الحفاظ على أمانة الكلمة.. أســــــــــــــــــــاس الأمن والاستقرار في المجتمع

أمانة الكلمة من أجل الأخلاق الإسلاميِة التي بْنيت عليها شريعةْ رب البريِة وبأمانة الكلمة تْصانْ الأعúراض والأموال والدماء وجميع حْقوق العباد وبها يستِقيمْ حال الناس مع رِب العالمينº لأنِ الأمانة تِعْمْ جميعِ وِظائف الدين بضياعها يضيع الأمن والاستقرار وتعم الفوضى والخراب كان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يقول: لا يعجبنِكم من الرجل طِنúطِنته – يعني: صلاته – ولكن مِن أدِى الأمانة وكِفِ عن أعراض الناس فهو الرِجْل وبلفظُ آخر: لا تنظْروا إلى صيام أحدُ ولا صِلاته ولكن انظْروا إلى صدúق حِديثه إذا حدِث وأمانته إذا أؤتمن ووِرِعه إذا أِشúفِى أي أقبلت عليه الدنيا. حول هذا الموضوع التقينا الدكتور نصر محمد السلامي خطيب جامع الفتوحات وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.. فإلى التفاصيل:

* كيف تنظر الشريعة إلى الكلمة¿
– الكلمة لها أهمية كبيرة في نظر الشريعة لأنها النافذة التي يعرف من خلالها عقيدة المتكلم وتصوراته وأخلاقه وما يحمله من القيم والمبادئ ولذلك فمسؤولية الكلمة كبيرة جداٍ في نظر الشريعة إذ بها تثبت الأحكام وتبطلº فمثلاٍ: يدخل العبد في الإسلام بكلمة التوحيد وبكلمة يخرج منه وهي كلمة الكفر والبيع يثبت بكلمة بعتْ من البائع وقبلتْ من المشتري ويثبت النكاح بزوجتْك وقبلتْ وينتهي بكلمة (الطلاق)…ومسئولية الكلمة من حيث الثواب والعقاب أيضاٍ كبيرة ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده) رواه البخاري ومسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنِ العِبúدِ لِيِتِكِلِمْ بالكِلمِة منú رضúوِان الله تِعِالِى مِا يْلúقي لِهِا بِالاٍ يِرúفِعْهْ اللهْ بهِا دِرِجاتُ وإنِ العِبúدِ لِيِتِكِلِمْ بالكِلِمِة منú سِخِط الله تِعِالِى لا يْلúقي لِهِا بِالاٍ يِهúوي بهِا في جِهِنِمِ) رواه البخاري .
* مفهوم الأمانة في شريعة الإسلام هل يقتصر على الأعمال أم أنه يشمل الأقوال أيضاٍ¿
– مفهوم الأمانة يشمل الأقوال والنيات كما يشمل الأعمال لأن مفهوم الأمانة مفهوم شامل وواسع ومن ذلك أمانة الكلمة فلا بد أن يكون المسلم أميناٍ على كلامه فلا يتكلم إلا بالصدق ولا ينقل إلا الحقيقة يقول الله تعالى:{ مِا يِلúفظْ منú قِوúلُ إلا لِدِيúه رِقيبَ عِتيدَ} ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مبيناٍ مسئولية الكلمة: (الúمْسúلمْ مِنú سِلمِ الúمْسúلمْونِ منú لسِانه وِيِده » رواه البخاري ومسلم.
