“استطالة الصراع السياسي”.. عامل رئيس في تنامي ثقافة التطرف

* قائد غيلان: الإرهاب يرتبط بالتطرف ارتباط السبب بالنتيجة وإطالة الصراع السياسي دفعت القوى السياسية إلى تمجيد القتل في مكان وإدانته في آخر

حصيلة الجرائم الإرهابية التي استهدفت جامعي بدر والحشوش بلغت على حدود التقريب نحو 150 شهيداٍ و350 جريحاٍ في سابقة مؤسفة وخطيرة أصابت المجتمع اليمني بصدمة كبيرة ليس لكونها قضت على نفوس بريئة لا ذنب لها سوى أنها في بيوت الله تؤدي فريضة صلاة الجمعة بل ولأن هذه الجريمة تأتي في إطار استهداف ممنهج وواضح لمسار السلم المجتمعي والتعايش المذهبي والديني كميزة عرف بها اليمنيون إذ لا فرق بين زيدي وشافعي وحنبلي ومالكي وحنفي شيعي وسني وغيرها من المذاهب التي يعجز كل متابع أو متقصُ لها تمييز مكامنها في جسد المجتمع اليمني الواحد..
السؤال الذي يجب على كل القوى السياسية  أن تطرحه على نفسها هو ما أثر استطالة الصراع السياسي على السلم الاجتماعي ونماء ثقافة العنف والتطرف والإرهاب في مجتمعنا اليمني المسالم والمتعايش..¿! .. وهو السؤال الذي يجيب عليه نخبة من المثقفين والحقوقيين والشباب في هذا الاستطلاع.. لكننا في البدء سنسلط الضوء على أبرز محطات الأعمال الإجرامية والإرهابية التي طالت الشعب اليمني خلال سنوات الصراع السياسي الممتدة بين ربيع 2011 وطلائع صيف 2015م الذي شهدت جريمتي تفجير جامع بدر والحِشْوش في العاصمة صنعاء.. إلى التفاصيل.. 

بفعل استمرارية الصراع السياسي في اليمن تحولت البلاد- حسب المحللين السياسيين والمراقبين للحالة اليمنية- إلى بيئة خصبة لنمو نزعة التطرف والإرهاب وبدت البلاد كما لو أنها حقل ألغام كارثية استهدف القوات المسلحة والأمن بدرجة أساسية لضرب مقومات الدولة وشل حركتها الضبطية والأمنية والتشريعية والتنفيذية ومنذ بداية العام 2011م التي شهد ذروة الصراع السياسي واستقدام نماذج الربيع العربي من سوريا وتونس وليبيا كانت العمليات الإرهابية تتدرج في الأساليب والوسائل القذرة في استهداف الجنود الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم نذروا حياتهم في سبيل الدفاع عن الوطن وأمنه واستقراره ووحدته فعلى امتداد أشهره المشتعلة بالأزمة شهد العام 2011م استشهاد ما يقارب الـ(60) جندياٍ وإصابة ما يقارب 70..  في كمائن غادرة وسيارات مفخخة وهجوم انتحاري على مقرات عسكرية ونقاط أمنية في كل من أبين وحضرموت وعدن ومأرب وشبوة والبيضاء وحجة وغيرها من المحافظات سواء بشكل استهدافي جماعي أو منفرد..
العام 2012م -الذي شهد تحولاٍ بتسليم السلطة بسلام وعبر انتخابات رئاسية مبكرة-لم يكن بأقل من سابقه لكن اللافت فيه وصول الجرائم الإرهابية إلى عقر دار القوات المسلحة والأمن ففي فبراير استشهد 21 من أفراد حراسة بوابة القصر الجمهوري بالمكلا إثر تعرض القصر إلى هجوم بسيارة مفخخة يقودها إرهابي انتحاري وفي مارس استشهد وأصيب العشرات من الضباط والجنود واختطاف أكثر من 60 جنديا إثر هجوم غادر لـ“أنصار الشريعة” على مواقع الجيش في دوفس والكود بمحافظة أبين..  وفي 7 مايو استشهد 22 جندياٍ وأصيب 12 بهجوم غادر على قوات الجيش في زنجبار.. أما في 21  مايو فقد شهدت صنعاء أشنع هجوم إرهابي جبان في ميدان السبعين بصنعاء أدى إلى استشهاد وإصابة نحو 300 من الجنود الذين كانوا يؤدون البروفات النهائية للعرض العسكري بمناسبة احتفالات البلاد بالعيد الوطني الثاني والعشرين.. ناهيك عن أن تقريراٍ صادراٍ عن وزارة الداخلية أعلن أن الدراجات النارية استخدمت في 66 جريمة قتل وشروع في قتل خلال عام 2012 استهدفت بدرجة أساسية منتسبي المؤسسة العسكرية والأمنية وكان 95% منها ذات طابع إرهابي. وأفاد التقرير أن هذه الجرائم أدت إلى مقتل 40 ضابطاٍ وفرداٍ من منتسبي المؤسسة العسكرية و4 مدنيين إضافة إلى إصابة 21 من العسكريين و9 مدنيين..
