الموصل.. خدمات تزدهر تحت تهديد داعش

“الموصل التي تقع تحت سيطرة تنظيم داعش الذي اشتهر بالقتل والتهجير والتفجيرات صارت اليوم أنظف بكثير مما كانت عليه في ظل الحكومة العراقية والمطبات التي كانت تملأ شوارعها اختفت ومثلها التجاوزات على الأرصفة والطرقات” هكذا يتهامس الموصليون فيما بينهم اليوم حول وضع المدينة.
فمنذ الخطبة الشهيرة لزعيم “داعش” أبو بكر البغدادي التي ألقاها في الجامع الكبير وسط الموصل في يوليو 2014م ليعلن نفسه خليفة على المسلمين صار واضحاٍ أن المدينة تحظى باهتمام خاص من لدن قادة “داعش” يؤيد ذلك اهتمامهم بتحسين الخدمات فيها دون سواها من المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
حيث يقول الاعلامي سعد خضر لموقع نقاش الاخباري في اتصال هاتفي: كخلية نحل يهرع موظفو بلدية الموصل إلى الشوارع صباح كل يوم ترافقهم سيارات جمع النفايات والمكانس الآلية ولا يتوقفون عن العمل إلا بعد انتهاء نوبتهم فهم يعملون بجدية غير معهودة”.
ويعلل خضر سبب تحسن أداء الدوائر الخدمية التي عجزت طوال العقد الماضي عن إقناع الموصليين بخدماتها بأن الموظفين يعملون بإشراف “داعش” و”الويل لمن يتلكأ في العمل أو لا ينصاع للأوامر”.
ديوان الخدمات برز مؤخراٍ كواحد من أنشط الفروع الإدارية داعش حيث سطع اسمه في الأسابيع القليلة الماضية عندما بدأت يده تمتد إلى كل ما يتعلق بفتح الطرق التي أْغلقت بعد عام 2003م لدواعُ أمنية وتبليط الشوارع ورفع النفايات وتنظيم الأسواق ورفع التجاوزات عن الساحات العامة والطرقات.
ويبدو أن “داعش” يركز على قضية التخصص عندما يوكل المهام لعناصره فقد وضع على رأس ديوان الخدمات مهندساٍ مدنيا يدعى أبو عبيدة وهو شاب ثلاثيني من محافظة ديالى العراقية بحسب أحد مهندسي البلدية.
المهندس الذي طلب عدم ذكر اسمه قال: إن أبو عبيدة يجري جولات ميدانية باستمرار كما يجتمع بين الحين والآخر برؤساء الأقسام في الدوائر الخدمية ممن لم يغادروا المدينة حتى اليوم.
ويضيف “الجميع يلتزمون حرفياٍ بتعليماته لأنهم يخضعون لرقابة لصيقة من عناصر الديوان ولم يعد خافياٍ على أحد قسوة التنظيم الذي لا يتردد في معاقبة من يخالف أوامره مهما كانت بسيطة ولا يستبعد أن تصل العقوبة إلى الجلد أو بتر اليد أو قطع الرأس”.
ويضيف مهندس البلدية قائلا: ان “شوارع المدينة باتت نظيفة حيث يحرص عمال الخدمات على إدامتها وعدم ترك النفايات تتراكم في الحاويات كذلك فرق صيانة الطرق والمجاري تْشاهد حتى في الليل كلما اقتضت الحاجة فيما يجري العمل لإعادة العلامات المرورية وأعمدة الإنارة”.
وفرض ديوان الخدمات نفسه بقوة عندما أنشأ عدداٍ من الأسواق المسقفة وأمر جميع الباعة المتجاوزين على الأرصفة والساحات العامة بالانتقال إليها مقابل دفع بدل إيجار سنوي يصل إلى 1500 دولار ولعل أشهرها سوق المدينة التي بناها التنظيم في مركز الموصل على أنقاض أقدم مركز شرطة في نينوى.
وكل خطوة يقوم بها تنظيم “داعش” ترافقها حملة إعلامية تحت شعار “الموصل تزدهر في ظل الخلافة” ورسالته موجهة لسكان الموصل بغية كسب تأييدهم ودعمهم وهذا قد يتحقق إذا أقنعتهم هذه الأعمال بأنه باقُ لمدة طويلة جداٍ خاصة وإن شعار داعش هو “باقية وتتمدد”.
الخطوة الأجرأ كانت الالتفات إلى السياحة والترفيه وتمثل ذلك بإعادة فتح فندق نينوى (أوبروي) بعد تغيير اسمه إلى “فندق الوارثين” حيث أقام التنظيم حفلاٍ عاماٍ ومجانياٍ في الأول من مايو بهذه المناسبة حضرته العشرات من عائلات عناصر التنظيم وغيرها.
وبعد اسبوع فقط وبالقرب من الفندق فتح ديوان الخدمات أبواب القصور الرئاسية التي بنيت في عهد صدام حسين أمام سكان الموصل للسياحة والترفيه مجاناٍ وبالفعل هناك إقبال كبير عليها حسبما يقول الإعلامي سعد خضر.
اكتملت حبات المسبحة بعودة الطاقة الكهربائية إلى الموصل بعد انقطاع استمر خمسة أشهر بسبب تدمير خطوط نقل الطاقة جراء المعارك التي دارت بين البيشمركة و”داعش” شمال الموصل.
ويقول أحد أفراد فريق صيانة الكهرباء: مسؤول ديوان الخدمات أبو عبيدة تحمس لفكرة إرسال فريق لصيانة أبراج نقل الطاقة الكهربائية وأمر بتوفير الحماية لهم”.
ويضيف الموظف الفني:”أنجزنا أعمال الصيانة بموافقة قوات البيشمركة التي سمحت لنا دخول محطة توليد الكهرباء في سد الموصل فعاد النور إلى المدينة”.
ديوان الخدمات عد ذلك “نصراٍ لـ”داعش” لأنه يتحين الفرصة ليؤكد قدرته على إدارة شؤون المدينة وتلبية حاجات الناس بشكل أفضل من الحكومة المحلية برئاسة محافظ نينوى أثيل النجيفي التي انتقلت إلى مقرها البديل في إقليم كردستان.
وبالرغم من أن الحكومة العراقية ما زالت تدفع رواتب الموظفين في الدوائر الخدمية لكن “داعش” يسعى لقطف ثمار جهد هؤلاء الموظفين فالعائدات المالية للدوائر الخدمية تصب في خزينة التنظيم بالنهاية وتشمل المبالغ الشهرية التي يدفعها المواطنون لقاء التنظيف (عشرة آلاف دينار لكل وحدة سكنية) وإيجار الأسواق المسقفة والمقاهي والمعامل والمحال وساحات وقوف السيارات وتتراوح بين عشرات إلى مئات الملايين من الدنانير.
والأهم في القصة كلها كسب الشرعية بمعنى رضا الناس وقبولهم حكم الدولة الإسلامية وهذا لا يتم عبر صناديق الاقتراع لأن “داعش” لا يعترف بالديمقراطية والعملية السياسية برمتها ويصفها بأنها مخالفة “لحكم الله” إنما من خلال تقديم الخدمات وإدارة شؤون المدينة.
عشرة أشهر مضت على خضوع الموصل لسيطرة “داعش” ولم تنجح أساليب الخوف والإرهاب التي تبناها التنظيم في دفع الموصليين إلى أحضانه باستثناء نسبة قليلة فهل ينجح اسلوب “صناديق النفايات” في تحقيق هذه الغاية¿.

قد يعجبك ايضا