بيئة خصبة لتداول الشائعات وتوسيع مدار المناكفات السياسية!

¶ العودي: إساءة استخدام هذه التقنية بشكل كبير عمق الأزمات وأوجد الصراعات

¶ الضرعي: الشباب أكثر الفئات المستخدمة لوسائل التواصل الاجتماعي لذا فهم أكثر المتأثرين بسلبياتها
حينما اخترعت  الوسائط الاجتماعية ” فيسبوك تويتر واتس آب ” كان الهدف منها ربط العالم والمجتمعات بشبكات تعزز من  القيم الإنسانية الرفيعة وفي مقدمتها تعزيز السلم الاجتماعي والتواصل الايجابي بين كافة فئات المجتمع وأطيافه  ولكن ما يحدث في الوقت الحالي عكس ذلك تماما فقد انحرفت  تلك الوسائط عن مسارها  وأصبحت تمثل بيئة خصبة للشائعات ورسائل الحرب الكلامية ما زاد الطين بلة أن القوى السياسية والفكرية  المتصارعة  في الساحة الوطنية وأطراف أخرى خفية وظفت هذه الوسائط   لتحقيق أهدافها الشخصية  مما قد يؤدي إلا نتائج سلبية في الغالب   … التحقيق التالي يوضح حجم تأثير تلك الوسائط على مجتمعنا اليمني وانعكاس هذا التأثر على الأزمة اليمنية وذلك بمعية  أكاديميين وإعلاميين وباحثين في علم النفس والاجتماع  .. إلى التفاصيل:
قبل سنين قليلة كان الناس يعتمدون في اختلافاتهم السياسية على نشرات الأخبار التي توردها وسائل الإعلام وفي مقدمتها وسائل الإعلام الحزبية وبهذا كان تأثر الناس بمحتوى الحرب الإعلامية هذه محدود جدا نظرا لمحدودية الأفكار الواردة فيها أما الآن فقد تغير الوضع تماما وصار اختلاف الناس وتعصبهم لاتجاهاتهم الحزبية والدينية والفكرية أكثر تشددا وتعصبا بعد أن ظهرت الوسائط الاجتماعية  “شبكة الفيسبوك وشبكة التويتر وتطبيق الواتس آب” وتوسع مستخدميها بشكل سريع حيث ارتفع العدد  من مئات الآلاف إلى الملايين خلال سنوات قليلة وحسب  الاحصائيات الحديثة الرسمية الصادرة عن شركة يمن أيكون يبلغ مستخدمي الانترنت في اليمن حوالي ثلاثة ملايين مستخدم ويصل عدد مستخدمي الفيسبوك حتى نهاية العام 2014م إلى مليون 740 ألف مستخدم ويستحوذ الشباب وتحديدا الفئة العمرية من 18 إلى 34عاماٍ على ما نسبته 74% من مجموع المستخدمين منهم 77% من الجامعيين .
المشاريع الهدامة
الدكتور حمود العودي أستاذ علم الاجتماع  تحدث بإسهاب عن واقع استخدام خدمة الوسائط “الشبكات الاجتماعية ” وأثرها على مستخدميها في اليمن سلبا وإيجابا ومدى انعكاس ذلك على الأزمة اليمنية فقال ” بداية  ومن منظور اجتماعي بالدرجة الأولى تعتبر خدمة الوسائط  قفزة هائلة في رحلة التطور الانساني ولايمكن إغفال اهميتها في مسار التواصل الانساني بين المجتمعات المختلفة  بعد أن حولت العالم كاملا  إلى قرية صغيرة وبالتالي فهي ظاهرة تقدمية ولكن بالتأكيد أن لكل علم سلبيات وايجابياته  ليس العلم بحد ذاته ولكن طرق فهم الانسان واستخدامه لأي علم هي التي تجعل منه سكينا تقطع إما رأس الأفعى أو رأس الحمامة  وبالأحرى هي التي تعمل على توسع دائرة الاستخدام الايجابي أو السلبي لأي علم والمشكلة أننا في الوطن العربي واليمني على وجه الخصوص لم نرتق بقدراتنا العقلية والذهنية والاجتماعية إلى الحد الذي نوظف فيه هذه الخدمة بشكل إيجابي كقاعدة عامة على الأقل وتجنب الاستثناء الذي لا بد منه “السلبي” وهو دائما ما يكون بصورة بسطة لكن العكس عندنا هو الصحيح أي أن القاعدة العامة لاستخدام هذه الوسائل يتمحور بالغالب حول الجانب السلبي والحقيقة أننا مصدومون بهذه التقنية التي لم نستطع بعد التكيف معها وهذه الصدمة الكبيرة دائما ما تحدث ارتباك في توازن تقافة المجتمع وبالتالي فإن نتيجة تأثير هذه الوسائل على أوضاعنا الاجتماعية والسياسية والثقافية هو ما نشاهده اليوم من إفراز لواقع سلبي خطير إذ نلاحظ  حالة من الانفلات الرهيب في توازن الأفكار من الفعل الاجتماعي المدمر وحالة اصطراع وتوسع  للكثير من المشاريع الهدامة كالطائفية والمذهبية وحتى الخرافات وبالتالي فنحن نحتاج إلى مساحة زمنية قد تطول للاسف الشديد لأننا لم ندرك كسياسة ولا كمجتمع كيف نختصر هذه المسافة لذا  واقعنا اليوم هو إفراز للواقع السلبي لهذه الوسائط.
أفكار هدامة
