الدراجات النارية.. »خزان دم« مثقوب!

ركب سيارته الجديدة ثم انطلق بالسرعة المعقولة لأنه يدرك أن السرعة الجنونية قد تعرضه لحادث تكون عواقبه وخيمة وهو لا ينسى كيف سهر الليالي الطوال يعمل ويكافح لكي يستطيع اقتناء السيارة التي طالما حلم بامتلاكها والتي سترحمه من العمل سائقاٍ لسيارة لا يملكها ..
إلا أنه لم يكن يعلم بأنه سيتعرض لحادث لا ذنب له فيه سوى أنه كان موجوداٍ في الطريق الصحيح الذي اعترضه فيه سائق دراجة فقد القدرة على قيادة دراجته النارية ليواجه المصير المحتوم ويلقى حتفه.. هذا ما حدث مع أحمد عبدالسلام ..وهو المشهد الذي يتكرر يومياٍ .. والمستشفيات شاهد إثبات على ذلك.. فما حجم الظاهرة¿ وما الإجراءات التي ينبغي اتخاذها للحد من حوادث من هذا النوع¿..

يحكي وليد الخولاني كيف ابْتلي بحادث دراجة نارية فقد فوجئ أثناء قيادته لسيارته بمباغتة دراجة نارية من خلال الرصيف الذي يفصل بين الخط الأيمن والأيسر وانعطافها في طريقه وكان نتيجة ذلك اصطدام مباشر نجا منه سائق الدراجة بأعجوبة.. لا يزال وليد يتذكر لحظة الحادث ويقول: فقدت القدرة على النطق وأيقنت أن آثار هذا الحادث ليست سطحية رغم أني لست المتسبب به وبعد مرور أقل من نصف ساعة على الحادث تفاجأت بأنني أحتاج إلى 150الف ريال كدفعة أولى للمستشفى وهو مبلغ كبير بالنسبة لي واضطررت إلى بيع سيارتي وتعطلت أعمالي ومررت بأزمة مالية والسبب في ذلك يعود إلى استهتار سائقي الدراجات النارية وعدم مراعاتهم لقواعد المرور وإلقاء المسؤولية كاملة على عاتق من يْبتلى بحوادثهم.
وفي حادث مشابه يروي زهير محمد مأساته التي عاشها ويسردها لنا قائلاٍ: وأنا في طريقي إلى المنزل عائداٍ من السوق كان إلى جوار سيارتي دراجة نارية بها شابان وبدون سابق إنذار انزلقت الدراجة أمام سيارتي وتسبب ذلك في دهسها وأسرعت لإنقاذهما ورغم أن الذهول أصابني لكني قمت بنقلهما إلى المستشفى وأحد هذين الشابين كانت حالته خطيرة جداٍ ودخل في غيبوبة وتحملت المسؤولية كاملة وسافرت لعلاجه في الخارج وإلى الآن مضى منذ وقت الحادث سنة ومازال في غيبوبة وأنا أتحمل كامل مصاريف وتكاليف علاجه وأصبحت أعاني وكأنني الضحية وأمر بظروف قاسية مسلماٍ أمري إلى الله.
استهتار سائقي الدراجات
لم يدرك خالد منصور أنه تسبب في إزهاق حياة إنسان دون دراية حيث يقول: رغم أنني أمضيت أكثر من 7 سنوات قي قيادة إحدى ناقلات الديزل (قاطرة) ولم أتعرض لأي حادث مروري إلا أن الاستهتار بحياة الناس جعلني أعيش لحظة شعور ذنب  لم اقترفه أصلاٍ..
 يضيف منصور وعلامات الحسرة تلون وجهه: “نظراٍ لطول القاطرة وارتفاعها فقد انزلقت عجلات إحدى الدراجات النارية تحت الإطارات الخلفية للقاطرة ولم أسمع إلا صراخ من شاهدوا الحادث ولم أكن أدري ماذا حدث وعند نزولي شاهدت رجلاٍ غارقاٍ في بركة من الدماء توفي على إثر الحادث ورجلاٍ آخر أصيب بكسر رجله اليسرىº وما يدعو للغرابة حقاٍ أن الأدلة والشهود أثبتوا عدم مسؤوليتي عما حدث إلا أنني دفعت كل التكاليف سواءٍ للمتوفي أو الذي أصيب في ساقه”..
 لقد بات السائق منصور يؤمن  بأن الحوادث المرورية المؤلمة التي تسببها الدرجات النارية أكثر بكثير من الفائدة التي تقدمها للناس والمجتمع ..وحد قوله :”هناك مستشفيات تجني أرباحها من حوادث الدراجات النارية وهو ما قاله لي أحد أطباء المستشفى الذي أسعفت المصاب إليه.”
ويصف محمد شريف (فني ميكانيك)  حوادث الدراجات النارية بخزان دم مثقوب لا يتوقف عن هدر النفوس يوماٍ بعد يوم ومن المعروف أن أي حادث يواجه الدراجة النارية يصيب سائقها مباشرة لذا فأغلب حوادثها تؤدي إلى الوفاة .
