كيف يرتدي الإرهاب ثوب الدين¿

* الجماعات التكفيرية  المتطرفة .. من أين جاءت بهذا الفكر الإجرامي ¿ وكيف تحولت إلى صناعة صهيو أمريكية ¿ هل من بْعد معين يفسر استعداداهم للإرهاب¿ وهل في موروثنا الإسلامي ما يبرر لهم هذا الإجرام والتوحش تحت شعار ” الجهاد لإقامة دولة الخلافة الإسلامية ” ¿
في هذا الاستطلاع نتعرف على آراء مختصين وأكاديميين وتفسيرهم لما يحدث من إرهاب تحت راية ” الإسلام ” º إلى التفاصيل :

يقول حسين الوادعي – كاتب ومدرب : هناك فرق بين تفسير الإرهاب والتبرير له لتحقيق أهداف أيديولوجية وسياسية .. فالإرهاب ليس رد فعل لمواقف الغرب من الصراع العربي الإسرائيلي وفلسطين لا تحتل أي مكانة في استراتيجيات الحركات الإرهابية والأب الروحي للجهاد الأفغاني هو الفلسطيني عبدالله عزام فالقاعدة نفذت هجماتها في كل مكان إلا إسرائيل والجماعات الجهادية قاتلت في الشيشان والبوسنة وسوريا والعراق ولكن ليس في غزة أو الضفة ومنظري القاعدة أصدروا الفتاوى للجهاد في اليمن ومصر وليبيا والسعودية وسوريا والجزائر وليس في فلسطين وبالتالي عداء هذه الجماعات المتطرفة للشيعة والقوميين والليبراليين العرب والمسلمين أشد من عدائها لإسرائيل لأنها تعتبر هؤلاء كفاراٍ بينما تعتبر الإسرائيليين أهل كتاب والقاعدة لم تجند الكثير عندما رفعت شعار محاربة أمريكا بينما استقطبت داعش عشرات الآلاف عندما رفعت شعار قتال الشيعة !
ويْضيف : الإرهاب ليس رد فعل للتدخل الأجنبي في الدول الإسلامية  فلم ترفض هذه الجماعات الإرهابية التدخل الغربي في أفغانستان وسوريا وليبيا فيما تستهدف المسلمين وليست حركات مقاومة ضد الاستبداد فمبدأ المقاومة احترام حرية وكرامة وحقوق الإنسان ولم يعد الإرهاب الإسلامي فردياٍ كالجهاد في السبعينيات فعدد المؤيدين للقاعدة في الوطن العربي وباكستان وأفغانستان وعدد المنظمين لداعش وأنصار الشريعة وبوكو حرام وجماعة أبو سياف وجماعات بيت المقدس وفجر ليبيا وخراسان وكتائب عبدالله عزام وغيرها في تزايد .
 ويؤكد الوادعي أن هناك من ” يرعى ” الإرهاب اعتماداٍ على قناعة دينية أن الإرهاب من أشكال الجهاد وهناك من ” يبرر” الإرهاب لأنه متفق مع أسسه الفكرية والعقائدية وهناك من ” يتعاطف ” مع الإرهاب إما تحت دافع كراهية الغرب أو كراهية اتباع بقية الديانات أو المذاهب الإسلامية الأخرى وهناك من ” يستفيد ” من الإرهاب ليحاول فرض أجندة أصولية متشددة تحد من الحريات أو تحت دافع تصفية حسابات مع خصوم سياسيين .
