الحروب لا تحقق انتصارات بل مجاعات ومآس مجتمعية

■ النزوح يضعف الروابط الاجتماعية وينشئ روح التنافس والصراع

قالت أستاذة علم الاجتماع بكلية الآداب ـ جامعة صنعاءـ الدكتورة سكينة أحمد هاشم إن الحروب لا تحقق انتصارات على الأرض سواءٍ للدول أو للفرقاء السياسيين داخل أي دولة, وإنما تخلف مجاعات ومآسي مجتمعية.. مؤكدةٍ  على أن الحروب والصراعات تتسبب بضعف الروابط الاجتماعية وتوجد مخيمات نازحين وضياع العادات والتقاليد وظهور روح التنافس والصراع والتمرد لدى النازحين.. مشيرةٍ إلى أن الأطفال في معسكرات النزوح لا يتمتعون بالرعاية الأسرية كما يجب, وذلك بسبب الظروف التي تمر بها أسرهم.
وأكدت الدكتورة سكينة أحمد هاشم على أن 50% من شباب التنظيمات المتصرفة الإرهابية يعتبرون من ضحايا الحروب.. لافتة إلى أن أسر النازحين معرضة للانحراف وبنسبة كبيرة في حال غياب التوعية النفسية والاجتماعية.
وتحدثت الدكتورة سكينة عن الآثار النفسية والاجتماعية التي يمر بها نازحي الصراعات في المخيمات, وعن الإيجابيات أو السلبيات التي قد يكسبها النازح خلال فترة نزوحه وكذا المعالجات الفعالة لحالتهم النفسية ودور الحكومة في ذلك¿ التفاصيل..

* بإيجاز.. ماذا أثبتت الدراسات العالمية الخاصة بالنازحين وضحايا الحروب¿
ـ أثبتت كثير من الدراسات مثل ( آرثر 1974) (Arthur) و(ماكلسكى وآخرون 1996) (MaClosky et al) و ( ارين برنيت 1998) (Erin Brunette) أن النزوح نتيجة للحروب أو المجاعات غالبا ما تصاحبه مجموعة من الخبرات غير السارة لمعظم الأفراد الشيء الذي ربما يوقعهم ضمن فئة مرضية سميت (بالاضطرابات الموقفية) (Transitional Situational Disorder) ويقصد بها مجموعة الأعراض النفسية التي تظهر نتيجة لمشكلات حياتية طارئة وقد سميت بهذا الاسم للدلالة على أنها اضطرابات انفعالية مرتبطة بموقف ضاغط ثم هى مؤقتة لأنها عادة ما تزول بعد معالجة الموقف الذي أثار الضغط الانفعالي والتغلب عليه.
* كيف تقيمون الوضع النفسي والاجتماعي لضحايا الحروب والصراعات¿
ـ يرى الكثير من المختصين أن الحروب والنزاعات المسلحة التي تشهدها كثير من مناطق النزاعات المسلحة في اليمن قد أفرزت وضعا غير طبيعي لإنسان هذه المناطق خاصة وأنه أصبح يعيش في منطقة لا يعرف الكثير عن جغرافيتها وكيفية التعامل معها لتأمين المأكل والمسكن له ولأولاده هذا لو وضعنا في الاعتبار عدم رغبته في الحرب وقابليته كإنسان للتأثر بالضغوط التي من أهمها الحرمان مما تعود عليه من طعام ومصادر للمياه والملبس والمأوى والأمن والانتماء وقوة الظروف المناخية والتعرض للكثير من الاضطرابات والآثار الاجتماعية والنفسية الناجمة عن النزوح. ويرى بلانك (1998) (Blank) أن ظروف أي حرب تؤدى لصدمات انفعالية (Emotional Trauma) .
* لو حدثتينا عن أبرز مصادر الضغوط النفسية على الفرد¿
ـ هناك أربعة مصادر للضغوط لا تختلف باختلاف الثقافة أو البيئة وتتمثل في الآتي:
ـ الفشل في أن يعيش الفرد كما يتوقع.
