الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد. فقد أسس الإسلام رسالته ودعوته على أساس متين من الأخلاق الكريمة والآداب الرفيعة والفضائل السامية, وذلك لأن الأخلاق أساس كل خير ومفتاح كل تقدم وسبيل كل نجاح ولن تتقدم المجتمعات من مدارج الكمال إلا بصلاح الأخلاق, ولا تنحدر الأمم في مهاوي الضلال إلا بسوء الأخلاق, ولهذا كان اهتمام الإسلام قويا واضحا بالأخلاق الكريمة التي يجب أن يعيش بسط المسلم في حياته الفردية, ثم بعد ذلك ترى أن المجتمع عموما فاعتنى بالأخلاق عناية شديدة ووضح ذلك ما جاء في كتاب الله عز وجل وما جاء أيضا في أحاديث النبي, محمد صلى الله عليه وسلم, من نصوص تحمل الدعوة إلى الأخلاق جملة وتفصيلا وتمتزج فيها الأخلاق والفضائل بالدين والآداب بالشرع, والمشكلات التي تواجه الإنسان في هذه الأيام التي أخذت فيها الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها بما وصلوا إليه من منجزات العلم ومعالم الحضارة المادية الجبارة والتي سببت كثيرا من القلق النفس والاجتماعي وألقت بظلالها القاتمة على كل البيئات والمجتمعات بحيث لم تنج منها جهة ولم تسلم منها ناحية وقد ملأت القلوب بالخوف والهلع وأفقدتها أمنها وطمأنينتها بما نشرته من ظلم وانتشار للعدوان وسيطرة للظلم والقتل والدمار, كل ذلك بسبب غياب الأخلاق وفقدان الفضائل وغرابة الآداب وليس هناك أمل في الإصلاح إلا بالعودة إلى نور الإسلام والتمسك بآدابه التي تملأ النفس تقوى وهدى وإيمانا.
إن رسالة الإسلام جاءت للإنقاذ من الظلم والابتعاد عن القوة وفي ذات الوقت لتحقيق العدل والرحمة ونشر الطمأنينة والسعادة, ومن يعمق الفكر ويتأمل النظر في كل ما أمر به الإسلام ونهى عنه يجد أنه من تأديب الله لخلقه بأدب الوحي الذي كان يتعهد به رسول الله, صلى الله عليه وسلم, بما نشر من مكارم الأخلاق وبما علم من أدب النبوة… إن الأخلاق هي القواعد السليمة لسلوك البشر تبني الأمم عليها دعائم الفضيلة, ومن هنا امتدح نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم بأنه قمة في الخلق الفاضل والسلوك القويم قائلا سبحانه وتعالى “وإنك لعلى خلق عظيم” القلم 4 .
وأداب الإسلام هي تعاليمه التي جاءت من القرآن وبينتها السنة المطهرة, وأبرزها سلوك السلف الصالح فأحيت موات القلوب وروت ظمأها وبلت صداها وشفت اسقامها وعللها ومن هنا فإن آداب الإسلام هي الغاية من بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم, والتي بينها بقوله “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”, وعلى هذا فإن أخلاق الإسلام قد تمثلت في أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم والتي هي الطراز الفذ والنمط العالي والغاية المنشودة والأمل المرتجى للمثل العليا وللحياة الفاضلة, حتى سئل أحد الحكماء: هل قرأت أدب النفس لأرسطو¿ فأجاب قائلا: لقد قرأت أدب النفس لمحمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم, ولقد صدق, فإن ما تصوره الأولون وما تخيله السابقون واصطنعوا له صورا بعضها ناقص وبعضها كامل وجدنا أنه قد تحول إلى حقائق حين تجد فيها الكلام يتحول إلى واقع ونماذج حية فأضحى سيرة رحل وأدب أمة وشعائر دين عظيم, ذلكم هو أدب النفس لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولو أننا جميعا فتحنا قلوبنا على ما جاء في أخلاق الرسول وأخلاق الإسلام لما بهرتنا المظاهر الخلابة من مدينة الغرب أو الشرق والتي في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب.
وأخلاق الإسلام كثيرة, من العقيدة والعبادات والمعاملات وفي الحرب والسلم وفي البيوت والطرقات وفي البيع والشراء ومن الأفعال والأقوال وفي الأخذ والعطاء وفي الرضا الغضب وفي السراء والضراء وهناك الأخلاق في كافة أمور حياتنا وعلى هذه الأخلاق قامت دعوة الإسلام على أسس قوية متينة لم تنل منها العواصف ولم تعبث بها الريح على طول الزمان وعرضه.. ما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام في أيامنا لعلنا نعود إلى أصول ديننا فنأخذ هذه الأخلاق بمجملها لتتحقق لنا سعادة الدنيا وفلاح الآخرة, كما سعد سلفنا الصالح الذين تربوا على مائدة القرآن من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عضو البعثة الأزهرية
قد يعجبك ايضا