* الكلمة سلاح ذو حدين¿ كيف يمكن شرح هذه العبارة¿
– معنى ذلك أن الكلمة قد تستخدم في الخير وقد تستخدم في الشر وقد تكون طيبة وقد تكون خبيثة وما من إنسان متكلم إلا وكلامه إما أن يحسب له أو يحسب عليه فهو له إن تكلم بخير وصدق ومعروف وهدى وهو عليه إن تكلم بشر وكذب ومنكر وضلال وصدق الله القائل: {أِلِمú تِرِ كِيúفِ ضِرِبِ اللِهْ مِثِلاٍ كِلمِةٍ طِيبِةٍ كِشِجِرِةُ طِيبِةُ أِصúلْهِا ثِابتَ وِفِرúعْهِا في السِمِاء تْؤúتي أْكْلِهِا كْلِ حينُ بإذúن رِبهِا وِيِضúربْ اللِهْ الأِمúثِالِ للنِاس لِعِلِهْمú يِتِذِكِرْونِ وِمِثِلْ كِلمِةُ خِبيثِةُ كِشِجِرِةُ خِبيثِةُ اجúتْثِتú منú فِوúق الأِرúض مِا لِهِا منú قِرِارُ يْثِبتْ اللِهْ الِذينِ آمِنْوا بالúقِوúل الثِابت في الúحِيِاة الدْنúيِا وِفي الآخرِة وِيْضلْ اللِهْ الظِالمينِ وِيِفúعِلْ اللِهْ مِا يِشِاءْ}.
* الكلمة السيئة كالرصاصة أو القنبلةº فما هي الضوابط الشرعية لتقويم الكلمة¿
– الكلمة السيئة فعلاٍ كالرصاصة أو أشد فكم من كلمة سيئة أحزنت وأخرى انقبضت لها النفس واستوحشها القلب وألقت قائلها أو سامعها في ضيق أو ضنك فضاقت به الدنيا وكم من كلمة سيئة نكأت جروحاٍ وأحدثت حروقاٍ وآلاماٍ. ولذلك فرض الإسلام حد الفرية على من افترى واتهم غيره بغير بينة قال تعالى: { وِالِذينِ يِرúمْونِ الúمْحúصِنِات ثْمِ لِمú يِأúتْوا بأِرúبِعِة شْهِدِاءِ فِاجúلدْوهْمú ثِمِانينِ جِلúدِةٍ وِلا تِقúبِلْوا لِهْمú شِهِادِةٍ أِبِدٍا وِأْولِئكِ هْمْ الúفِاسقْونِ} واستحق لعنة الله قال سبحانه: { إنِ الِذينِ يِرúمْونِ الúمْحúصِنِات الúغِافلات الúمْؤúمنِات لْعنْوا في الدْنúيِا وِالآِخرِة وِلِهْمú عِذِابَ عِظيمَ * يِوúمِ تِشúهِدْ عِلِيúهمú أِلúسنِتْهْمú وِأِيúديهمú وِأِرúجْلْهْمú بمِا كِانْوا يِعúمِلْونِ}. وتوعد الله الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بالإثم المبين فقال: { وِالِذينِ يْؤúذْونِ الúمْؤúمنينِ وِالúمْؤúمنِات بغِيúر مِا اكúتِسِبْوا فِقِد احúتِمِلْوا بْهúتِانٍا وِإثúمٍا مْبينٍا}.
ومن هنا وجب أن تضبط الكلمة بضوابط الشرع ومن هذه الضوابط:
1. أن تكون الكلمة حسنة لا سيئة بعيدة عن السب والشتم واللعن قال الله تعالى: { وِقْلú لعبِادي يِقْولْوا الِتي هيِ أِحúسِنْ إنِ الشِيúطِانِ يِنúزِغْ بِيúنِهْمú }. وقال رسول الله: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) رواه البخاري ومسلم.
2. أن تكون الكلمة قائمة على العلم والصدق لا على الجهل والظن بمعنى تثبتú مما تقول وقل ما أنت متأكد منه وإياك والظن فإنه أكذب الحديث. قال تعالى: {يِا أِيْهِا الِذينِ آِمِنْوا إنú جِاءِكْمú فِاسقَ بنِبِإُ فِتِبِيِنْوا أِنú تْصيبْوا قِوúمٍا بجِهِالِةُ فِتْصúبحْوا عِلِى مِا فِعِلúتْمú نِادمينِ}. واليوم يتناقل الناس معلومات كثيرة في مجالسهم سمعوها أو قرؤوها ولم يتأكدوا منها فآذوا الأبرياء وظلموا إخوانهم في الدين والوطن.