تمويل استخباراتي
* وعن أسباب وجود الجماعات المتطرفة يقول  حسين الوادعي : إن السبب وجود بيئة فكرية حاضنة للتطرف والتعصب الديني مدعومة بتمويل استخباراتي من قبل السعودية وقطر وأمريكا بالإضافة إلى الصراع السني الشيعي والحشد المذهبي الذي يحول الجماعات الإرهابية السنية والشيعية إلى حركات مقاومة ضد الآخر المذهبي متابعا : يعتمد هؤلاء على عدة أفكار ينطلقون منها وهي : فكرة ” الجهاد الديني” حتى يعتنق الجميع الإسلام طوعاٍ أو كرهاٍ   فكرة ” الجاهلية المعاصرة ” وابتعاد المجتمعات عن أحكام الإسلام فكرة ” الحاكمية ” والمطالبة بتسليم الحكم لثيوقراطية دينية تستند إلى نصوص الكتاب والسنة وفكرة “عقيدة أهل السنة والجماعة” التي روجت لها الحنبلية قديماٍ والوهابية حديثاٍ وتسببت في تكفير كل الجماعات الأخرى سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية فكرة ” الولاء والبراء ” التي تدعو لكراهية ” المشركين والكفار” وعدم التعايش معهم وفكرة ” دار الحرب ودار الإسلام ” التي تجعل الأمم في حالة حرب دينية دائمة .. هذه الأفكار الموروثة من القرن الثاني الهجري والمعبرة عن نسخة ” إسلام الفتوحات ” هي مرجعية الفكر المتطرف .
ويخلص  الوادعي  إلى القول : الإرهاب نشأ في عمق التجربة الإسلامية التاريخية والقضاء عليه يقتضي النقد العميق للتجربة التاريخية للإسلام ومراجعة ” الأصول ” التي تؤسس للإرهاب المعاصر º فكل جذور الإرهاب الفكرية والفقهية ذات أصل إسلامي واضح وهذا لا يعني أن نعزو الإرهاب للإسلام لأن الإسلام دين إنسانية وتعدد لكنه يعني أن لا نتهرب من تحديد الجذور الحقيقية للإرهاب خوفا على ” صورة الإسلام ” فالجهاديون والإرهابيون هم من المنتمين للجماعات الإسلامية ما يعني وجود بعد معين يجعلهم أكثر استعداداٍ لتبني الإرهاب .
فكر مستورد
* ويعتبر  خالد العماد – باحث في شؤون الجماعات الإسلامية المتطرفة – أن الفكر المتطرف في اليمن يأتي نتيجة لإقصاء المرجعية الدينية الزيدية والشافعية بعد قيام ثورة 1962م وتشجيع النظام السابق للجماعات السلفية المتطرفة التي كان يستخدمها لتصفية خصومه أما الأسباب  الخارجية فنزولاٍ عند رغبة السعودية ذات الفكر الوهابي المتطرف الإرهابي وأما بالنسبة لهذه الجماعات وارتكازها دينياٍ وعقائدياٍ º فارتكازها الديني ينبع من اجتهادات أحمد بن حنبل وابن تيمية وابن عبدالوهاب التكفيرية الاقصائية التحريضية التي تبيح القتل والتنكيل بكل مخالفيهم فلا غرابة إذا قام هؤلاء المتنطعون الإرهابيون التكفيريون بهذه الأعمال الإجرامية فهم أساساٍ ينطلقون من مرتكزات دينية تتمثل بالفكر الحنبلي وبفكر ابن تيمية ومحمد عبدالوهاب صاحب نجد الذي يرى في كل من يخالفه استباحة دمه وعرضه وماله .
مضيفاٍ .. نحن اليوم نعاني من مخرجات هذه المدارس التفكيرية الاقصائية السلفية ولا أقصد بالسلفية ذات المرجعية المذهبية الشافعية والحنفية وإنما السلفية المتطرفة وهذه الجماعات تنشط تحت مسميات مختلفة كالقاعدة أنصار الشريعة داعش الجهاد والهجرة وجميعها نشأت تحت مظلة الإخوان المسلمين متخذين من الدين الإسلامي ومن القرآن غطاء لهم ومبرراٍ لأعمالهم الإجرامية وهؤلاء ليسوا سوى امتداد للماضي حيث ظهر قديماٍ فرقة الخوارج والحشاشون مع اختلاف التسمية فقط .
ويؤكد  العماد أن الأيادي الاستخباراتية الأمريكية والصهيونية تقف خلف هذه الجماعات التكفيرية المتطرفة هدفهم هو تمرير سياسات استعمارية وإرهابية في الوطن العربي والإسلامي وأن التواجد الأجنبي في البلدان العربية بمبرر محاربة الإرهاب ليس سوى ذريعة لفرض الهيمنة واحتلال الأوطان .
