استيعاب الدروس يصنع النصر

الحروب تجعل الأوطان تشيخ باكراٍ فشبابها ينسف على صخرة غباء المتصارعين من أبنائها وكذلك على حد سكين التدخل الأجنبي لحماية طرف ضد طرف آخر ولو بعباية حماية الاستقرار وبعد أكثر من 58 يوماٍ من العدوان السعودي على اليمن ننقل كيف واجه اليمنيون هذا العدوان وأبرز التحديات التي يواجهونها والحاجة الماسة لاستيعاب دروس الانكسار من أجل تحقيق الانتصار وتضميد الجراح النازفة.
كان قرارالنزوح من أماكن الخطر بسبب العدوان السعودي الامريكي والمواجهات العسكرية ضد عناصر القاعدة الإرهابية التي تدور في أكثر من محافظة يمنية القرار الذي توصل إليه الكثير من المواطنين فكان البحر رغم مخاطره طريق الهروب إلى المكان الآمن في دولة جيبوتي وعلى قوارب صغيرة ومتوسطة لا تتوفر فيها حتى أقل وأبسط وسائل السلامة في رحلة من ميناء عدن والمخا إلى دولة جيبوتي تلك الدولة الصغيرة التي كلما مر وقت تأكدنا أكثر أن الدم والجغرافيا شكلا سوراٍ يحمي الشعبين في البلدين من الأخطار التي تعترضهما .
لقد وصل العديد من النازحين اليمنيين رجالاٍ ونساء وأطفالاٍ جراء العدوان على اليمن وقد قدمت جيبوتي كل ما تستطيع من أجل نجدة أشقائها من اليمنيين بالتعاون مع الأمم المتحدة حيث قامت بتجهيز مخيم في مدينة ابخ الجيبوتية المدينة التي تقع خارج العاصمة الجيبوتية جيبوتي .
لقد كانت الهجرة بالنسبة لليمني هاجساٍ دائماٍ فلا تزال آثار ما ابدعه من جهد وما صب من عرق السنوات ظاهرا في الكثير من المدن التي شيدها والحضارات التي أضاف إليها لكن هذه المرة تحول الى نازح هروبا من جحيم المواجهات مع القاعدة ومليشيات هادي في الداخل وما أمر أن تشاهد يمنياٍ نازحاٍ من وطن لطالما كان سبباٍ لما تعانيه بلاده من أوضاع غير مستقرة .
هكذا أصبح واقع اليمنيين عندما غاب العقل وخياراته الآمنة وحضر العدوان ومواجهات اليمنيين مع تنظيم القاعدة بسبب المواجهات من مدينة إلى مدينة أخرى أو من مدينة غير مستقرة إلى الأرياف كانوا في مواجهة الكثير من المعاناة جراء غياب الخدمات وعدم وجود وسائل المواصلات وارتفاع أسعارها وهي الأوضاع التي عاشها ولا يزال كثير ممن تركوا مدنهم هروبا من العدوان السعودي الأمريكي .
آلاف من الطلاب والطالبات منعتهم طائرات العدوان ومعارك الداخل ضد القاعدة ومليشيا الإصلاح في الكثير من المدن اليمنية من الذهاب الى المدارس لقد شاهد الطلاب والطالبات الذين ينشدون المستقبل الجميل حلمهم يتلاشى وهم يتقافزون مذعورين همجية العدوان مشاهد ستظل محفورة في ذاكرتهم مفادها أن شقيقاٍ مِر من هنا ورمى كل ما استطاع من حقده وبغضه عبر أدوات الموت لقتل الأبرياء الآمنين من الأطفال والنساء والرجال وذهبوا يتحدثون عن انتصارات تواري شيخوخة ضعفهم.
انقطاع الكهرباء عاصفة العواصف
لا غنى عن الكهرباء في الأوقات المستقرة والعادية لكن حضورها في ظروف الحرب أهم وهذا من واقع ما للكهرباء من أهمية فلقد كان الانطفاء يصنع في نفوس الناس بحورا من الخوف والترقب والانتظار للمجهول خاصة عند عدم معرفة آخر المستجدات وما ترسله طائرات العدوان البربري من أصوات الانفجارات التي تجعلك على يقين إذا ما كتبت لك النجاة والسلامة ستشاهد الشارع الذي تعيش فيه وقد تحول إلى أثر بعد عين.
وفي ظل استمرار انقطاع الكهرباء لفظت بطاريات الهواتف أنفاسها الأخيرة وتحولت الأجهزة الالكترونية الى كوم من الخردة وأصبحت كل وسائل التواصل حلماٍ بعيد المنال.
ثقافة البدائل
رغم ما تصنعه الأحداث المأساوية من مآسُ ودمار في حياة الناس إلا أنها أيضا جعلت الإنسان يستخدم عقله للبحث عن البدائل وإيجادها من أن اسطوانة الغاز يمكن أن تتحول إلى طاقة كهربائية يستفاد منها لشحن بطاريات الهاتف وكذلك البحث عن شواحن ذات سعة تخزينية أكبر أو شراء لكميات كبيرة من الشمع التي أصبحت من الأساسيات في تلك الظروف.