ـ الخوف الدائم والذي ربما أدى للرجفة والإسهال والقيء وبعض الأعراض النفسية الأخرى.
– فقدان القدرة على الحكم الموضوعي وقد يرتبط بعدم القدرة على اتخاذ القرارات أو تجنب اتخاذ القرار والانسحابية.
-ترك أو عدم المبالاة بالروابط الأسرية والاهتمام بمن فقدوا من أفراد الأسرة والاهتمام بنظام وبناء الأسرة الذي كان سائدا من قبل.
* هناك نتائج غير إيجابية للأسرة والفرد المتضررين من الحروب.. ما أبرزها¿
ـ يرى (إبراهيم 1990) بأن التغيرات في الأوضاع التي تنجم عن الحرب تصاحبها الكثير من النتائج غير الإيجابية المتمثلة في تفكك الأسر والتوتر والجهد الجسماني والنفسي والضجر والاكتئاب والتمرد وقلة العطاء وحب النفس لتأمين كسب العيش والتي ربما فاقت طاقات الأفراد وتحملهم وأن هذا الوضع النزوحي يفقد النازحين دعم المجتمع الأصلي الذي كان يعمل لامتصاص الصدمات الاجتماعية والثقافية والصحية والاقتصادية لأفراده وبالتالي يوفر لهم الحماية ويفي لهم بحاجاتهم.
* النزوح الناتج عن الصراعات يساهم في إضعاف الروابط الاجتماعية والثقافية¿
ـ ظروف النزوح تترتب عليها كثير من الأوضاع الشاذة مثل اختلاط النازح بجماعات عرقية وثقافية ودينية متباينة كما هو الحال في بعض المعسكرات التي تقطنها مجموعات من القبائل الأخرى والجماعات الأخرى مما قد ينتج عنه ضعف الضوابط الاجتماعية وقلة تأثر النازح بفكره الأصل والتقاليد والأعراف مما قد يزكى لديه روح التنافس والصراع مع المجموعات الأخرى والذي قد يؤدى بدوره لازدياد الجريمة أو لظهور أساليب توافقيه جديدة لمواجهة الضغوط الناجمة عن النزوح مثل الدعارة والإدمان والجنوح وبالتالي إحلال الضوابط الرسمية بالشرطة والسجون وأوامر لم يعتادها هؤلاء في مناطقهم الأصلية التي كانت تحكمها الضوابط الاجتماعية العرقية أكثر من الضوابط الرسمية في تنظيم السلوك الاجتماعي.
* ماذا عن الصدمات التي يتلقاها النازح حين ينتقل من مجتمعه..¿
ـ كما أن الانتقال من المجتمعات الأصلية والوطن الأم سمة تميز كل نازح مما يجعل لكل نازح القابلية لتلقي الصدمات والهزات النفسية الناتجة عن هذا الانتقال والتي تشمل الجيل الحديث من الأبناء وأجيال الأمهات والآباء وتزيد طبيعة دواعي الانتقال من حجم هذا الأثر النفسي خاصة إذا كان هذا الانتقال بسبب الظروف الجغرافية والبيئية القاسية والقاهرة مما ينجم عنه مطالب التكيف مع الأوضاع الجديدة ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا أو اللجوء لأساليب التكيف غير التوافقية كما ذكر سالفا أم مما يترتب عليه في الموقف التشريعي من منع النازحين من فرص الحراك الاجتماعي أو التعرض للخطر المتمثل في تدهور الخدمات الصحية وانتشار الأوبئة والأمراض والجريمة لبعد هذه المناطق من النقاط الأمنية أو للمصادمات القبلية أو لمشكلات البطالة والفراغ.
