دور حاضر واهتمام حكومي غائب

حين عكف الدكتور يحيى بن يحيى المتوكل رئيس المرصد الاقتصادي للدراسات والاستشارات وزملاؤه على إعداد دراسة لمنظمة الأمم المتحدة لغرب آسيا “الاسكوا” بعنوان اليمن :توجيه تحويلات المغتربين والعاملين اليمنيين في الخارج نحو التنمية كانت المفاجأة أنهم اكتشفوا مسألتين في غاية الأهمية أولهما أن دور المغتربين والعاملين اليمنيين في الخارج له دور محوري على مستوى كل قرية وناحية في اليمن وهذا اعتراف بفضلهم ودورهم في الاقتصاد الوطني دون شك أما المسألة الثانية فتتمثل في أن ذلك الاستيعاب بأهميتهم لم يتبلور حتى اليوم في رؤية واضحة للعلاقة بين الدولة والمغتربين وترجمتها في استراتيجية أو سياسة وطنية محددة لينتج في الأخير تخبطاٍ وعشوائية من قبل الدولة في التعامل مع هؤلاء المغتربين وهم من يرفدون اليمن بمبلغ من تحويلات نقدية وعينية تصل في العام إلى أكثر من 3 مليارات دولار حسب أرقام 2013م.

تحقيق/ أحمد الطيار

حفلت الدراسات والمسوحات الاقتصادية بالعديد من الدلائل القوية التي تمجد دور تحويلات المغتربين في الاقتصاد اليمني ولعل دراسة البنك الدولي هي الأهم حيث تقول إن تحويلات المغتربين اليمنيين تسهم في تغطية الاحتياجات المعيشية لأسرهم وكذلك متطلبات الرعاية الصحية والتعليم وتمتد لاقتناء السلع المعمرة والكماليات وتحسن وضع المسكن .
في 2008م كشفت الدراسة أن تحويلات المغتربين ساهمت بصورة عامة في زيادة الاستهلاك الكلي بحوالي 3.9% واجمالي استهلاك المستفيدين من التحويلات بحوالي 27.7% وبالتالي تخفيض الفقر في اليمن بحوالي 2.7%.
حيلولة
لتحويلات المغتربين اليمنيين دور مهم أيضا يتجلى في قيامها بالمساهمة مع التحويلات  الخاصة في الداخل بالحيلولة دون ارتفاع الفقر بحوالي 4.6% إذ تمثل تلك التحويلات مصدرا مهما لدخل الفقراء وغير الفقراء في الريف والحضر على حد سواء ويحصل على ما يزيد عن ربع الفقراء على تحويلات من الخارج  يتوزعون على 22% من فقراء المناطق الحضرية و29% من فقراء الريف ويلاحظ تزايد المستفيدين من التحويلات الخارجية  من سكان الحضر والريف .
تكاليف الزواج
توجه تحويلات المغتربين في جزء منها لتغطية مصاريف الزواج أو سداد أي ديون سابقة تراكمت على المغترب أو العامل أو من أسرته  بما في ذلك سداد تكاليف السفر للعمل في الخارج كما يسعى البعض لاحتجاز جزء من التحويلات وادخارها نقدا أو في صورة مصوغات ذهبية أو استثمارها في شراء قطعة أرض أو الاتجاه لبناء مسكن جديد أو بدء أنشطة ذاتية مدرة للدخل .
الاستثمار العقاري
يجذب الاستثمار العقاري المغتربين والعاملين اليمنيين في الخارج نظرا لعدم وجود مشروعات مخصصة لاستثمارات المغتربين وهذا بحد ذاته نقطة ضعف في الإجراءات التي لم تتخذها الدولة , وتقول دراسات أقامتها وزارة المغتربين إن الاستثمار العقاري يعتبر الأكثر تفضيلا لذوي الدخل المتوسط والمرتفع والذين يشكلون 5-8% من اليمنيين في الخارج  حيث يلاحظ أن اغلب المباني الحديثة في المدن الرئيسية المؤجرة للسكن أو للنشاط التجاري تعود ملكيتها لتلك الفئة. وقد اعد فريق فني من وزارة شؤون المغتربين حصرا بالمشروعات الاستثمارية للمغتربين في المجال العقاري ووجد انه بلغت حوالي 5 مليارات دولار ووفرت 52 ألف فرصة عمل وفي عدن هناك 60% من اجمالي الاستثمارات في المحافظة لمغتربين ولهم 37% من مشروعات المنطقة الحرة.  
دعم ميزان المدفوعات