حروب بالوكالة
* يفجر نفسه في بيوت الله وفي أي مكان ويعتقد أنه شهيد هؤلاء لا علاقة لهم بالإسلام ولا حتى الإنسانية ولم تكن اليمن بيئة حاضنة لمثل هذا الفكر المتطرف لدينا تعدد مذاهب ولكن لا توجد مذهبية كما في العراق وعبر التاريخ لدينا المذهب الزيدي والشافعي ورغم محاولة إقحام السياسة في الدين إلا أن الشعب لا يهتم بمذهب معين أو رأيه السياسي .. هكذا بدأ كلامه د. عبدالله ابو الغيث – أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة صنعاء الذي يقول : داعش لم يكن لها وجود في اليمن والأمر سياسي أكثر مما هو ديني يعود لوجود قوى إقليمية تمارس اللعب على أرضنا كالسعودية وإيران وقطر والإمارات وتركيا وصارت الأطراف اليمنية للأسف مجرد أدوات بيد الخارج الإقليمي والدولي وأصبح الوطن ساحة تصفي عليها القوى الإقليمية والدولية حساباتها ولكل منها قاعدته في اليمن يسخرها لتحقيق اهدافه لفرض واقع سياسي مغاير على الأرض .
ويشير د. ابو الغيث الى أن تاريخنا كان إلى حد كبير بريء من مثل هذا التطرف وليس لدينا مذاهب متطرفة فالمذهب الزيدي يصنف أنه أقرب المذاهب الشيعية إلى مذاهب أهل السنة والمذهب الشافعي يصنف أنه من أقرب المذاهب السنية إلى مذاهب أهل الشيعة مْضيفاٍ : المذهب الحنبلي الوهابي أو المذهب الاثنا عشري هذه مذاهب ليست موجودة في اليمن ولم تكن موجودة لكن توجد أطراف إقليمية تحاول أن تنقل هذه المذاهب إلينا لكي توجد بيئة لصراعاتها والصراع في الأساس هو صراع سعودي إيراني لكن بدلاٍ من أن يتحاربوا في إيران أو السعودية نقلوها إلى دول أخرى كالعراق سوريا لبنان والآن في اليمن ولا يهم الطرفان مع الأسف أن تتدمر هذه البلدان ما يهمهم هو أن يوجه كل منهما صفعة سياسية للآخر وإن كان على حساب أوطان وأرواح شعوب بكاملها .
ويختم د. أبو الغيث كلامه بالقول : المهم كيف نحجم هذه القوى ونمنعها من أن تحول وطننا إلى ملعب للخارج وأن نتعايش .. في الهند عشرات الديانات اللغات القوميات ومليار ومائتي مليون نسمة  مساحة بثلاثة ملايين كيلو متر مربع تعادل مساحة الجزيرة العربية ومع ذلك هم متعايشون .. ونحن مساحة محدودة 25 مليون نسمة قومية واحدة نتكلم لغة واحدة وجميعنا مسلمين ومع ذلك لم نستطع التعايش !  إذن الخلل في عقولنا وليس في تاريخنا أو تراثنا .
الظروف المحيطة
* في السياق عينه يشير د. محمد نجاد –  أستاذ أصول الفقه – بجامعة صنعاء إلى أن التطرف الديني يتناقض مع الفكر الإسلامي المعتدل والوسطي وبأنه لا علاقة له بتاريخنا الإسلامي وإنما يعود إلى إساءة فهم هذه الجماعات المتطرفة للدين واستغلالها بعض الآراء في التراث الإسلامي وتأويلها لتلك النصوص بما يخدم أهدافها ورؤاها المشبوهة
ويواصل حديثه : لا ننكر في تاريخنا الإسلامي وجود آراء متطرفة ووجود فقهاء وعلماء لهم رؤية متشددة فرضتها ربما الظروف المحيطة بهم لكن أن تسقط تلك الجماعات الآراء المتطرفة والأفكار المتشددة على عصرنا وواقعنا في المجتمع الإسلامي فهذه جريمة مضيفاٍ .. هناك من يتبنى مثل هذه الأفكار المتشددة ويغرسها في ذهن شباب المسلمين لتصبح كأنها الصورة الحقيقية للإسلام هؤلاء هم الحاضن للتطرف فيما الدول الغربية هي الداعم والمستفيد من وجود هذه الجماعات الإرهابية في الوطن العربي والإسلامي .