عام الحوار..¿ أم عام الضحايا..¿!
ورغم أنه شهد زخماٍ من الحوار الوطني الذي أنعش اليمنيين بضخ التفاؤل في الخروج من عنق زجاجة الصراع السياسي إلا أن العام 2013 م غادر مثقلاٍ بأبشع العمليات الإرهابية على مستوى العالم إذ لم يسمع قط بأن المستشفيات ومرضاها وأطباءها يتعرضون لتصفية جسدية غيلة وغدراٍ فالعملية الإرهابية التي تعد أكثر العمليات دموية ووحشية في تاريخ اليمن والعالم تتمثل في مهاجمة مسلحي القاعدة في 5 ديسمبر لمستشفى العرضي الواقع داخل مجمع الدفاع بصنعاء وقتلوا وأصابوا 271 شخصا (56 شهيداٍ و215 جريحا) من الأطباء والممرضين والمرضى والمترددين على المستشفى..
صحيح أن تلك العملية ليست الوحيدة ولكنها الأشنع في العام 2013 فقد شهد قبلها عدد من العمليات الإرهابية واختصاراٍ للتفاصيل فقد استشهد خلال العام 2013م – حسب تقارير الاجهز الأمنية- نحو  80 من ضباط القوات المسلحة والأمن وأصيب 50 في 45 عملية اغتيال نفذتها مجاميع إرهابية من تنظيم القاعدة وجماعة انصار الشريعة المقربة منهم واستشهد وأصيب في بعضها عدد من المدنيين..
وشهد العام 2014م في اليمن- حسب تقرير رابطة المعونة لحقوق الإنسان والهجرة السنوي الالكتروني للعام 2014م (باللغة العربية) بعنوان : “2014م .. عام المجازر الارهابية الكبرى واللادولة وانزلاق اليمن نحو الهاوية ¿¿ . استشهاد 300 يمني في 15 مجزرة إرهابية دموية كبرى اسفرت عن وقوع 294 شهيداٍ و252 جريحاٍ بينهم متظاهرون من جماعة (أنصار الله) الحوثية وطالبات مدارس وطلاب كلية الشرطة ورموز وطنية كبيرة على رأسها واحد من أهم رموز الحوار الوطني والفكر السياسي والقانوني المستنير الدكتور أحمد شرف الدين.. وتوزعت مجازر العام 2013م على 6 محافظات جاءت محافظة حضرموت في المقدمة منها بعدد 6 مجازر ثم محافظتا (شبوة – الحديدة – البيضاء) بعدد مجزرتين لكل محافظة تليهما محافظات عدن وأمانة العاصمة وإب برصيد مذبحة واحدة لكل منهما.