ساهمت تحويلات المغتربين والعاملين اليمنيين في الخارج في دعم ميزان المدفوعات بل وأدت في تبعض السنوات إلى تحويل عجز الميزان إلى فائض وساعد فائض ميزان التحويلات الجارية الذي تجاوز مليار و548 مليون دولار سنويا في المتوسط خلال الفترة من 2000-2010م  من خلال تحويلات المعتربين والعاملين اليمنيين في دعم الحساب الجاري وبالتالي الميزان الكلي للمددفوعات .
ويقول الدكتور المتوكل  :إن أهمية هذه المساهمة تبرز في تعزيز تلك التحويلات مستقبلا في ظل توقع استمرار عجز كل من ميزاني الخدمات والدخل وكذلك استمرار تذبذب المساعدات الخارجية السحب من القروض الخاريجة بالإضافة لتوقع انخفاض صافي استثمار شركات النفط الأجنبية  وباعتبار أن السنوات القادمة ستشهد استعادة الشركات الأجنبية تكاليف الإنتاج والاستثمار لمشروع الغاز الطبيعي المسال وتحويلها إلى الخارج.
قيمة
تقول الدراسة أن التحويلات المالية الخارجية بلغت إلى الصاردات في المتوسط 25.4% خلال الفترة 2000-2012م وترتفع تلك النسبة كثيرا في حال استبعاد الصادرات النفطية التي تشكل حوالي 90% من إجمالي صادرات اليمن  مما يعكس أهمية التحويلات كمصدر رئيسي لتوفير العملة الأجنبية .
نمو
نمت التحويلات بنسبة 12.7% في المتوسط مقابل  8% للصادرات وهو ما يعزز مرة أخرى أهمية التحويلات في الاقتصاد اليمني ومساهمته الرئيسية في توفير النقد الأجنبي بما قد يوازي إيرادات الصادرات النفطية أما بالنسبة لاحتياطيات النقد الأجنبي  فقد تزايدت خلال تلك الفترة وبلغت أعلى مستوى عند 8 مليار و157 مليون دولار عام 2008م جراء ارتفاع أسعار النفط العالمية والتأثير الإيجابي لذلك على إيرادات الصادرات النفطية وابتداء من العام 2009م أخذت تلك الصادرات في التراجع وأيضا نتيجة الأسعار العالمية للنفط حيث قدرت في 2011م بحوالي 4 مليارات و531 مليون دولار غير ان الاحتياطيات عاودت الارتفاع في 2012م نتيجة زيادة في حجم التحويلات المالية لذلك العام .
تمويل الواردات
تقول الدراسة إن تحويلات المغتربين تمول الواردات بنسبة كبيرة حيث بلغ متوسط التحويلات إلى الوردات حوالي 28% خلال الفترة 2000-2012م وقد تحقق اقل معدل نمو للواردات في العام 2009م بـ 15.9 % بالسالب وهو أيضا نفس العام الذي عانت فيه التحويلات من اكبر  تراجع بنسبة 18.4% سالبا وتظهر ذات العلاقة خلال العامين 2001و2011م وان بمعدلات نمو موجبة  مقارنة بالعام 2009م وهذا ما يؤكد أهمية التحويلات  في تمويل الواردات.
سياسات الهجرة والاغتراب
رغم أن الحكومة أولت المغتربين والهجرة أهمية في سياستها عبر فتح وزارة لهذا الشأن فإن الوضع بصفة عامة يبدو متخبطا وقد انعكس الوضع في التخبط الواضح في إنشاء المؤسسات المعنية بشؤون المغتربين وكذلك في غياب الاستراتيجية  التي تستفيد من الخبرات العملية للمغتربين والعاملين اليمنيين في الخارج والموارد المالية التي يقومون بتحويلها  من ناحية أخرىوالسياسات التي توفر لهم الرعاية سواء في بلد الاغتراب أو في بلدهم الأهم بما يبقى العلاقة والرابط القوي من ناحية أخرى. 
الانفراج
رغم الانفراج في علاقة اليمن بالخليج منذ العام 2000 بعد توقيع اتفاقية الحدود والبدء في دراسات ما سمي الاندماج في اقتصاديات دول مجلس التعاون والبحث عن فرص للعمالة اليمنية هناك واعتبار هذه الأولوية الثانية التي تبنتها الحكومة اليمنية عام 2010م فإنها لم تلق تنفيذا واضحا ولانتائج عملية حتى الآن واقتصر الأمر على أعداد دراسة حول الاستيعاب في أسواق دول المجلس بل أن دراسات تؤكد أن موقف الحكومة اليمنية بقى متخاذلا وأقل مما ينبغي تجاه ترحيل الجارة عشرات الآلاف من العمالة اليمنية اثر بعض التعديلات القانونية بشأن العمالة الوافدة خلال عامي 2013 و2014م

قد يعجبك ايضا