فيدرالية المحافظات والخيارات الأخرى

تتعدد الأسباب والعوامل التي تدفع بالدول إلى إنشاء تكتلات كبيرة مثل الدولة الاتحادية غير أن الدافع الرئيس والمحرك الأساس للدول الداخلة في الاتحاد والتي تتنازل برضاها واختيارها عن سيادتها الخارجية وبعض من سيادتها الداخلية هو الرغبة في أن تكون معا دولة واحدة.
 وفي الاتجاه المقابل أي في حالة الدولة الموحدة (البسيطة) حين تتحول إلى دولة اتحادية كما حصل في دول كثيرة آخرها بلجيكا وكما يجري حاليا في اليمن تتمثل في رغبة الأطراف الفاعلة في هذه الدولة البقاء في ظل دولة واحدة.
 فإلى أي مدى تعتبر أطروحة الدولة الاتحادية في اليمن حلا لمشكلات اليمنيين وأزماتهم في السلطة والإدارة والتنمية¿
 أولا: لماذا الدولة الاتحادية¿
لأن المشكلة التي تعاني منها اليمن مثلها مثل غيرها من الدولة العربية ودول العالم الثالث حسب التصنيف للدول تتمثل في تركيز السلطة وبالتالي لابد من إيجاد حل لهذه المشكلة هذا الحل يبدأ بالاتفاق على إعادة توزيع السلطة هذا التوزيع يمر من خلال الاتفاق على قواعد اللعبة السياسية عموديا وأفقيا من خلال شكل الدولة وشكل النظام السياسي والنظام الانتخابي.
والتوزيع الأفقي يمر من خلال الاتفاق على شكل النظام السياسي والتوزيع العمودي للسلطة يعني شكل الدولة وهذا الشكل لا يمكن أن يكون إلا من خلال الدولة الاتحادية. لأن الاتفاق على الشكل الاتحادي للدولة يعني توزيع الصلاحيات والاختصاصات ابتداءٍ بين السلطة الاتحادية والسلطات في الولايات.
وفي كل الأحوال فإن مواضيع مثل الجيش والتمثيل الدبلوماسي والأمن وإعلان الحرب والسلام والسياسة الخارجية وإبرام المعاهدات وسك العملة وموارد الدولة الطبيعية في باطن الأرض وعلى ظهرها وفي البحر وفي باطن أرضه والموانئ برية وجوية وبحرية…إلخ هي من اختصاص السلطة الاتحادية التي من توافر بعض الأسس لقيامها.
ثانيا: نشأة الدولة الاتحادية.
تنشأ الدولة الاتحادية وفقا لوثيقة داخلية هي الدستور سواء نشأت هذه الدولة عن طريق انضمام دول مستقلة إلى بعضها البعض أو عن طريق تحول دولة موحدة إلى دولة اتحادية وفي كلتا الحالتين فإن الدولة الاتحادية تعمل على تحقيق تضامن ووحدة شعب هذه الدولة حيث تكون رغبة شعوب الدول المستقلة في الحالة الأولى المنضمة إلى دولة الاتحاد هي في قيام دولة واحدة ورغبة شعب الدولة البسيطة في الحالة الثانية تكون البقاء في دولة واحدة وأن الدولة الاتحادية هي الوسيلة للبقاء موحدين وذلك لعجز سلطات الدولة الموحدة اللامركزية عن القيام  بمهامها نتيجة للخلاف المستمر والدائم بين المناطق ليس لعوامل لغوية أو عرقية أو مذهبية وإنما قد يكون لعوامل جهوية أومناطقية بسبب فساد السلطة واستبدادها واستئثارها بالسلطة والثروة ووو إلخ. وفي هذا الشكل الاتحادي للدولة لا تملك الدول الداخلة في الاتحاد أو الولايات الناشئة من عملية التحول إلى الدولة الاتحادية الحق في الانفصال.
 ثالثا: الأسس التي تقوم عليها الدولة الاتحادية.
 وتقوم على أساس مبدأين هما: مبدأ الاستقلال ومبدأ المشاركة.
 – مبدأ الاستقلال يعني حق كل دولة داخلة في الاتحاد أو (ولاية أو محافظة) من وضع دستورها وقوانينها وانتخاب هيئاتها ومؤسساتها بما لا يتعارض مع الدستور الاتحادي وهذا يقلل من حدة التنافس والصراع على المؤسسات الاتحادية في المركز حيث إن فرص عمل مرموقة تكون متوفرة في الولايات.
 – ومن حيث المشاركة فيعني مشاركة كل ولاية أو (محافظة) في تشكيل كافة مؤسسات الدولة الاتحادية وتسيير أعمالها مثل: الدستور الاتحادي السلطة التشريعية الاتحادية السلطة التنفيذية الاتحادية.