غياب وسائل المواصلات وقلتها
مع غياب المشتقات النفطية وارتفاع سعرها في السوق السوداء ونزوح السكان تحولت المدينة الصاخبة الى مدينة شبه خالية من السكان ومن يمتلكون السيارات قرروا تركها في أحواش المنازل وفضلوا المشي على البقاء لأيام وأسابيع في طوابير أمام محطات البترول في المدن اليمنية.
انتشار الشائعات
في مجتمع يستقي معلوماته من إعلام مزايد ومخادع ومنحاز وكذلك من جلسات القات تحول المجتمع الذي يواجه ضربات العدوان والمواجهات في أكثر من مدينة يمنية الى حقل لنشر الشائعات والأخبار المضللة وغدا التحليل السياسي مهنة من لا مهنة له وكل هذا أحدث ثغرة في كيان المجتمع تسربت منها المخاوف لدى الناس انعكست على مستوى تكديسهم للمواد الغذائية والمجازفة في شرائها بأسعار مرتفعة لكن مجمل الشائعات أوجدت مواطناٍ ناقلاٍ لها ومردداٍ لها دون وعي مثل البغبغاء وفي ظروف العدوان تعرفنا عن تحليلات عسكرية لمواطنين لم يؤدوا حتى واجب خدمة الدفاع الوطني.
وانتشرت مفردة يقلك حدث كذا وكذا لناقل لم يعرفه أحد وأصبح الجميع شاهد ماشافش حاجة إلا الضحايا الذين يسقطون جراء العدوان السعودي واستمرار المواجهات مع تنظيم القاعدة وداعش في الداخل.
استيعاب الانكسارات يصنع النصر
لا أفضل الحديث عن نصر زائف كما لا يمكن أن نتعامل مع العدوان السعودي على بلادنا باعتباره تشذيباٍ للوردة لتغدو أجمل لكن ما يجب أن يقف عنده أبناء اليمن أن انكسارهم في هذا العدوان الجبان يجب أن يستوعب جيدا وأن ينال حقه من الدراسة والتأمل حتى نستطيع صناعة الانتصار فبناء الصينيين سور الصين العظيم لحماية الصين من معارك القبائل الغازية لم يكن نهاية ما فكر به الصينيون بل كان بداية الاستفادة من الانكسار والهزائم المتلاحقة التي تلقاها الصينيون.
ولو كان المصريون ظلوا يبكون نكسة حزيران لما صنعوا نصر اكتوبر في معركة قال عنها الرئيس الراحل السادات إنها أفقدت العدو توازنه في 6 ساعات.
ولو كان الامريكان صدموا لتحطم أكبر أسطول عسكري امريكي في بيرل هلبر على أيدي اليابان لما كان ردهم قاسيا كما حدث في هوريشيما ونجازاكي وهي النتيجة التي وصفها أبرز القيادات العسكرية اليابانية بعد قصف الاسطول الامريكي بالقول: نخشى أن نكون بضرب الاسطول الامريكي قد أيقظنا عملاقاٍ نائماٍ.
إذا الشعوب تحقق الانتصارات عندما تستفيد من انكساراتها وهي القوة التي تستطيع تغيير الواقع على الأرض إذا تجاوزنا مرحلة الحديث عن نصر زائف لقد كان شعبنا يحتاج إلى هزيمة توحده وتجعله يعرف أين يقف عدوه ومن هو ولم يتبق إلا أن يبني ذاته وينهض من جديد كطائر العنقاء الاسطوري الذي يخرج من بين الرماد.
نعرف أن هناك تطوراٍ تكنلوجياٍ أحدث الفارق في المواجهة ونتذكر وصف الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والذي وصف عدوان الغرب على العراق بأنه عدوان جبان يختبئ خلف تكنولوجية حديثة فمعارك اليوم لا تحتاج شجاعة ولا إقداماٍ بل تحتاج تقنيات عسكرية حديثة وهنا لا نستغرب أن ينتصر في المعارك من يخافون من الظلمة حْرمِ اليمن من الحصول على التقنية الحديثة في المجال العسكري من المؤكد أن هناك جهات وأطرافاٍ منعت الوصول إلى التفوق العلمي والعسكري والحصول على تلك التقنيات خدمة للآخرين وعلى حساب أمننا القومي.
فمن حق اليمن الحصول على الطائرات العسكرية الحديثة فمن وقف ضد ذلك ولماذا لم نستفد من العلاقات المتميزة مع الكثير من الدول الغربية ولماذا ساعد اليمنيون الخارج على إحداث ذلك الخرق الأمني والعسكري في جدار العسكرية اليمنية مع العلم أن الموازنات كان أغلبها يذهب الى بطن المؤسسة العسكرية والأمنية.
أما في الجوانب الأخرى التي اتسعت عوراتها في ظل العدوان نحتاج إلى مراجعة شاملة كيف ندير الدولة وكيف يمكن التفكير في وضع استراتيجية طموحة للطاقة الكهربائية في اليمن تكون بديلاٍ لما يوجد من عبث.
إنها أمنيات تحتاج أن يقف عندها من يضعون الاستراتيجيات الطموحة لإخراج اليمن من مرحلة الحروب التي نعيشها والتي ستكون لها انعكاسات على حاضر ومستقبل اليمن رغبة في علاج الجراح النازفة وإعادة اليمن إلى مكانتها التاريخية والإنسانية.

قد يعجبك ايضا