الجوامع.. هدفَ للإرهاب الجبان
قد يكون ربيع 2011م هو فاتحة الصراع السياسي الدموي وبلوغه محطة الديمومة الكارثية على البلد وبقدر ما كان كذلك كان هذا الصراع واستطالته بمثابة السبب الجوهري للانحراف الحقيقي في مسار بشاعة الأعمال الإرهابية التي بلغ بها الحال إلى استهداف بيوت الله وحرمتها وحرمة الدم الطاهر والبرئ بما في ذلك الأطفال وكانت طلائع هذه البشاعة في استهداف حياة الرئيس السابق علي عبدالله صالح ورفاقه من أغلب رموز الدولة اليمنية وهم يؤدون الصلاة في مسجد دار الرئاسة بتاريخ 3/6/2011 م والتي أدانها العالم والمجتمع الدولي بقراره 2041م.. وفي تطور أخطر في هذا المسار هو استهداف جوامع مأهولة بأطفال وأبرياء لا علاقة لهم بالسياسة وصراعاتها ومصالح قواها كل ذنبهم أنهم في بيوت الله يؤدون صلاة الجمعة.. .فجامع بدر وجامع الحشوش وجامع الهادي بصعدة هذه هي أولى الجوامع التي طالتها أيادي الإرهاب الجبان لتودي بحياة مئات الأنفس بين قتيل وجريح من خيرة أبناء اليمن بكافة مشاربهم السياسية والفكرية غير أن انتماءاتهم المذهبية لم تكن واردة في ثقافة تعايشهم وواحدية إنسانيتهم وديانتهم.. غير أن الصراع السياسي الذي طال أمده منذ ربيع 2011م أنتج فلسفة جديدة لوسائل الاقتتال السياسي وتصفية الخصوم على طريقة “الغاية تبرر الوسيلة”.. وهو الأمر السيئ الذي فتح الباب على متوالية من الاستغلال الأسوأ لمسار الأعمال الإرهابية المنظمة والتي يعاني من تبعاتها الشعب اليمني منذ سنوات طوال حيث استغلت هذه التيارات المتطرفة والمتمثلة في تنظيم القاعدة ومن يغذي صناعتها من القوى الدولية الخارجية واستثمارها في البلدان الأكثر فقراٍ كاليمن.. وحين وصل الصراع السياسي اليمني مرحلة الاستمرارية والديمومة صار كفيلا بأن يكون أرضية خصبة لتنامي ثقافة التطرف والإرهاب ووصولها إلى هذا الحد وبل وجعل من الجوامع التي يجتمع فيها عباد الله المسلمون وجهة لهذا التطرف وفق منهجية تستهدف تحويل خيوط الإختلافات المذهبية إلى فتن كبرى تتكئ على قناعات الناس الإيمانية والعقائدية التي لم تكن يوماٍ محط خلاف لولا الصراع السياسي المقيت الذي اعتبره مثقفون وشباب ومحللون وحقوقيون الأرضية الاخصب لتنامي ثقافة العنف والتطرف والإرهاب..
توصيف موضوعي
معضلة الحالة اليمنية أنها ذهبت إلى خياراتُ جلْها صعبة ومعقدة فلم تبارح خيارين كلاهما صعب الأول الاستقواء بالسلاح والعنف لإخضاع الأطراف المماطلة على تنفيذ الاتفاقات المعترف بها من كل القوى أو خيار الاعتماد على القوى الخارجية وخارج سياقات المبادرة الخليجية المتفق عليها بين كل القوى كمرجعية معقولة للتسوية السياسية اليمنية المزمنة.. في الوقت الذي فتح فيها ساسة البلد الباب على متوالية من الصراع السياسي طويل المدى فتفاقمت أزمات البلد الاقتصادية والسياسية والمعيشية بل خلقت هذه الظروف بيئة مناسبة لمسار التطرف وزرع ثقافة العدائية والعنف بين أطياف المجتمع الذي لحقت به أضرار كارثية في الأنفس والممتلكات جراء الاعتداءات الإرهابية الشنيعة التي كان آخرها جامع بدر وجامع الحشوش بصنعاء ونتائجها الموجعة للمجتمع اليمني ككل..
هذا ما ألمح إليه المثقف والشاعر الكبير فيصل البريهي مؤكداٍ أن جميع اليمنيين بكافة شرائحهم النخبوية والجماهيرية تنظر إلى ما شهدته العاصمة صنعاء من أعمال عنف وجرائم إبادة جماعية في المساجد على أنها جرائم وحشية تتنافى مع كل أخلاق وقيم المجتمع اليمني والإنساني بأسره ومع كل الأديان السماوية والأرضية إلخ.. معتبراٍ استهداف الجوامع في اليمن امتداداٍ لما حصل ويحصل في العراق وسوريا تمهيداٍ لاحتلال مذهبي متحجر من قبِل دول إقليمية معروفة..
وقال البريهي مفنداٍ أثر الصراع السياسي على تنامي ثقافة العنف والإرهاب: حينما نتكلم عن صراعات سياسية نحن نغالط أنفسنا لأنه لا توجد قوى سياسية حْرة أو معتدلة بل هناك طرفان فقط الطرف الأول قوة استعباطية تحاول فرض أجندتها بقوة السلاح والاستسلام للأمر الواقع.. والطرف الآخر قوى سياسية مشلولة لا تستطيع أن تغيِر من الواقع شيئاٍ سوى الإستمرار في حوارُ شكلي لا يفضي إلا إلى المزيد من التصعيد الأمني والفوضى ولا يوجد ضامن أو قانون يردع المستعصي..
