ارتفاع معدلات الفقر في من 43% في العام 2010م إلى 60% في بداية العام 2015م وقد يزيد إلى أكثر في حال استمر الصراع السياسي.. فيما البطالة انتقلت من حدود (20-30) إلى حدود (40-50%) في العام 2015.. فما الذي تعني هذه الفجوة الهائلة لوضع البلد الاقتصادي والمالي..¿! وما هي حدود الواقع المالي¿! وما هي قدراته على مجابهة التحديات والصعاب والكبيرة..¿! وما هي أفق المستقبل القريب لأوضاع اليمنية المالية إذا ما استمرت الأزمات السياسية..¿! وما المطلوب ولقف تفاقم العجز المالي..¿
الوكيل المساعد لقطاع التخطيط والإحصاء والمتابعة بوزارة المالية الأستاذ أحمد محمد أحمد حجر أجاب على هذه الأسئلة بشفافية وصراحة محملاٍ القوى السياسية مسئولية ما آلت وستؤول إليه أوضاع البلد جراء استطالة الصراع السياسي..
وقال حجر في حوار صحفي لـ”الثورة”: إن مخصصات وموازنات الدفاع والأمن جاهزة ولا مشكلة فيها سواء نفقات المرتبات والأجور أو النفقات التموينية أو النفقات التحديثية والتدريبية والتطويرية للجيش والأمن.. مؤكداٍ أن وزارة المالية تسعى جاهدة لتوفير الموارد الضرورية المساعدة لأجهزة الدولة عسكرية وأمنية ومدنية وبما يمكنها من المحافظة على الاستقرار القائم والهش في نفس الوقت حتى يتسنى للدولة تجاوز محنتها السياسية.
وتطرق حجر لمجمل القضايا المتصلة بالإيرادات ونسب العجز وقضايا النفقات التشغيلية والضرورية لسير أعمال الدولة وكذلك مشكلة التراجع في أسعار النفط عالميا وأثرها على اليمن والتداعيات التي لحقت بالحركة الإنتاجية للنفط والغاز في اليمن جراء الصراعات والاختلالات الأمنية والاعتداءات على أبراج الطاقة وأنابيب النفط والغاز.. وجهود وزارة المالية والبنك المركزي في محاول الحد من تفاقم الوضع المالي وإيضاحات مهنية ومنطقية حول الاحتياطي الأجنبي للبلد.. وغيرها من القضايا والمشكلات.. إلى التفاصيل:
* بدايــةٍ أستاذ أحمد.. هلا وضعت القارئ والمتابع أمام صورة مختزلة للوضع المالي للبلد في ظل التداعيات الناتجة عن الصراعات السياسية والاختلالات الأمنية.. ¿!
– صعوبة الوضع المالي لا تخفى على أحد مطلقاٍ فخلال الأزمة التي شهدها الوطن منذ 2011م وازدادت اليوم تعقيداٍ خصوصاٍ والأحداث الأخيرة المؤسفة ساهمت وبدرجة كبيرة في تدهور الوضع المالي إلى الحد الذي وصل عليه اليوم حيث أدى التراجع الكبير الذي شهدته أسعار النفط على المستوى العالمي ما عكس ذلك على إيرادات الدولة حيث انخفضت بدرجة 40%.. هذا غير الإشكاليات الداخلية الأمنية التي عكست الوضع السياسي المتأزم وهذا ما أدى إلى ضعف في أداء الاقتصاد القومي للبلد سواء من قبل شركات النفط التي خفضت إنتاجها أو انخفاض أسعار النفط عالمياٍ أو بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية لقطاعات العمل النفطي في البلد جراء الاعتداءات التخريبية ولعل هذا هو الجزء الأهم والأكثر تأثيراٍ في إيرادات النفط والغاز هذا إلى جانب الانفلات الأمني وعدم والاستقرار السياسي أدى إلى ضعف الاقتصاد القومي بوجه عام وبالتالي مستوى هوامش الأرباح والوعاء الإيرادي المدخر للموازنة العامة انخفض بدرجة كبيرة جداٍ.. وإلى جانب هذا وذاك عدم القدرة على التحصيل وخروج بعض المناطق وأوعيتها الإيرادية عن السيطرة المؤسسية للدولة فأثر ذلك على سير الإيرادات بشكل كبير وبالسرعة المطلوبة..
* هل هذا التراجع في الإيرادات النفطية ناتج عن الأحداث الأخيرة أم أنه نتاج تراكم الأزمات وتأخر الحلول السياسية..¿!
