برد الزنازين عقوبة إضافية.. الشتاء يضاعف آلام الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني

 

الثورة / متابعات

مع حلول فصل الشتاء، لا يكتفي الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال بعقوبة السجن ذاتها، بل يواجهون فصلًا آخر من العذاب، يتحوّل فيه البرد القارس إلى أداة تنكيل إضافية تُضاعف آلام أجساد أنهكها الاعتقال والتجويع والإهمال الطبي، في زنازين تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الإنسانية.
في غرف إسمنتية رطبة، تخلو من التدفئة وتكاد تخلو من الأغطية، يقضي الأسرى ليالي طويلة في مواجهة الصقيع، بلا ملابس شتوية كافية أو بطانيات تحميهم من انخفاض درجات الحرارة، بينما تُقيَّد قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية، وتُحاصر أصواتهم خلف الجدران المغلقة والعزل المستمر.
ومع تعمّق موجات البرد، تتفاقم معاناة الأسرى، خصوصًا المرضى وكبار السن والأطفال والنساء، في ظل سياسة إهمال متعمدة تنتهجها إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية، تحوّل الشتاء إلى موسم عقاب جماعي، لا يقل قسوة عن أساليب التعذيب الأخرى.
وبحسب معطيات مؤسسات معنية بشؤون الأسرى ومنظمات حقوقية فلسطينية، يُقدَّر عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال بنحو 9500 أسير، بينهم قرابة 350 طفلًا و49 أسيرة، إضافة إلى أكثر من 3500 معتقل إداري محتجزين دون تهمة أو محاكمة، في مخالفة صريحة للقانون الدولي.
تنكيل ممنهج
المستشار الإعلامي لهيئة شؤون الأسرى والمحررين، حسن عبد ربه، يقول إن الأسرى يواجهون موجات برد قاسية من دون توفير الحد الأدنى من الأغطية أو الملابس الشتوية، مشيرًا إلى أن إدارة السجون تتعمّد حرمانهم من وسائل التدفئة ضمن سياسة ممنهجة للتنكيل والضغط النفسي والجسدي.
وأوضح عبد ربه، أن هذه الإجراءات لا تنفصل عن منظومة عقوبات أوسع، تشمل العزل الانفرادي، تقليص كميات الطعام، والحرمان من الزيارات، ما ينعكس تدهورًا خطيرًا في الأوضاع الصحية والنفسية للأسرى، خصوصًا في ظل انتشار الأمراض وضعف الرعاية الطبية.
ويتقاطع هذا التوصيف مع ما يورده رئيس مركز فلسطين للدراسات، رياض الأشقر، الذي يؤكد أن فصل الشتاء يكشف الوجه الأكثر قسوة لسياسة الإهمال الإسرائيلية، لافتًا إلى أن الأسرى محرومون من أبسط حقوقهم، وعلى رأسها الملابس الشتوية والبطانيات ووسائل التدفئة.
ويُشير الأشقر إلى أن بعض السجون تقع في مناطق شديدة البرودة، ما يجعل الحياة داخل الزنازين شبه مستحيلة، خاصة في ظل الرطوبة العالية والجدران الإسمنتية الباردة، موضحًا أن الفئات الأضعف، من مرضى وكبار سن وأطفال ونساء، هم الأكثر تضررًا من هذه الظروف.
وتتقاطع هذه المعطيات مع تقارير حقوقية عديدة تؤكد أن معاناة الأسرى في فصل الشتاء ليست ظرفية أو طارئة، بل جزء من سياسة ثابتة تهدف إلى كسر إرادتهم، عبر الإهمال الطبي المتعمد، والاكتظاظ، ومنع إدخال الملابس والأغطية، وعرقلة زيارات المحامين واللجان الحقوقية.
وتوضح هذه التقارير أن اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني تلزم قوة الاحتلال بتوفير ظروف احتجاز إنسانية، تشمل الغذاء الكافي، والملبس المناسب، والرعاية الصحية، غير أن الواقع داخل السجون الإسرائيلية يعكس انتهاكًا منهجيًا لهذه الالتزامات، خصوصًا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
جرائم مركبة وصمت دولي
ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة، وصلت الانتهاكات بحق الأسرى إلى مستويات غير مسبوقة، دفعت مكتب إعلام الأسرى إلى وصف أوضاعهم بأنها “كارثية”، في ظل تقارير عن ضرب وتعذيب يومي، وتجويع متعمد، وانتشار الأمراض، وحرمان شبه كامل من الملابس الشتوية والبطانيات.
بدورها، حذّرت هيئة شؤون الأسرى من أن ظروف الاحتجاز بلغت “مستويات مميتة”، مع توثيق استشهاد ما لا يقل عن 100 أسير داخل السجون منذ بدء الحرب، نتيجة التعذيب والإهمال الطبي وسوء ظروف الاحتجاز، وفق معطيات حقوقية.
ويرى الأشقر، أن ما يجري بحق الأسرى يشكّل “جريمة إنسانية منظمة” تستوجب تحركًا عاجلًا من المؤسسات الدولية، داعيًا إلى الضغط على الاحتلال لإلزامه باحترام القانون الدولي وتوفير الحماية القانونية والإنسانية للأسرى، لا سيما في فصل الشتاء.
أما عبد ربه، فيؤكد أن استمرار الصمت الدولي يمنح الاحتلال غطاءً لمواصلة انتهاكاته، مطالبًا بتدخل فوري من المنظمات الحقوقية الدولية لوقف سياسة العقاب الجماعي، وضمان الحد الأدنى من شروط الحياة داخل السجون.
في ظل هذا الواقع، لا يبدو الشتاء مجرد فصل عابر في حياة الأسرى الفلسطينيين، بل حلقة إضافية في سلسلة طويلة من العذاب، حيث يتحول البرد إلى أداة قمع، والصمت العالمي إلى شريك غير مباشر في معاناة لا تنتهي.

قد يعجبك ايضا