 وللمتخوفين من كلمة الاتحادية أو الفيدرالية حيث تعني للبعض منهم أنها الطريق إلى الانفصال أو يحلو له إثارة مثل هذه المخاوف وهذا قول مناف للحقيقة فمظاهر الوحدة في الدولة الاتحادية بارزة للعيان على المستويين الداخلي والخارجي:
 ولكن ما هي مظاهر الوحدة في الدولة الاتحادية¿. تتجلى هذه المظاهر في مستويين المستوى الدولي والمستوى المحلي.
 1- على المستوى الدولي
 على هذا المستوى تتمثل مظاهر الوحدة في الدولة الاتحادية في:
 * وحدة الشخصية الدولية للاتحاد.
 * وحدة الجنسية لمواطني دولة الاتحاد.
 * وحدة إقليم دولة الاتحاد.
 2- وعلى المستوى المحلي تتمثل مظاهر الوحدة في:
 * الدستور الاتحادي.
 * السلطة التشريعية الاتحادية.
 * السلطة التنفيذية الاتحادية.
 * السلطة القضائية الاتحادية.
 إضافة إلى مؤسسات الدولة الأخرى مثل الجيش الواحد والأمن الواحد والمصرف المركزي الواحد والعملة الواحدة والعلم والنشيد…إلخ
في هذا الشكل من الدول يتم توزيع السلطة عموديا بين السلطة الاتحادية وسلطات الولايات(المحافظات) وهذا يساعد على منع تركيز السلطة في يد شخص أو هيئة ذلك أن الولايات تتمتع بنفس المؤسسات التي تتواجد في عاصمة الدولة الاتحادية وتمثل في نفس الوقت مظاهر الاستقلال للولايات ( المحافظات) .
 رابعا: مبررات الأخذ بالشكل الاتحادي للدولة.
الأصل في أن ما نطرحه يتوخى العدل والمساواة وكرامة الإنسان وسعادته من خلال إيجاد التوازن والفصل بين السلطات وبدون الأخذ بعين الاعتبار تلك المبادئ في شكل الدولة وفي شكل النظام السياسي وشكل النظام الانتخابي فإننا سنعود إلى المربع الأول وستتكرر أخطاء الماضي.
نعلم جميعا أن نشوء القضية الجنوبية سببه ما تعرض له أبناء المناطق الجنوبية من ظلم بسبب سوء الإدارة والتعسف في استعمال السلطة وكذلك قضية صعدة وبقية القضايا الوطنية الأخرى في تهامة وفي المناطق الوسطى إلخ وكان من نتائج كل ذلك ثورة شبابية شعبية عارمة فكيف لو أننا قمنا بتقنين الغبن والظلم وعدم المساواة من خلال نصوص  دستورية وقانونية¿.
 وتوجد العديد من المبررات للأخذ بالشكل الاتحادي للدولة منها:
 • أول هذه المبررات أن خيار الشكل الاتحادي هو للحفاظ على الوحدة في مواجهة المطالب الانفصالية وفك الارتباط.
 • وثانيها أن الشكل الفيدرالي يجمع بين مزايا الوحدة والاتحاد كما سبق من حيث قوة الدولة والتكامل بين أعضائها والحفاظ على نسيج الشعب وترابطه حيث تكون المساواة والعدالة وحسن الإدارة هي صور هذه الدولة.
 • وثالثها أن الشكل الاتحادي للدولة سينهي وإلى الأبد ثنائية الشمال والجنوب القائمة على التعارض والتناقض وتحل محلهما الأقاليم أو الولايات التي ستقوم على المنافسة في الإنجاز والتنمية بعيدا عن المناكفات والمماحكات. 
 • أن هذا الشكل يعمل على إعادة توزيع الاختصاصات بين السلطة المركزية والسلطات المحلية وتوزيع المسؤولية بينها وتوزيع وتسهيل وتفعيل دور الرقابة الشعبية. لأن الحاكم المركزي مهما كانت كفاءته ونزاهته وقدراته فإنه لن يكون قادراٍ على التوفيق بين كل الاختصاصات.
 • أن نظام اللامركزية الإدارية حتى وإن كانت في حدها الأقصى في الدولة البسيطة غير قادر على تقديم الحلول لمعالجة تطلعات اليمنيين في المشاركة السياسية على عكس الدولة الاتحادية التي تقدم حلاٍ عادلاٍ ومنصفاٍ للمشاركة السياسية من خلال ما يْعرف بالديمقراطية الإقليمية والمحلية وسيخفف ذلك من الضغط على المركز ويسهم في إعادة توزيع الخدمات.
 • أن العديد من الدول تحولت من الشكل البسيط للدولة إلى الشكل الاتحادي لمواجهة قضايا المشاركة السياسية والتنمية والاستقرار مثل روسيا والبرازيل والأرجنتين والمكسيك وبلجيكا.
 • أن قيام دولة اتحادية في اليمن على أساس فيدرالية المحافظات (22 ولاية) يمنع قيام دكتاتورية الأقاليم كما يمنع أيضا من استقواء الأقاليم في مواجهة السلطة الاتحادية. مع ملاحظة أن خيار المحافظات قد يكون مؤقتاٍ إلى حين يشتد عود الدولة ومن ثم تقديم تصورات عملية وعلمية لكيفية إقامة عدد من الأقاليم الكبيرة.