ودعا البريهي جميع الأطراف السياسية إلى الوقوف إلى جانب الشعب والاحتكام إليه والحفاظ على ما تبقى من الشرعية والعمل على تسريع انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة بعد الاستفتاء على الدستور الجديد من قبل الشعب والامتثال لما سينتج عن الانتخابات تحت رعاية عربية ودولية محايدة لتكون هي الضامن لكل الأطراف بموجب القوانين الدولية..
معادلات الصراع المتحضر
في كل بلدان العالم تقتضي معادلات الصراع السياسي خوض حلبة التنافس على تقديم الخدمة الأفضل للمجتمع وبالشكل الذي يعمل على ازدهار الحياة في كافة المجالات سياسية واقتصادية واجتماعية..لكن في اليمن ذهبت أمور الصراعات إلى مناحُ أخرى أرهقت الوطن بل واغتالت الوطن بأيادي من يفترض بهم أنهم أبناؤه ومن يعول عليهم بناؤه..
هذا ما لفت إليه الناشط الحقوقي ??????? ?.???? عبد الله ??????? مؤكداٍ أن التنافس على السلطة بتقديم الأفضل في دول العالم المتحضر هو الأصل الحقيقي والمحوري لمسار الصراعات.. ولذلك تجد الصراع السياسي يحسم بالانتخابات التي يحظى بها صاحب المشروع الأكثر خدمة للمجتمع.. أما شعوب العالم الثالث ومنها اليمن فإن الصراع بين المكونات السياسية يكون طويل الأمد ويختلف عن غيره.. وعادة ما يسبقه حوار.. وقد يكون اللجوء إلى القوة إحدى وسائل الحسم.. لأنه صراع على مكاسب وليس على خدمة المجتمع.. فالوطن والمواطن آخر ما يمكن أن تفكر فيه المكونات السياسية هذا إن فكرت …
وأكد المحامي الطاهري أن عدم الوصول إلى اتفاق له تأثير كبير على عدم استقرار الوضع سياسيا واقتصادياٍ واجتماعيا.. فهذه المجالات ذات ارتباط وثيق ومباشر بالصراع السياسي.. ذلك أن تحريك عجلة التنمية والتطور في أي مجال يتطلب حصوله بيئة خالية من الصراع. ناهيك عن أن الصراع بحد ذاته كفيل بانهيار الوضع سياسياٍ واقتصاديا واجتماعياٍ.. وبطبيعة الحال يكون لذلك أثر فعال في خدمة الإرهاب.. فمثلاٍ انعدام الأمن قد يكون من الأسباب الرئيسية في حصوله صراع المكونات السياسية.. أما تأثيره على الوضع الاقتصادي فيختزل في مقولة “رأس المال جبان” يبحث عن البيئة الآمنة .. وبعزوف رأس المال عن الاستثمار يظهر ارتفاع مؤشر البطالة والفقر ويكون لذلك أثره على السلم الاجتماعي حيث يسود الفراغ والخلاف وتكثر مشاكل التفكك الأسري ويسهل بالتالي الاستقطاب وزرع الأفكار المناهضة للدين الإسلامي باسم الإسلام .. وتزهق الأرواح التي حرم الله إزهاقها.. ويقتل الأبرياء باسم الدين الإسلامي دين السلام والتسامح والتعايش الذي لا يجيز إجبار أحد على اعتناقه ولم يجز قتل من يأبى الدخول تحت رايته.. وإذا كان كذلك فإن الأولى عدم جواز قتل من يخالفك الرأى من المسلمين..
وقال ??????? مفنداٍ تبعات المماطلة والتطويل في الحوار لكسب الوقت : حوار يطغى عليه تراخي وتجاهل المتحاورين لا يزيد الوضع إلا تعقيداٍ في شتى المجالات سياسية واقتصادية واجتماعية وبتعذر اتفاق المتحاورين نشهد مع مرور الوقت توسع دائرة الخلافات وبشكل ملحوظ في كل أرجاء البلاد.. مؤكداٍ أن الواقع يعكس حقيقة عدم إدراك المتحاورين مايعانيه الوطن من أزمات سياسة واقتصادية واجتماعية وثقافية.. ذلك الوطن الذي يكاد أن يرمى به من على تلك الهاوية التي وضع فيها من قبل أولئك المتحاورين الذين يجهلون كذلك معاناة المواطن والضيق الذي ألم به.. وفي الحقيقة ما حصل وما يحصل تحت مسمى الحوار تعدى حدود الصبر والحلول المؤملة عليه.. لهذا أجد من الضرورة بمكان المطالبة بمحاسبة ومعاقبة المتحاورين عن ما وصلت إليه البلاد وما تكبده الشعب..
