لم تكن فكرة إصدار ملحق أسبوعي عن صحيفة الثورة الرائدة صباح كل يوم أحد تحت اسم (قضايا وناس) قبل عشر سنوات من الآن فكرة معزولة أو منفصلة عن الغايات والأهداف التي جرى توخيها حينما قررت هيئة تحرير الثورة الصحيفة إصدار مجموعة من الملحقات المتخصصة بواقع ملحق يومي على مدى أيام الأسبوع السبعة كضرورة حتمية من ضرورات التجدد والتطور والتنوع وبالذات بعد أن تراجع اهتمام القارئ بالصحافة الورقية بعد أن وجد ضالته في الصحافة الالكترونية التي استحوذت على اهتمامه وجعلته أكثر ارتباطا بها ولذلك فلم يكن هناك من خيار أمام المؤسسة الصحفية الأولى في اليمن سوى الإقدام على تلك الخطوة التجديدية التي تضع القارئ أمام نافذة واسعة من الاتجاهات الفكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والدينية التي تصاغ باحترافية عالية.
ومما لاشك فيه أن مجرد الإقدام على مثل هذه الخطوة كانت بالنسبة لبعض الزملاء أشبه بـ(المغامرة) وهو ما تبلور في ملاحظتين ترددتا على ألسنتهم حينها..
الأولى: أن المؤسسة التي ستنفق على هذا العدد من الملحقات ليست في حالة من الترف المالي تجعلها تنحو باتجاه هذا التجدد بالنظر إلى كلفته الاقتصادية الكبيرة .. أما الثانية فهي: أن هذه الملحقات ستتطلب الانفتاح على الرأي والرأي الآخر ومثل هذا الأمر لا يصح أن نتوسمه في صحيفة حكومية يرسم سياساتها النظام الحاكم.. وبالتالي فليس لأحد أن يراهن على مجازفة كهذه في بلد مازال يختلف حول كل شيء بما في ذلك وظيفة الإعلام والصحافة.
والحق أنه وعلى الرغم من كل هذه المخاوف فقد كان بيننا من يطرح أننا من نستطيع أن نضع لأنفسنا في الثورة أنموذجا متفرداٍ من الصحافة يحاكي روح الدولة ويتصالح مع مكوناتها وسلطاتها ويعبر في ذات الوقت عن حركة المجتمع والدولة بتوازن وموضوعية وقبل ذلك بمهنية واحترافية قادرتين على تقديم خطاب رصين وعقلاني يقترن بسقف المسؤولية وينقل الحقيقة بعيدا عن التجني والتضليل والافتراء.
قد لا أستطيع في هذه العجالة التمييز من حيث النجاعة بين هذا الملحق وذاك لأني من أنظر ألى جل هذه الملحقات نظرة الأب لكافة أبنائه لكن ذلك لا يمنع من القول أن ملحق (قضايا وناس) منذ إصداره الأول قد تميز بخاصية لم تتوفر في غيره من الملحقات.. إذ أنه لم يكن ليخاطب شريحة بعينها كالملحق الرياضي الذي كان معظم قرائه من الشباب أو الملحق الثقافي الذي ارتبط بشكل مباشر بفئة المثقفين والشعراء والأدباء ورجال الفكر أو غيرهما من الملحقات بل إن ملحق (قضايا وناس) وبحكم تلك الخاصية الفريدة هو من حمل على عاتقه التعبير عن نبض المواطن كل مواطن في هذا المجتمع حيث ركز على عرض هموم الناس كل الناس في مؤسسات الأمن والشرطة والقضاء والسجون ومختلف هيئات الدولة إلى جانب أنه من جعل صفحاته مفتوحة أمام كل مواطن ليتحدث عن نفسه ومشاكله وما يعترض حياته من منغصات بكل صراحة ووضوح وهو ما مثل انتقاله جريئة وشجاعة في الحرية الصحفية إن لم يسهم في إرساء نوع من العلاقة الإيجابية بين المواطن والسلطة.
وللأمانة فإن ما يحسب للقائمين على هذا الملحق ومجموعته المتميزة أنها التي كسرت حاجز التردد الذي ظل يحاصرنا في الإعلام الحكومي وذلك حينما اتجهت هذه المجموعة الصحفية المتناغمة الى التعمق في نبش بعض الملفات والمشكلات الاجتماعية التي كان الاقتراب منها نوعاٍ من المخاطرة غير المحسوبة كما يحسب للقائمين على هذا الملحق من الشباب المتطلع والمحترف صحفياٍ أنهم من تحملوا على عواتقهم نقل مشاكل المواطنين إلى المسئولين عن حلها مباشرة ومن ثم دفعهم إلى إنصاف أولئك المواطنين دون مماطلة أو تسويف.. الأمر الذي أحدث تناغماٍ بين المواطن والسلطة والصحيفة إن لم يعزز من ثقة المواطن بالإعلام الحكومي الذي ظل يوصف بأنه إعلام مدح السلطة والتغطية على مثالبها.
ربما يغيب عن ذهن البعض أنه وبإصدار صحيفة الثورة تلك الملحقات المنفصلة وقبل أن تتحول إلى صفحات متخصصة قد نجحت في استقطاب أكبر عدد من القراء لتغدو خلال سنوات ثلاث الأكثر توزيعاٍ والأكثر قراءة والأكثر إيراداٍ على مستوى كافة المؤسسات الإعلامية الحكومية وغير الحكومية.. بل إنها من تمكنت من أن تصبح معتمدة على موارد أنشطتها بنسبة 75% وذلك حينما وصل عائد تلك الأنشطة إلى حوالي مليار ونصف المليار ريال في السنة الواحدة. وهو ما لم تحققه كل مؤسسات الإعلام الحكومية مجتمعة.. والسر في ذلك يعود لتلك الملحقات التي ربطت المواطن بالصحيفة في علاقة حميمية ونادرة.
وما أتمناه هو أن يتلمس الزملاء آفاق تلك التجربة حينما تسنح الفرصة بالعودة إلى الملحقات المنفصلة وتتاح لهم الفرصة بإعادة إصدارها بدلاٍ عن الصفحات المتخصصة التي لا يمكن أن تكون بديلاٍ مهما كانت اجتهاداتهم.. حيث إني أجد أن ملحق (قضايا وناس) ذلك الإصدار الأنيق قد ظلم حقاٍ كما غيره من الملحقات حينما غلبت الظروف القاهرة التي تمر بها البلاد على تلك الإبداعات التي ما يزال الأمل في أن تظهر من جديد بصورتها وصفحاتها الغنية والشائقة.
ولكم أيها الزملاء كل التقدير والاحترام وأنتم الذين مازلتم تحفرون في الصخر وتبحثون عن فجر جديد وتبشرون بمقدم هذا الفجر وسط ظلامنا الحالك.
قد يعجبك ايضا