وأضاف العودي قائلاٍ: إن مثل هذه الوسائط  تشوه الدين وتشوه العقل والواقع وتخلق الصراعات بين أفراد المجتمع بما تسوقه من أخبار وأفكار هدامة ومما زاد من حدة هجمة هذه القوى أن المتغيرات الحالية باتت لا تخدم هذه القوى لذا فهي تستميت في سبيل استخدام هذه الوسائط حتى تعزز من إمكانية استمرارها لكن وبكل تأكيد ومن وجهة نظر علمية اجتماعية فإن هذا الواقع سيذهب وستنتهي كل هذه المشاكل مع الوقت لأن الزمن يمشي إلى الأمام وسيكشف الحقائق والوقائع على وجهها الصحيح لكنها ستدفعنا الثمن غاليا” .
أما الدكتور عبدالملك الضرعي جامعة صنعاء فإنه يرى أن الشرائح الاجتماعية في اليمن تتأثر إلى حد كبير بالوسائط الاجتماية (فيسبوك تويتر واتساب) وبالتالي تتأثر الأزمة اليمنية بنتائج تلك التأثيرات وقال: إن هذا التأثير  قد تركز بدرجة أساسية في التيارات  الشباب المدنية الثائرة الدكتور الضرعي كان قد أشار في مجمل حديثه عن الموضوع إلى أن هناك  تخبطاٍ في طرق استفادة القوى السياسية أو بالأحرى القوى الفاعلة في المشهد السياسي في اليمن وخاصة القبائل  من هذه الخدمة وقال: إن العشوائية وحدها هي من تسير عملية استخدام تلك الوسائل أو الوسائط التي تربط المكونات المجتمعية ببعضها وقال: إن الإشكالية لدينا تكمن في محدودية استخدام خدمة الوسائط الاجتماعية لدى الفاعلين في المشهد السياسي وخاصة القبائل ويرى الدكتور أن جزءاٍ كبيراٍ من حل المشكلة يقع على عاتق الوسائل الاعلامية المرئية والمقروءة والمسموعة للحد من سلبيات الوسائط الاجتماعية على المجتمع وخاصة الشباب .
حرب إعلامية
الصحفي أكرم عبدالحكيم تحدث عن الوسائط الاجتماعية على أنها امتداد للسياسات الإعلامية في مختلف الوسائل الإعلامية  بالبلد الحكومية منها والأهلية وقال: إن ” الفيسبوك والواتس آب والتويتر”  تلعب دور الوسيط المتطور والسريع بين الوسائل الإعلامية وبين المجتمع وبالتالي سيكون تأثيرها على  الشباب بالغا سواء في الاتجاه الايجابي أو السلبي والملاحظ أن وسائل الإعلام في البلد بدءاٍ بالقنوات الفضائية مرورا بالصحف وانتهاء بالمواقع الالكترونية تقع تحت سيطرة محكمة من قبل القوى السياسية وحتى القوى الفكرية وهذا يعني أن كل جهة أو مؤسسة إعلامية تعمل ضمن أجندات محددة لتحقيق أهداف تصب في صالح الاتجاه أو التيار الذي يهيمن عليها وبما أن القوى المتصارعة في اليمن تعيش الآن في ذروة الاختلاف فإن الوسائط الاجتماعية ستكون بكل تأكيد وسيطاٍ لتعميق الأزمة اليمنية بعد أن تتمكن من التأثير على الشباب فكريا قبل أن تقودهم إلى ساحات الصراع ــ فعليا ــ الدائر فيما بينها وما نراه اليوم من تصادم في الشوارع بين الشباب خير دليل وشاهد على قوة تأثير تلك  الوسائط على الأزمة اليمنية الحالية .
جرع فكرية
نبيل المحمودي أخصائي نفساني أوضح لنا العوامل النفسية التي تساعد على تأثير خدمة الوسائط على الأزمة اليمنية فقال ” ثمة عوامل نفسية واجتماعية مختلفة ومتداخلة في آن واحد  فالمعروف أن غالبية المجتمع اليمني النشط في هذه الوسائط ينقسم إلى شقين الأول هو الجزء النشط سياسيا أو ـ إن جاز التعبير ـ التابعين لأحزاب وتيارات بعينها أما الشق الثاني فهو غير النشط سياسيا أي أنه حر فيما يفكر فيه وليس مجبرا على اتباع أي تيار فالأول يحتاج فقط  جرعات فكرية قليلة من تلك الوسائط التي تنقل الصراع الاعلامي الدائر بين وسائل الإعلام التي بدورها تنقل الصراع الذي يدور بين القوى المتصارعة من على أرض الواقع وبالتالي يكون هؤلاء قنابل موقوتة تحركهم القوى المختلفة كيفما تشاء وهو ما يزيد الأزمة اليمنية حدة وصلابة أما الشق الثاني فهو الذي يْلعب به لعبة شد الحبل وهو بالتأكيد يتأثر بذلك التجاذب ويجد نفسه في صف هذا الفريق أو ذاك .
آخر المطاف
كاتب التحقيق رصد عدة مواقف في مجالس المقيل التي لا تخلو منها إحدى الوسائط الاجتماعية وكانت النتيجة أنه عقب قراءة أحدهم لمقالة ما أو خبر يؤيد هذا الحزب أو ذاك تحدث مهاترات وشجار بين بعض الحاضرين تصل أحيانا إلى التشابك بالأيدي وهذا ما أوصله إلى خلاصة من خلال هذا التحقيق ومشاهدته للواقع مفادها أن هناك  سوء استخدام القوى المتصارعة للوسائط الاجتماعية وتوظيفها لخدمة أهدافها الخاصة وبالتالي ألقى ذلك بضلاله على الأزمة اليمنية بعد أن تأكد وبما لا يدع مجالا للشك تأثر مستخدمي هذه الوسائط بما يتداول فيها ويكمن الحل في مراجعة القوى السياسية والفكرية لضمائرها ومراجعة حساباتها الوطنية.

قد يعجبك ايضا