تأصيل عقدي اجتماعي
وفي تأصيل عقدي اجتماعي لمسار الصراع السياسي وأثره على تعزيز نزعات العصبية والتطرف والإرهاب يرى الناقد والأستاذ الجامعي الدكتور قائد غيلان أن التطرف من أخطر المشاكل مؤكداٍ أن الإرهاب يرتبط بالتطرف ارتباط السبب بالنتيجة فالأول يعد الجانب التطبيقي للثاني حينما يجد الظروف المناسبة.. فقد تجد تطرفاٍ دينيا في بلد معين لكنه لا يتطور ليصل إلى مرحلة الإرهاب أو العنف الجسدي وذلك لأسباب كثيرة أهمها الحالة الاقتصادية الجيدة والاستقرار السياسي والاجتماعي..
مؤكداٍ أن ما يحدث في اليمن ليس سببه فقط الصراع السياسي الذي اتخذ خيار العنف فاليمن شهدت صراعات كثيرة منذ منتصف القرن الماضي لكن ذلك الصراع لم يتخذ هذه الأساليب (المستحدثة) هذه أساليب جلبتها المنظمات الإرهابية الجديدة مثل القاعدة وأخواتها (أنصار الشريعة) و(تنظيم الدولة الإسلامية) الذي ظهر حديثاٍ..
وقال الدكتور غيلان: إن مشاهد القتل بتلك الطرق البشعة والوحشية جديدة على المجتمعات العربية وليس على اليمن فقط.. إذ لم نكن نسمع عن الذبح إلا في كتب التاريخ وكنا نعتبر ذلك من باب التعبير المجازي عن القتل غير مصدقين أن الذبح مقصود لذاته كذبح حقيقي.. فيما يتعلق باستهداف المدنيين في الأسواق والمستشفيات والمساجد فإن ذلك لا يحتاج إلى تأكيد القول بأنه من الجرائم البشعة التي يجب أن تدان إنها جريمة كبيرة أينما وقعت فكونك تزهق حياة شخص بريء فتلك جريمة يهتز لها ضمير الإنسانية سواء حدثت في سوق أو مستشفى أو مسجد.. لا ينبغي أن نميز بين جرائم القتل على حسب المكان الذي حدثت فيه أو على حسب أهمية الشخص المستهدف جريمة القتل جريمة كبيرة دون النظر إلى المكان أو مكانة القتيل.. إن قتل جنود بعد أن ألقوا أسلحتهم واستسلموا تساوي قتل أشخاص وهم قائمون يصلون في المحراب .. وقتل ضابط كبير في الجيش أو الشرطة تساوي قتل جندي يؤدي واجبه..
واعتبر غيلان الصراع السياسي عاملاٍ هاماٍ يدفع الجماعات السياسية إلى تمجيد القتل في مكان وإدانته في مكان آخر تعلي من شأن قتيل وتحط من شأن آخر .. تبشع قتل هذا ولا تأبه لقتل ذاك وهذا يخلط المعايير إن استرخاص دم الآخر يولد لدى الطرف الآخر نفس الموقف فيصبح هناك استرخاص واسترخاص مضاد للنفس الإنسانية ويصبح القتل سلوكاٍ عادياٍ ضمن واجبات الجهة السياسية في الدفاع عن نفسها وهنا تكمن الخطورة ..
الشباب المستنير
في ظل هذا التداعي المخيف في مسار الصراع السياسي اليمني وما آلت إليه الحالة اليمنية يظل الشباب المستنير أهم السياجات القوية لحماية المجتمع من العنف والتطرف والإرهاب لذلك ينظر الشباب إلى ما حدث من تحول خطير في نشاط الإرهاب في اليمن تمثل باستهداف جامع بدر والحشوش والهادي بأنه جريمة إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة من معاني ودلالات الإرهاب والإجرام..
هذا ما لفت إليه الشاب إبراهيم عبدالله دحان الذيب- ناشط سياسي واجتماعي- داعياٍ كل من يشكك في ذلك أو يذهب إلى ذرائع سياسية واهية من شأنها تبرير هذه الأعمال الإجرامية إلى أن يتجرد من حزبيته وطائفته وانتمائه ومكونه وأن يقرأ نتائج هذا العمل الكارثية في وجه المجتمع والأسر التي فقدت ذويها وأهلها في بيت من بيوت الله.. وإن لم يكن مْسلماٍ أصلاٍ عليه أن يجعل فطرته الإنسانية تحكْم على تلك الأعمال الإجرامية التي لا يقبلها دين ولا عقل.
