء” يشنها حزب نداء تونس ورئيس الحكومة الحبيب الصيد على الإسلاميين بمختلف منازعهم الايديولوجية وعلى رأسهم حزب النهضة الإخواني رغم انه شريك اساسي في الحكم.
ودعا الحبيب اللوز أحد أبرز القيادات التاريخية لجماعة إخوان تونس صراحة قادة حزب النهضة وعلى رأسهم راشد الغنوشي إلى “مراجعة وتقييم علاقة النهضة مع شريكها في الحكم حركة نداء تونس” وذلك ردا على الخطوات الجريئة التي اتخذتها حكومة الحبيب الصيد لمحاربة التطرف والإرهاب وتجفيف منابعه.
واتهم اللوز وهو أحد أبرز القيادات التاريخية والمتشددة في الحركة الإخوانية بوضوح الصيد بالشروع في ضرب النهضة وكل من له منزع إسلامي واستغلال العمليات الإرهابية لغلق المساجد وعزل الأئمة وعزل كل مسؤول في جميع الوزارات والإدارات لمجرد الشبهة في قربه من الحركة”.
وجاءت تصريحات اللوز على خلفية الجهود التي أطلقتها حكومة الحبيب الصيد منذ هجوم سوسة في يونيو الذي تبناه تنظيم الدولة الإسلامية لشن حرب شاملة وفعالة على الإرهاب بعد سنوات من التردد الذي اضعف الدولة وأنهكها امام تمدد الحركات الجهادية وانتشارها بشكل خطر في تونس على مرأى ومسمع من حزب النهضة وحلفائه الذين حكموا تونس طيلة ما يقارب ثلاث سنوات اعقبت انهاير نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
واتخذت حكومة الصيد حزمة من الإجراءات لتضييق الخناق على الجماعات الجهادية منها غلق 80 مسجدا خارج عن سيطرة الدولة وعزل عدد من الأئمة استغلوا منابر المساجد لنشر خطاب متشدد يحرض على العنف والتكفير.
كما اتهم اللوز الحكومة أيضا بـ”استغلال عديد العمليات الإرهابية لغلق المساجد وعزل بعض الأئمة وفرض الخطبة الموحدة وغلق جامع الزيتونة والحملات على اللحى”.
وقال اللوز العضو السابق بالمجلس التأسيسي الذي اشرف على كتابة الدستور الجديد لتونس في تصريحات صحفية: إن النهضة لا يتم إشراكها إلا في “ما كل هو مر”.
ونفى حزب نداء تونس الذي يقود الائتلاف الحاكم الذي أغضبته تصريحات اللوز مزاعم القيادي الإخواني المتشدد والذي عرف بمواقفه المتشددة والرافضة لمظاهر التقدم والانفتاح في تونس الحديثة التي اسسها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة نافيا وجود “أي حملة لضرب النهضة أو استهداف المساجد.
وقال القيادي في النداء خالد شوكات: إن ما يحصل بالفعل هو “ضرب للفتنة ولخطاب العنف والكراهية”.
وشدد شوكات على أن “غلق المساجد الخارجة عن سيطرة الدولة هي سياسة وضعت بموافقة عدد كبير من قيادات النهضة نفسها” مشيرا إلى ان العدو الذي يهدد الدولة الوطنية هو عدو مشترك بيننا وبين حركة النهضة المنخرطة في الحرب ضد الإرهاب.
وقالت وزارة الشؤون الدينية التونسية: إن الهدف من غلق عدد من المساجد هو “تنظيمها لتكون تحت إشراف الدولة بشكل مباشر”.
واكدت “أن المساجد هي مرافق عمومية تقدم خدمات دينية ولا بد لها من أن تكون تحت السيطرة لمنع التسيب ومحاصرة الخطاب التكفيري الداعي إلى القتل والإرهاب”.
ونجحت الأجهزة الأمنية منذ بدء الحملة وخلال شهر رمضان في تفكيك العشرات من الخلايا كانت تخطط للقيام بهجمات على مؤسسات الدولة والمنشآت السياحية وتنفيذ عمليات اغتيال تستهدف سياسيين وأمنيين.
ويقول مراقبون إن تصريحات اللوز وحتى تصريحات رئيس الحركة راشد الغنوشي نفسه تؤكد صحة مخاوف طيف واسع من القوى التقدمية في تونس من الخطاب المزدوج لحركة النهضة وقياداتها التي تبطن من المواقف ما لا تظهره منها خاصة محاولات الغنوشي المستميتة لإظهار ان حركته تطورت وأصبحت تؤمن بـ”الطابع المدني” للدولة التونسية وبدستورها.
وينص الدستور التونسي على أن “الدولة راعية للدين كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي”.
كما ينص على أن الدولة “تلتزم بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدسات ومنع النيل منها كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها”.
وتعددت مؤخرا المؤشرات على أن الحركة ترفض أن تمارس الدولة صلاحياتها الدستورية في الإشراف على المؤسسات والفضاءات الدينية وهو ما يتناقض مع الدستور الجديد الذي ساهمت النهضة نفسها في استصداره.
ولم يتردد الغنوشي في القول: “لا نريد أن نسمع مرة أخرى من يقول إنه يجب غلق المساجد والروضات القرآنية بدعوى محاربة الإرهاب”.
ويقول مراقبون إن النهضة لم تتأخر كثيرا في الكشف عن حقيقتها الايديولوجية وأن مزاعم “القبول بالدولة المدنية في تونس” والاستعداد للتعامل معها كواقع يفرضه الدستور وقيم العصر الحديث سرعان ما تهاوت مع اول امتحان جدي لموقف الحركة من السلفيين المتشددين وما يمثلونه من خطر محدق على مستقبل البلاد بسبب ميولاتهم الجهادية المتطرفة.
وتخاطر النهضة بمثل هذه المواقف بان تجد نفسها معزولة داخل المجتمع التونسي الذي مل رؤية مشاهد دماء الأبرياء تسيل بسبب فهم منحرف للإسلام تغذيه وتشجعه النهضة بمواقفها المتناقضة مما تتخذه الحكومة من اجراءات لمواجهته (الإرهاب) رغم انها شريك في الائتلاف الحاكم.
وتبدي غالبية التونسيين الذين كثيرا ما تذمروا من غياب إشراف الدولة على مؤسسات دينية رسمية والنأي بها عن أي توظيف سياسي أو “سند” للجماعات التكفيرية التي تسعى إلى “نخر” مؤسسات الدولة وشل أدائها “ارتياحا واسعا” لـ”سياسة الحزم” التي شرعت الحكومة في انتهاجها ضد خلايا الجماعات الجهادية.
قد يعجبك ايضا