* هل نستطع القول أن النزوح لا يسهم في بناء شخصية ايجابية للنازحين¿
ـ لا نستطع القول أن آثار النزوح قد لا تسهم في بناء شخصية النازح إيجابيا فقد يحدث ذلك إذا اعتبرنا أن مثل هذه التباينات الثقافية والاجتماعية آلية للانتشار الثقافي من مجموعات الوطن الواحد أو القارة فإذا حدث تناغم في تكيف النازح مع غيره ومع الموارد الطبيعية ومساحة الأرض التي انتقل إليها وإنشىء بالتالي نوعا من العلاقات الاقتصادية والاجتماعية مع المجتمع الجديد أو بين وطنه والوطن الذي نزح إليه أو إن استفاد من الظروف الضاغطة هذه في تنمية قدراته ومهاراته للتوافق والعطاء. ويمكن بالطبع توقع هذه الإيجابيات للنزوح إن كانت الضغوط التي يتعرض لها هؤلاء الأفراد بقدر معتدل يسهل (Facilitating) من استثارة الدوافع والسلوك الإيجابي.
* ما هي آثار النزوح على الأطفال¿
ـ آثار النزوح على الأطفال أن الطفل في هذا المعسكر لا يتمتع بالرعاية الأسرية كما ينبغي فأسرته مع واقع ظرفها تمثل المركز المنوط به إشباع حاجاته البيولوجية والنفسية والاجتماعية والروحية وتمثيل القدوة وهذا الحرمان في كل إبعاده بالإضافة للمرحلة العمرية للطفل يمكن أن تعمل على ظهور الأعراض النفسية وسط الأطفال النازحين .
ويرى (ونكوت 1984) (Winnicott) المذكور في عبد المجيد (1992) أن مثل هذا الاضطراب النفسي وسط هذه الشريحة يعتبر محاولة من الطفل للبحث عن أمل خارج نطاق الأسرة التي عرضته لمجموعة من المطالب والضغوط التي لا تتناسب مع عمره وطاقته للتحمل. ويتفق مع هذا الرأي مكولسكي 1996 (McCloskey) الذي يقول: بأن الأطفال في مناطق النزاعات المسلحة يظهرون عددا من الأعراض النفسية السالبة مثل ومن الآثار الصحية الناتجة عن النزوح الظروف العامة للمعسكرات التي يمكن اعتبارها في غاية السوء كما أن هنالك أمراضا تحاصر الأطفال مثل سوء التغذية والسل والتسرب من الدراسة والعمل بعد اليوم الدراسي فكل ذلك يعتبر من مسببات ارتفاع درجة الأعراض النفسية وسط النساء النازحات.
* ما هي الحلول أو المعالجات لكل تلك الآثار التي يعاني منها النازحون¿
ـ سأختصر الحلول كما يلي:
1- ضرورة توجيه عناية أكبر للمعسكرات والمخيمات التي يلجأ إليها النازحون والاهتمام بتخطيطها وتوفير الحد الأدنى من المساحات والميادين وإزالة الأشجار وتسوية الأرض وتوفير الخدمات الضرورية والأساسية كالماء الجيد وخدمات الصحة والتعليم.
2- استيعاب باحثات اجتماعيات وخبراء علم نفس وأطباء للعمل في مراكز للإرشاد النفسي ومراكز الرعاية الأولية الخاصة بالأمومة والطفولة ورعاية الأحداث لإعادة التأهيل في المناطق المعرضة للنزاعات المسلحة.
3- تنشيط الدعم الشعبي بإقامة الأسر المنتجة ـ الصناعات الصغيرة ـ وذلك بتوفير الضروريات.
4- دعم وسائل الإعلام وزيادة مدى بثها وإتاحة الفرصة للنساء والأطفال للتحدث عن تجاربهم مع الحرب والنزوح وذلك لإيجاد أرضية مشتركة للدعم والمساهمة والمشاركة الوجدانية مع الآخرين.
5- الاهتمام بالطفولة وذلك بإنشاء رياض الأطفال وتوفير خدمات التطعيم وتوعية الأمهات بالمخاطر الصحية التي تنجم عن الفقر والجهل.