 – ولكن بقيت الإشارة إلى عدد الأقاليم
 ( الولايات) التي يفضل أن تتكون منها هذه الدولة هل كما يطرح البعض الإقليمين أم الستة أم كما هي الآن من 22 إقليماٍ ¿ وما هي مبررات كل خيار¿.
 ثالثا: الأقاليم التي تتكون منها الدولة الاتحادية ومبررات ذلك:
 بداية لا أميل إلى أي من الطروحات أو الخيارات المتعلقة بالإقليمين أو الستة أو ما بينهما وذلك للأسباب التالية:
 • أن طرح الإقليمين كأساس للدولة الاتحادية من قبل البعض يبرر كونه الأقرب إلى الواقع وهو الأسهل مقارنة بالخمسة أقاليم أو الستة التي ستحدث الكثير من المشاكل والصراعات وستكون هناك الكثير من الصعوبات في تقديم رؤى علمية جادة وستحتاج إلى الكثير من الوقت من أجل الاتفاق أولا على تحديد معالم الأقاليم وكيف سيتم تشكيلها وما هي المحافظات التي سيتكون منها الإقليم¿ ثم سنحتاج إلى وقت للاتفاق على عواصم هذه الأقاليم ولهذا طرح مقترح الإقليمين.
 • بالإضافة إلى ما يطرحه هذا الفريق من المخاطر السياسية على وحدة الجنوب حيث إن هذا التقسيم يعيد إلى الأذهان ما كان عليه الجنوب قبل الاستقلال.
 • وهذا التبرير الذي ساقه أصحابه لدولة اتحادية من إقليمين يصدق على دولة اتحادية من 22 إقليماٍ أكثر منه على الإقليمين لأن الأمر في حالة الـ 22 إقليماٍ لا يحتاج لأكثر من اعتماد اللامركزية السياسية أو الحكم المحلي بدلا عن اللامركزية الإدارية في الدستور الجديد. هذا على المستوى الدستوري والسياسي وعلى المستوى المالي والإداري فسيكون الأمر أكثر يسرا وسهولة فالاعتمادات موجودة والأجهزة الإدارية جاهزة وستتحول مؤسسات وهيئات السلطة الحالية من مجالس محلية ومكاتب تنفيذية ومحاكم استئناف في المحافظات إلى أجهزة للولايات الجديدة هذا من جهة.
 • ومن الجهة الثانية هناك مخاوف من الإقليمين في كونهما يعنيان العودة إلى ما قبل 22 مايو 1990م يعني الشطرين أي الشمال والجنوب وهذا لا يقدم حلا للقضية الوطنية وفي مقدمتها القضية الجنوبية بل قد يكون مقدمة للانفصال ويرى البعض وهذا هو الأخطر أنه قد يكون مقدمة للاقتتال ليس على مستوى الإقليمين وإنما على مستوى كل إقليم وبالتالي التشظي ناهيك عن أن هناك رفضاٍ على مستوى الإقليم الجنوبي في قيام دولة اتحادية بإقليمين وفي أحسن الأحوال فإن الاتحاد من إقليمين قد يعيدنا إلى دكتاتورية الأقاليم بدلا من ديكتاتورية المركز. لذلك يرى البعض أن خيار دولتين اتحاديتين متفق عليهما في مؤتمر الحوار الوطني سيكون أفضل لكل اليمنيين من خيار الإقليمين ذلك أننا سنكون شعبا واحدا بدولتين أما في حالة الإقليمين فسنكون دولة واحدة بشعبين لن ننعم بالاستقرار وستوظف أغلب موارد الدولة للحفاظ على الاتحاد وهذا سيصرف الدولة الجديدة بعيدا عن وظيفتها الأساسية في تحقيق سعادة المواطنين وتنمية المجتمع واستقراره ورخائه.
 وفوق ذلك يضيف البعض أن طرح خيار الإقليمين يغلب عليه الطابع الأناني والشخصي على الطابع الوطني الموضوعي.
 • أما التقسيم على أساس الأقاليم المتعددة أي الستة أقاليم فهو الآخر لا يقوم على أساس علمي وإنما هو تقسيم تحكمي اعتباطي وأناني مصيره الفشل. ذلك أن ضمان نجاح الأقاليم الفيدرالية يتطلب في الحد الأدنى شروطا لا بد من توافرها مثل رابطة الهوية والانتماء التي تشكلت في الفترات الزمنية السابقة على الاتحاد وهذه موجودة في المحافظات الحالية التي قد تجذرت بين أبنائها وأصبحوا يشعرون بوحدة الانتماء إلى محافظتهم برغم وجود الاختلافات السياسية التي بينهم وهذا أمر ملموس بالنسبة لنا كيمنيين وهو شرط لنجاح الفيدرالية كما أن أمثلة مثل ذلك موجودة في كل الدول الاتحادية.
أستاذ النظم السياسية المساعد-

قد يعجبك ايضا