الثورة نت /..
طور علماء صينيون تقنية متقدمة تتمثل في جلد إلكتروني عصبي الشكل (neuromorphic robotic e-skin)، يمثل قفزة نوعية في قدرة الروبوتات الشبيهة بالإنسان على التفاعل مع البيئة المحيطة.
وهذا الجلد المصمم بإبداع هندسي عالي ليس مجرد مستشعر عادي، بل هو نظام مستوحى بدقة من التعقيد المذهل للجلد البشري والنظام العصبي المرتبط به.
ويتمثل الهدف الأساسي في تمكين الروبوتات من استشعار اللمس بذكاء، واكتشاف الإصابات المادية التي قد تتعرض لها، والاستجابة الفورية والمناسبة للملامسات الضارة بحركات انعكاسية سريعة، تشبه إلى حد كبير منعكس الانسحاب لدى الإنسان عندما يلمس شيئا ساخنا أو حادا.
وتقوم الفلسفة وراء هذا الابتكار على سد فجوة حرجة في عالم الروبوتات. ففي جسم الإنسان، عندما تلامس اليد مثلا مصدر خطر، لا تنتقل الإشارة الحسية أولا إلى الدماغ لتحليلها واتخاذ القرار، بل تتجه بسرعة البرق عبر الأعصاب الحسية إلى النخاع الشوكي، الذي يصدر على الفور أمرا انعكاسيا بسحب العضو، كل ذلك في جزء من الثانية قبل حتى أن ندرك الشعور بالألم بشكل واعي. وهذه الآلية البيولوجية الذكية هي خط الدفاع الأول الذي يحمي الأنسجة من التلف الشديد.
وعلى النقيض من ذلك، تعتمد معظم الروبوتات ذات الشكل البشري حاليا على معالجة مركزية للبيانات، حيث يجب أن تنتقل الإشارة من المستشعر إلى “الدماغ” المركزي للروبوت (وحدة المعالجة المركزية)، ليتم تحليلها هناك ثم إرسال أوامر الحركة المناسبة إلى المحركات. وهذا المسار الطويل، حتى وإن كان يأخذ أجزاء من الثانية، قد يكون كافيا لحدوث ضرر مادي في بيئات العمل الديناميكية، خاصة مع دخول الروبوتات في شراكة أوثق مع البشر في مجالات مثل الرعاية المنزلية أو المساعدة في المستشفيات.
لذا، يأتي الجلد الإلكتروني العصبي الجديد ليمنح الآلات هذه “الغرائز” الوقائية. فهو لا يقتصر على وظيفة الاستشعار بالضغط مثل معظم التقنيات الحالية، التي تبلغ ببساطة عن حدوث تلامس، بل يمتلك قدرة على التقييم الذكي لطبيعة وشدة هذا التلامس. ويعمل النظام من خلال محاكاة العمليات الهرمية في الجلد البشري، حيث يحول الإحساس اللمسي إلى سلسلة من النبضات الكهربائية تشبه إشارات الأعصاب.
ومن الناحية الهيكلية، يتألف هذا الجلد المتطور من أربع طبقات متكاملة:
1. الطبقة الخارجية: وهي طبقة واقية تشبه البشرة البشرية.
2. طبقة المستشعرات والدوائر العصبية: تتصرف مثل الشبكة العصبية الحسية تحت الجلد، تراقب باستمرار عوامل مثل شدة الضغط والتغير في البنية المادية.
3. نظام المراقبة الذاتية: حتى في حالة السكون، يرسل الجلد نبضات كهربائية دورية إلى وحدة المعالجة المركزية كإشارة على أنه يعمل بشكل سليم. إذا ما تعرض للقطع أو التمزق، يتوقف هذا التدفق النبضي، ما يسمح للروبوت ليس فقط باكتشاف الإصابة، بل وتحديد موقعها الدقيق على جسمه.
4. آلية الاستجابة الانعكاسية: عند اللمس، يولد الجلد إشارات كهربائية تتناسب مع قوة الضغط. وإذا كان الضغط طبيعيا، ترسل الإشارات للمعالجة المركزية. أما إذا تجاوز عتبة محددة مسبقا (تشير إلى ألم أو ضرر محتمل)، يتجاوز النظام المسار الطويل ويرسل إشارة عالية الجهد مباشرة إلى المحركات المسؤولة عن العضو المتأثر، ما يؤدي إلى استجابة انعكاسية فورية، مثل سحب الذراع للخلف.
وأوضح العلماء أن هذا التصميم الهرمي يوفر “استشعارا لمسيا عالي الدقة، وكشفا فعالا عن الألم والإصابة مع منعكسات محلية، وإمكانية إصلاح سريعة بطريقة وحداتية”. وهذه الميزة الأخيرة، أي الإصلاح السريع، تعزز من عملية التوظيف العملي، حيث يتكون الجلد من وحدات مغناطيسية قابلة للفصل والاستبدال بسهولة، ما يسمح بإصلاح القطاع التالف في ثوان معدودة بدلا من عمليات الصيانة المطولة.
ويستمر الفريق البحثي الآن في تطوير النظام لتحسين حساسيته وقدرته على معالجة حالات اللمس المتعددة والمتزامنة في وقت واحد، وهو تحد أساسي لضمان تفاعل آمن وطبيعي في البيئات البشرية المعقدة التي تتسم بعدم القدرة على التنبؤ.
ويمهد هذا الابتكار الطريق لجيل جديد من الروبوتات “المتعاطفة” والقادرة على التفاعل البديهي مع البشر بمستوى غير مسبوق من الأمان والكفاءة.