* ما دور الدولة في حماية مناطق النزوح¿
ـ للحكومة دور كبير في حماية مناطق النزوح منها:
ـ حماية الأشخاص من التشريد القسري وحماية النازحين ومساعدتهم أثناء تشريدهم وأثناء عودتهم أو إعادة توطينهم وإدماجهم.
– تطوير آلية لمعالجة قضايا السكن والممتلكات بما في ذلك إعادة البناء وإعادة العقار إلى مالكه.
– تبني وتنفيذ سياسة وطنية لمعالجة وحل قضايا النزوح الداخلي على أن تكون هذه السياسة متسقة ومبنية على معايير قانون الحقوق الدولي والقانون الإنساني الدولي وأن تأخذ بعين الاعتبار المبادئ الإرشادية حول النزوح الداخلي وأن تحدد إجراءات لحل قضايا النزوح وأن تحمي حق النازحات في الاختيار من بين الحلول(إما العودة إلى مناطقهن الأصلية أو الاندماج في مناطق نزوحهن وإعادة توطينهن في مكان آخر داخل البلد.
* ما نسبة توقع اندراج وانخراط الشباب المتضررين في صفوف التنظيمات الدينية المتطرفة. في حال غياب الرعاية النفسية والمجتمعية من قبل الحكومة¿
ـ ترتفع نسبة انخراط الشباب في التنظيمات الدينية في أوساط الشباب المتضررين من النزاعات المسلحة فيمكن أن تصل النسبة إلى 50% من الشباب المنخرط في هذه التنظيمات هم من الشباب المتضرر من النزاعات المسلحة. لأن قيادات هذه التنظيمات تعمل على غرس ثقافة ورؤية هادفة لهم كما تعمل على استغلال الظروف التي يعيش بها هؤلاء الشباب فتصور لهم بأنها جاءت كمنقذ من هذا الوضع وأنها ستعمل على توفير الظروف السليمة لهم للعيش وللتمتع بظروف أحسن ومن ضمن الأساليب التي تستخدمها هي إغرائهم بالمال وبالسلاح في مقابل الانخراط في تنظيماتهم.
* هل عدم استقرار الأسرة نفسيا واجتماعيا وفقدانها منازلها إزاء الحروب قد يدفع بها نحو الانحراف¿
ـ نعم من الأسباب الرئيسية للانحراف هو عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي للأسر وبالتالي للأبناء ونتيجة عدم استقرارهم يؤدي إلى الاضطراب السلوكي وبالتالي الانحراف. فكل الدراسات النفسية والاجتماعية تؤكد على أن الاستقرار النفسي والاجتماعي يؤدي إلى وجود مجتمع سليم خالي من الانحراف والعكس صحيح حيث أن الاضطراب الاجتماعي والاضطراب النفسي يؤدي إلى اضطراب السلوكيات وبالتالي الانحراف والتشرد والانخراط أيضا في التنظيمات السياسية والدينية المتطرفة.
* كيف تقارن الدكتورة سكينة بين الحالة النفسية لدى المتحاربين أثناء المعركة والمتضررين من المواطنين¿
ـ تصعب المقارنة ولو أن الفرق واضح بشدة وذلك بسبب أن الحالة النفسية للمتحاربين هي حالة مضطربة وقلقة ويحس بالاكتئاب وكذلك بالنسبة للأشخاص المتضررين يتولد لديهم القلق والاكتئاب والاضطراب الانفعالي والاضطراب السلوكي والفارق يكمن في أن المتحاربين يعرفون مسبقا ماذا سيحدث لهم وكذا يعرفون ما هم قادمون عليه وما هي مجالات تضررهم أما بالنسبة للمواطنين المتضررين فهم لا يعرفون ما هم قادمون عليه ومجهول بالنسبة لهم المستقبل ومجهولة نتيجة هذا الصراع وهذه الحروب.

قد يعجبك ايضا