وأضاف الذيب مفنداٍ أثر استدامة الصراع السياسي في نمو ثقافة العنف والتطرف والإرهاب: أعتقد أنه من الخطأ حتى لفظياٍ ربط مصطلح “الثقافة” بـ”الإرهاب” لما تحمله الأولى من معانُ مشرقة جميلة مْرغبة تبعث فينا السكون والراحة بعكس ما تعنيه الأخرى من ظلام حالك وفكر معقد تبعث في النفس البشرية وفطرتها السليمة الاشمئزاز والنفور.. مؤكداٍ أن استهداف الجوامع في مجتمع معروف عنه التعايش المذهبي وقلة الاختلافات يعني حدوث تحول خطير جداٍ وظاهرة مفاجأة للمجتمع اليمني قد نرى تأثيرها بشكل لحظي آني في مدة زمنية قصيرة جداٍ وسنرى من خلالها ذوبان ما تبقى من مفاهيم التعايش المذهبي وسيكون لها صدى واسع في زيادة العصبيات المذهبية الطائفية والتي للأسف ستلقى دعماٍ كبيراٍ من المتربصين بالبلاد وبأبناء الوطن الواحد وترحيباٍ كبيراٍ من الداعمين الرسميين للإرهاب والتي قد توصلنا إلى مرحلة “اللاعودة” .
وقال أيضاٍ: من المؤسف أن الصراعات السياسية واستطالة الحوارات والمناورات صارت دافعاٍ وأساساٍ ترتكز عليه فئات أحزاب وطوائف وخاصةٍ في الفئة العمرية الشابة في ظل التعبئة الخاطئة والقصور في فهم مصطلحات عملاقة كالديمقراطية التعايش تقبل الرأي الآخر وعدم العنصرية والتي قد لا نجد لها تطبيق بمعناها الحقيقي بل وعجزاٍ في التنفيذ بحذافيرها في دول كبرى مهما وصلت تلك الدول من تقدم وتحضر وتكنولوجيا .. ذلك بالنسبة للأطراف المؤثرة على المجتمع والتي قد يكون لها دور في المشاركة باتخاذ قرارُ ما يخص شأناٍ من شؤون البلاد تحت مظلة أي حزب أو فئة أو حتى طائفة .. أما في ما يخص الفئة المْتأثرة من المجتمع أو الجزء (المْتأثر الصامت) والتي ليس لها تأثير مباشر في اتخاذ أو إسهام في صنع قرار ولا تنتمي ولا تتبع أياٍ من المكونات السياسية والذي يشكل نسبة لا بأس بها من شرائح المجتمع اليمني فقد توصله تلك الصراعات بتأثيرها إلى حد “التبلد” فقط! وهي المرحلة التي باعتقادي أنها تسبق مرحلة “التقبل” لما يجري من فوضى عارمة وإرهاب وتطرف قد يطاول الجميع بما يتنافى وما هو فطري وبديهي بطبيعة الإنسان وأجزم هنا أن المجتمع اليمني لن يصل الى تلك المرحلة الأخيرة.
ودعا الذيب جميع القوى السياسية والدينية التي تدعي مخافة الله – في زمنُ أثبت أن كْلاٍ منها يخاف الله بمعتقده وهواه – إلى أن يتجردوا من حزبيتهم ومذاهبهم وطوائفهم وأن يسقطوا جميع الشعارات التي من شأنها التمييز والعنصرية والمذهبية الطائفية وأن يعودوا إلى “يمانيتهم” ويجعلوا الوطن والمواطن نصب أعينهم بتقديم التنازلات ولو على أقل تقدير بـ “تقبلهم” وإنصاتهم لبعضهم البعض وحقن دماء بعضهم وأن يْخرسوا أفواه الخارج بحلول “يمنية – يمنية”.. وإلا فليفسحوا المجال لمن فيه ولو ذرة إنسانية من هذا الشعب وليرحلوا غيرِ مأسوفُ عليهم بجميع معتقداتهم ودياناتهم ولينتبذوا من “الغاب” مكاناٍ وعالماٍ وشريعةٍ لهم (مع احترامي لعالم وشريعة الغاب)…

قد يعجبك ايضا