– التراجع ناجم عن الأحداث التي بدأت من عام 2011م وازدادت تدريجياٍ من 2011م وصولاٍ إلى التراجع المخيف الذي ظهر على موازنة الدولة بشكل كبير.. وربما يتضاعف هذا التراجع بشكل أشد فداحة في العام الحالي وفي حال استمر الصراع على ما هو عليه.. فإذا كنا نتوقع إنتاجاٍ سنوياٍ يتجاوز (60) مليون برميل سنوياٍ فنحن نتوقع التراجع إلى ما دون الـ (50) مليون دولار.. وهذا سيسدد لخزينة الدولة ضربة موجعة بالنسبة للإيرادات المترتبة على عائدات النفط والغاز..
باب الرواتب والأجور
* أشارت بعض التناولات خلال يناير ومارس إلى أن 14 محافظة لم تصل إيرادات أوعيتها الإيرادية إلى خزينة الدولة.. فهل هذا امتناع نظرا لخروج بعض المناطق عن السيطرة منذ 21 سبتمبر التي جاءت على خلفية ثورة شعبية ضد الجرعة والفساد.. ¿!
– المسألة ليست امتناع أو تمرد على الدولة على سلطة الأوعية الإرادية المركزية للدولة كما تشير بعض المواقع الإعلامية التي لا تتحرى الدقة والمسئولية.. وإنما هناك بطء شديد عكس نفسه على حجم الإيرادات الذاتية للبلد والتي ترتبط عادة بجدول زمني دقيق وهو ما جعل هذا التباطؤ يؤثر تأثيراٍ سلبياٍ واضحاٍ على الوضع المالي كنتيجة طبيعية للأوضاع السياسية والأمنية..
* حتى الآن أين وصل العجز…. ¿¿
– العجز حتى الآن – رغم قسوة الوضع- لا زال في الحدود التي يمكن معها إذا تم تجاوز الخلاف السياسي الحفاظ على الاستقرار المالي وإن كان هشاٍ.. فقد بلغ عجز الإيرادات الذاتية حتى 21 مارس الجاري من العام 2015م وصل نحو 54% كما وصلت نسبة العجز في حجم النفقات الذاتية نحو 52% مقارنة بنفس الفترة من العام 2014م مؤكداٍ أن إيرادات النفط خلال الفترة (1/1-21/3 /2015م) بلغت (116) ملياراٍ و(319) مليون ريال بنسبة تراجع عن النفس الفترة من العام 2014م تتجاوز 40% تقريباٍ.. بسبب تدهور السعر العالمي للنفط وتراجع كميات الإنتاج من النفط والغاز اليمني.
حيث بلغ إجمالي الإيرادات الذاتية المقدرة للفترة (يناير/مارس من العام 2014م) كانت (497) ملياراٍ و(757) مليون ريال.. فيما المحصل خلال (يناير- 21 مارس من العام 2015) بلغ (230) ملياراٍ و(788) مليون ريال. ما يعني أن الفارق (-)بلغ (266) ملياراٍ و(969) مليون ريال وأن إجمالي النفقات الذاتية للفترة(يناير/مارس 2014م) نحو (660) ملياراٍ و(269) مليون ريال بلغ فيما بلغ المنفق خلال الفترة (يناير – 21 مارس من العام 2015م) نحو (320) مليار ريال و(501) مليون ريال لترتفع الالتزامات المؤجلة إلى (339) ملياراٍ و(768) مليون ريال..كل هذه الأرقام لا تعكس بالضرورة سوء الوضع المالي للإيرادات إذ ليست بالخطيرة والحقيقية إذا ما قارناها بمجالات النفقات التي وجهت لها هذه الإيرادات المحدودة فهي عبارة عن مرتبات ونفقات تشغيلية ضرورية وبعض النفقات على المشاريع التي وصلت مراحلها التنفيذية الأخيرة أو شبه مكتملة أي أنه من الصعب توقيف نفقاتها.. وبالتالي لا مخاوف من هذا العجز والأرقام إلا في حالة مقارنتها بتحريك نفقات كل الأبواب في موازنة الدولة..
* هل نفهم من هذا أن هذه الإيرادات تكفي لباب الرواتب بدون أي عجز أو مشاكل تعكس نفسها على السلك الوظيفي والإداري للمؤسسات الدولة.. ¿! وماذا عملت الوزارة من إجراءات احترازية للحفاظ على الاستقرار المالي..¿!
– بالتأكيد فبند الرواتب والأجور لا خوف عليه.. أما ما عملته الوزارة بخصوص ترشيد النفقات فالوزارة المالية في ضوء مهمتها كجهاز سيادي يمثل الدولة ويناط به توفير الموارد اللازمة التي تحتاجها الدولة والتي تعتبر أساس بقاءها والقيام بمهامها.. فقد عمدت الوزارة إلى إجراءات حتمية واحترازية إلى خفض النفقات أو وقف معظمها ما عدا النفقات المرتبطة بالمشاريع والنفقات الاستثمارية ونفقات الحوافز والتحويلات وبعض النفقات الأخرى.. وهو إجراء حتمي حتى تستطيع الدولة مواصلة مهامها دون تجاوز الحدود المقبولة للعجز المالي الناتج عن غياب التمويل البنكي والمصرفي لأذون الخزانة التي تعد من أهم ركائز الموازنة..