نتاج للقهر
* أهل السياسة ماذا يقولون في هذا الإطار..  د. بكيل الزنداني – أستاذ العلوم السياسية يرى  أن الفكر المتطرف هو نتيجة غياب العدالة الاجتماعية والظلم الذي عاشته المنطقة العربية بسبب الديكتاتوريات على مدى أكثر من 50 سنة حيث كان هناك اضطهاد وغياب للحرية والديمقراطية والمشاركة وبالتالي ستتحول هذه الجماعات إلى متطرفة و متوحشة و أسوأ من ذلك وما هو حادث اليوم يدل على الفاجعة التي فْجعنا بها من تفجير للمساجد وفي كل مكان.
وعد الزنداني هذا  المنحى مؤشرا كبيرا جداٍ على مثل هذه الجرائم غير المقبولة في مجتمعنا والتي ننبذها بكل أشكالها وأنواعها ولا نبرر لها أبداٍ لكننا نشد على أيدي القائمين على النظام العربي بشكل عام أن يْحسنوا الأوضاع وأن يقدموا تنازلات للشعوب وأن يشركوا الشعوب في القرارات وأن لا يبقوا في أقفاص ذهبية لا يدركون ماذا يحدث للشعوب وليس كما قالت ماري انطوانيت لشعبها أأكلوا بسكويت فيما كان الشعب يتضور جوعاٍ لم يجد خبزاٍ فمن أين له بالبسكويت .
وذهب إلى القول : إن هذا الظلم هو الذي أوصلنا إلى مثل هذه الأفكار المتطرفة فظروف القهر والاضطهاد توفر بيئة خصبة للتطرف والدين الإسلامي هو دين تسامح وسلام وعدل وإخاء وشورى وعندما طبقنا هذه القيم ساد الإسلام  في كل بقاع الأرض بالإنسانية والعدل وليس بالظلم والاضطهاد . 
صكوك غفران
* د. حمود العودي – أستاذ علم الاجتماع – تحدث عن أن المجتمع العربي والإسلامي هو جزء من مجتمعات العالم التي شهدت مثل هذه الظواهر المتطرفة بفعل ظروف القهر السياسي والظلم والاضطهاد والحرمان من حق الممارسة الإنسانية للرأي وضيق فرص العيش والبطالة والإحساس باليأس ما يخلق بيئة للتطرف ورد فعل لتجاهل ما يعانيه المجتمع  من أوجاع .
ويرى د. العودي أن التطرف باسم الدين  حالة ناجمة عن عدم وجود بيئة صحية واجتماعية تقبل وتحتضن الجميع فممارسات الإلغاء والتهميش والاستحواذ بل والتفسير المغلوط  والخاطئ للدين  يجعل منه سوطاٍ مسلطاٍ على رقاب الناس واستباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم وادعاء الحقوق المقدسة في السلطة لفئة أو لجماعة أو لطبقة من دون الناس يدفع أيضاٍ إلى وجود تطرف مضاد ضد هذه الممارسات .
مبينا أن اختلاف الرأي في المسائل الفقهية والدينية والمذاهب في جوهره رحمة وهو الوسيلة للوصول إلى الحقيقة لكن إذا تجاوز ذلك إلى حد أن يعتقد كل طرف بأنه هو الذي يملك الحقيقة المطلقة والآخر لا يملك بل ليس له حق أن يعارض هنا يتحول الرأي والرأي الآخر إلى موقف متطرف ومدمر وخطير على الدين والحياة .
ويخلص د. العودي الى القول: الإنسان المتطرف ضحية لا يمكن أن نحمله كل المسؤولية هو أداة تم تعبئته ومنحه صك غفران وهو في مهمة لا يعي نتائجها في اعتقاده أنها تؤهله لدخول الجنة لكن المْخطط والمدبر والمستثمر هو الذي يعرف أن ما يفعله جريمة وافتراء على الله وليس من الإسلام هؤلاء يمارسون ثأرا سياسيا بحثاٍ عن سلطة أو ثروة أو مشروعية من لا مشروعية له .

قد يعجبك ايضا