محمد يشحذ ذاكرته ويستعيد  تذكر حادث  راح ضحيته ثلاثة شبان في مقتبل العمر كانوا يركبون دراجة واحدة تعرضوا لحادث سقوط في سائلة صنعاء ولقوا حتفهم جميعاٍ. . قال بأسى: كان حادثاٍ مروعاٍ لم يفارق مخيلتي.
إصابات مؤلمة
 بعد أن استعرضنا هذه القصص المأساوية الناجمة عن حوادث الدراجات النارية نلقي الضوء على نفسية بعض المصابين الذين يرتادون مركز الأطراف. وهناك تحدث الدكتور حسن السامعي مدير إدارة العلاج الطبيعي قائلاٍ: يأتي الكثير من الشباب المعاقين إلى هنا نتيجة حوادث الدراجات النارية الكثير منهم يجلسون على مقاعد متحركة مصابون بالشلل بسبب غياب الوعي بخطورة حوادث الدراجات النارية.
ويشخص د. السامعي هذه المشكلة بالقول: إنها واحدة من أكبر المشكلات الاجتماعية  وتحتاج إلى جهود مكثفة لإيقاف هذه المطحنة التي تطحن أجساد شبابنا وتضع علامة استفهام أمام مستقبلهم الذي نحتاج إليه أشد الحاجة ولذا لا بد من وجود إجراءات تكفل الحد من هذه الحوادث المميتة خصوصاٍ أن معظمها المتسبب الرئيسي فيه أصحاب الدراجات النارية.
وعن الحالة النفسية لمرتادي مركز الأطراف يقول: معظم هؤلاء يصابون بحالات اكتئاب ويأس وإحباط شديد وخاصة بعد إصابتهم بالإعاقة لذلك نحاول التعرف على أسباب الحوادث عبر بحوث اجتماعية شاملة نهدف من خلالها تقديم الرعاية الطبية الشاملة.
وعن الإصابات التي تصيب سائقي وراكبي الدراجات قال: تتمثل الإصابات في الكسور والضربات المؤثرة على الدماغ والجهاز العصبي الطرفي .
وبين أن  المركز يقوم  باستقبال هذه الحالات ومعالجتها بواسطة العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل عبر أخصائيين في هذا المجال .
وقال: تنتج عن هذه الحوادث إصابات تصاحبها اضطرابات نفسية خاصة من يعتمدون في دخلهم على العمل بالدراجات النارية وفي بعض الأحيان تتماثل بعض الحالات للشفاء .
تزايد وتيرة الحوادث
 بدوره تحدث العقيد محمد البحاشي  مدير عام شرطة السير في أمانة العاصمة عن هذه الظاهرة قائلاٍ: بالنسبة للدراجات النارية نعاني في الإدارة العامة لشرطة السير من تزاحم وتكاثر الدراجات النارية وذلك في أمانة العاصمة وهو مايحصل في عواصم المحافظات أيضاٍ ونظراٍ لتواجدها بكثرة جداٍ تم في البداية فتح الجمارك للدراجات النارية وترقيمها وتم ذلك  بناءٍ على قرار رئاسة الوزراء رقم (112) لعام 2012م لكن مع الأسف  لازالت تتدفق  ولم يتم إيقاف استيرادها  وهذا مازاد من العبء على رجال المرور وزاد من الحوادث وجرائم القتل والجرائم الجنائية المنفذة بالدرجات النارية.
وأشار إلى أن  وزارة الداخلية ووزارة الدفاع  نفذتا حملة لتنظيم عمل الدراجات النارية في أمانة العاصمة حيث تم ضبط ثمانية آلاف دراجة في العامين الماضيين لكن كما أسلفنا عادت هذه الظاهرة مع دخول العام الجديد بسبب عدم توقف استيراد الدرجات.
وطالب البحاشي  باتخاذ المعالجات المناسبة بحيث تحدد الدراجات النارية لمن  يعولون بها أسرهم وفي نفس الوقت يجب أن يلتزم سائقو الدراجات بأنظمة وقوانين وقواعد المرور واحترام إشارات المرور وارتداء الخوذة وعمل كاتم الصوت وعدم تمكين أكثر من شخص من ركوبها مع السائق وعدم قطع الأرصفة وعكس الطريق لأن كل هذه المخالفات تؤدي إلى المشكلات الكثيرة وللأسف كل هذه المخالفات يرتكبها سائقو الدراجات النارية وباستهتار. ويضيف قائلاٍ: نحن نعاني من تزايد وتيرة حوادث الدراجات النارية وارتفاع وفياتها  حيث بلغ عدد الحوادث في العام  2014م نحو (156) حادثاٍ خلفت  ست حالات وفاة وإصابة (226) فقط في أمانة العاصمة.

قد يعجبك ايضا