الالتزامات المؤجلة
* بالنسبة للالتزامات المؤجلة كم بلغت حتى الآن..¿ وكيف سيتم التعامل معها.. ¿!
– الالتزامات المؤجلة وصلت حتى 21 مارس الجاري إلى 340 ملياراٍ و(768) مليون ريال أي بنسبة (52%) من الالتزامات القائمة والمفترض الوفاء بها.. التعامل مع هذه الالتزامات في ظل هذه التحديات .. من الطبيعي أن يتم حسب المتاح.. لكن أملنا كبير في الله.. ونتمنى على الساسة والمتصارعين على السلطة وأن يدركوا حقيقة أن استمرار حال الصراع سيوصل البلد إلى الانهيار.. ليخرجوا البلد إلى بر السلام ليتسنى استعادة حركة التنمية والاستثمار والمشاريع الإستراتيجية إلى حيز التشغيل..
* إلى أي مدى أسهمت معضلة استطالة الصراع السياسي في تفاقم مشاكل البلد الاقتصادية والمالية.. ¿! وما هي دعوتكم للقوى السياسية ..¿!
– الصراع السياسي واستمراره منذ 2011م قاد وضع البلد المالي والاقتصادي إلى مرحلة حرجة جداٍ .. فاقتصادياٍ أدى الصراع السياسي إلى ارتفاع معدلات الفقر من 43% 2010م إلى 60% وقد يزيد إلى أكثر في حال استمر الصراع السياسي.. وفيما كانت البطالة في حدود (20-30%) في العام 2010م وصلت في مطلع العام 2015 إلى حدود (40-50%).. خصوصاٍ بعد أن شْلت كل المشاريع الاستثماري والتنموية التي كانت تشغل القوى العاملة.. ومالياٍ وصل العجز في إيرادات الدولة وكذا في الموازنة إلى الحدود التي ذكرتها لكم آنفاٍ..
ودعوتي لجميع القوى السياسية ورموزها هي أن عليهم أن يراقبوا الله وأن لا يستمروا في هذه الصراعات حتى لا تنهار البلد.. عليهم إخراج البلد إلى بر الأمان بحلول عاجلة وسريعة تحفظ ما تبقى من مقومات موارد البلد ومكتسباته..
الموازنة العامة والعجز
* فيما يتصل بالعجز في الموازنة العامة للدولة .. ألم تكن في الأعوام السابقة مبنية على عجز كبير.. ¿! وما الفارق الآن الذي يؤخر صرف تعزيز الربْع الأول من العام للمؤسسات الرسمية – على الأقل النفقات التشغيلية..¿!
– صحيح كان العجز في موازنة الدولة كبيراٍ جداٍ من عام لآخر خلال الأعوام 2011م – 2014م لكن هناك فارق أيضاٍ في مستوى نفقات هذه الموازنة.. وآليات محاصرة العجز عند حدوده المقبولة..ناهيك عن أن الفارق هو أن النفقات جميعها كانت تستنفذ في مساراتها وأبوابها المحددة نظراٍ لاستمرار المشاريع التنموية والاستثمارية التي كانت بذاتها تشكل عوائد إيرادية لخزينة الدولة من خلال روافد عوائدها التشغيلية وهامش الربحية.. أما الآن فكل تلك المشاريع الاستثمارية والحركة التنموية توقفت ولم يبق إلا النفقات الجارية (الأجور والنفقات التشغيلية الضرورية والمشاريع التي صارت شبه مكتملة)..
وبالنسبة لتأخر صرف النفقات التشغيلية الضرورية للجهات والأجهزة الحكومية فالمالية والبنك المركزي يعلموا في إطار الموارد المتاحة.. ولا يستطيع البنك المركزي يطبع نقوداٍ أكثر فيؤدي إلى تضخم فتكون النتائج عكسية على الطلب وعلى الاستيراد وعلى سعر الدولار .. كما أن زيادة العرض النقدي سيؤدي إلى ارتفاع معدلات الطلب في ظل عدم وجود سلع وإنتاج فعلي في المجتمع مكافئ لهذا الطلب.. وبالتالي سيدخل الجهاز المصرفي في مرحلة حرجة من العجز عن الدفاع عن العملة الوطنية..
* هذا الترشيد أو الإجراءات التي أسميتها حتمية هل شكلت سياجا قوياٍ للحفاظ على العملة ..¿! وهل هذه الإجراءات نافعة في حال استمر الوضع كما هو..¿!