3. أن تكون الكلمة لنشر الخير والمعروف والإصلاح بين الناس وأما الكلمة بهدف نشر الشر والتحريش بين الناس فهي ممنوعة شرعاٍ ولو كانت صادقة قال تعالى: { لا خِيúرِ في كِثيرُ منú نِجúوِاهْمú إلا مِنú أِمِرِ بصِدِقِةُ أِوú مِعúرْوفُ أِوú إصúلاحُ بِيúنِ النِاس وِمِنú يِفúعِلú ذِلكِ ابúتغِاءِ مِرúضِاة اللِه فِسِوúفِ نْؤúتيه أِجúرٍا عِظيمٍا}
4. أن تكون الكلمة بعيدة عن الغيبة والنميمة والكذب فهي من الكبائر.
5. أن تكون الكلمة بعيدة عن التكفير والتخوين والتجريح ما دامت غير صادرة عن حكم قضائي سليم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما) رواه البخاري ومسلم.
* وهل سلامة الإيمان مرتبطة بنزاهة اللسان وطيب الكلام¿
– نعم نزاهة اللسان وصدقه وطيب كلامه هي علامة من علامات الإيمان ونقيضها علامة للنفاق والعياذ بالله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة غرفاٍ ترى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها) فقام أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله ¿ قال: (لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى لله بالليل والناس نيام) رواه الترمذي وأحمد.
* وماذا عن عبارة “ناقل الكفر ليس بكافر” فكثير ممن ينشرون كلاماٍ خاطئاٍ يستشهدون بهذه العبارة¿
– نعم ناقل الكفر ليس بكافر لكن العبرة ليست بنسبة القول إلى قائله حتى يسلم الناقل من الإثم أو العقوبة وإنما العبرة بالهدف والغاية من نقل الكلام المنحرف أو الضال فإن سياق النقل قد يفيد أن الناقل يهدف إلى ترويج هذا الكلام ونشره وإشاعته وبهذا يتحمل المسؤولية والإثم يقول الله تعالى: { إنِ الِذينِ يْحبْونِ أِنú تِشيعِ الúفِاحشِةْ في الِذينِ آِمِنْوا لِهْمú عِذِابَ أِليمَ في الدْنúيِا وِالúآِخرِة وِاللِهْ يِعúلِمْ وِأِنúتْمú لا تِعúلِمْونِ}.

* وماذا عن الذين يلينون بالكلمة مع غير المسلمين بينما تراهم شديدي اللهجة مع المسلمين¿
هذا مخالف للصفة التي يجب أن يكون عليها المسلم فالله يقول عن أصحاب رسول الله: {أشداء على الكفار رحماء بينهم} فأولى الناس بلين الكلام هم أقرب الناس إليك (الأهل والجيران ثم عموم المسلمين).
* في ختام هذا اللقاء هل من كلمة توجهونها لأصحاب اللسان والقلم
– أقول لهم: اتقوا الله فيما تكتبونه وتقولونهº فإن ما أصاب المسلمين اليوم من تفرق وصراع واقتتال يتحمل الجزء الأكبر من إثمه أصحاب اللسان والقلم الذين يعملون على التحريش بين الفرقاء ولا ينقلون من كلامهم إلا ما يفرق ويؤجج الصراع إنهم يملأون الصحف والفضاء غيبة ونميمة وتحريشاٍ وزوراٍ وباطلاٍ إلا من رحم الله منهم نقول لهم: بلادنا اليوم في حاجة إلى نشر ما يجمع ويوحد ويحقق التسامح والتغافر وطي ما يؤدي إلى الفرقة والتمزق والتناحر والتقاتل.. فكونوا من أهل الخير لا من أهل الشر.. قولوا خيراٍ أو اصمتوا… وتذكروا قول رسول الله لمعاذ: (كف عليك هذا) فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به¿ فقال: (ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم) رواه الترمذي وأحمد.

قد يعجبك ايضا