– بالتأكيد هي ناجحة وشكلت سياج قوي يحافظ على وضع الاستقرار المالي الهش وممكن القول بأن هذه حلول ناجعة حال كانت مؤقتة.. أما في حال الوضع كما هو واستمر العمل بها فستؤدي إلى نتائج كارثية على المستوى المعيشي للناس وعلى المستوى التنموي حيث ستتراجع مستويات النمو للقطاعات الإنتاجية وستحجم كثيراٍ من نماء الاقتصاد الوطني.. إذ ليست هذه الإجراءات على المدى المتوسط والطويل كفيلة بالنجاح في أي بلد من العالم.. وهذه حقيقة هامة على الجميع إدراكها كي لا يبقى السياسيون في مماحكات وحوارات تدور في حلقات مفرغة إلى أجل غير مسمى .. فهذه السياسيات تكون مناسبة للمدى القصير لمواجهة الأزمات العابرة.. وفي غير ذلك سيتفاقم العجز المالي وتنهار البلد اقتصاديا وأمنياٍ وسلماٍ اجتماعياٍ..
احتياطي النقد الأجنبي
* ماذا عن احتياطي البلد من النقد الأجنبي وهل وصلت الدولة أو أجهزتها المصرفية إلى استخدام الاحتياطي.. ¿!
– أولاٍ وللتوضيح على الجميع من السياسيين والأجهزة الحكومية أن يفكروا بمخرج للبلد وأن لا يركن أحد إلى الاحتياطي وإن كان يكفي لسنوات.. فهو ليس ملكاٍ للدولة أو الحكومة.. الاحتياطي هو ملك للجهاز المصرفي لمواجهة الكوارث لا سمح الله وتوفير السلع الغذائية الضرورية والخدمات الصحية للشعب لفترة زمنية محددة ومناسبة لتجاوز هذه الكوارث الأزمات.. وما يجري في اليمن هو صراع سياسي على القوى السياسية تحمل مسؤلياتها تجاه الوضع المالي للبلد وأن لا تفكر بالاحتياطي النقدي في البنك المركزي.. فالاحتياطيات من النقد الأجنبي هي من أصول الجهاز المصرفي في بلد وهي صمام أمان له لكي يحافظ على سعر عملته التي يصدرها للتداول داخلياٍ .. والوضع القائم للاحتياطي الآن هو في حدود (4 ) مليارات و(500) مليون دولار.. وهذا يغطي 4-5 أشهر فقط ولكن استمرار الوضع سيؤدي إلى انزلاق الاحتياطي إلى مستويات غير مقبولة..
* كيف تنظرون لعمل البنك المركزي اليمني خلال هذه الظروف الخانقة.. ¿!
– البنك المركزي يعمل بأقصى قدراته للحفاظ على الوضع المالي والاقتصادي للبلد باتخاذ سياسيات كانت للحقيقة ناجحة في المحافظة على الاحتياطي الأجنبي وللمحافظة على توازن العرض والطلب النقدي للعملة الصعبة في السوق.. وتوفير موارد إلى جانب الموارد الحكومية لتسيير الأمر القائم.. لكن ذلك لا ينفع على الأمد المتوسط والطويل على الإطلاق.. هذه السياسات ممكن تكون احترازية وناجحة على الأمد القصير أما على الأمد المتوسط والبعيد فأنا أعتقد أنه لا جدوى منها…
التعبئة العامة
* هناك حرب ومفتوحة مع القاعدة والإرهاب ازدادت وتيرتها بعد الأحداث الإجرامية التي استهدفت المساجد .. وأعلن على إثرها التعبئة العامة.. فماذا عن موازنات الدفاع والأمن..¿! كيف ستتعامل المالية مع هذا الظرف..¿!
– مخصصات وموازنات الدفاع والأمن موجودة وجاهزة في كل الأحوال ولا مشكلة فيها.. سواء نفقات المرتبات أو النفقات التموينية أو النفقات التحديثية والتدريبية والتطويرية للجيش والأمن .. وربما تحتاج إلى زيادة في بعض الأشياء وأعتقد أن الوزارتين تستطيع أن ترشد من بعض النفقات وتخصيص بعضها للالتزامات التي قد تطرأ.. أو تحتاجه للحشد الشعبي لمواصلة الحرب ضد الإرهاب والتطرف وإخماد المشكلات السياسية والأمنية أو غيره .. وأعتقد أن وزارة المالية في ظل ظروف مثل هذه ستسعى جاهدة لتوفير الموارد الضرورية المساعدة لأجهزة الدولة عسكرية وأمنية ومدنية وبما يمكنها من المحافظة على الاستقرار القائم والهش في نفس الوقت حتى يتسنى للدولة تجاوز محنتها السياسية..