الثورة نت| استطلاع ـ ناصر جراده
تحلّ ذكرى جمعة رجب كل عام محمّلة بدلالات إيمانية وتاريخية عميقة في وجدان اليمنيين، باعتبارها اليوم الذي دخل فيه أهل اليمن إلى الإسلام طواعيةً وبالحكمة والموعظة الحسنة، في حدث مفصلي غيّر مسار تاريخهم، ورسّخ ارتباطهم المبكر بالرسالة المحمدية.
وفي هذا السياق، أجرى ’’موقع الثورة نت’’ استطلاعًا صحفيًا تناول آراء علماء وباحثين حول رمزية هذه المناسبة، وأبعادها الإيمانية، ومسؤولية العلماء في إحيائها وترسيخ الهوية الإيمانية في ظل التحديات الراهنة.
جمعة رجب.. عيد الأعياد وتجديد العهد الإيماني
أكد فضيلة الشيخ العلامة فؤاد ناجي، عضو رابطة علماء اليمن، أن جمعة رجب تمثل “عيد الأعياد” لدى اليمنيين، كونها اليوم الذي دخل فيه أهل اليمن الإسلام عن قناعة وإيمان، دون حرب أو إكراه، وهو ما سجّله القرآن الكريم فتحًا ونصرًا، واعتبره النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم حدثًا تاريخيًا غيّر مجرى التاريخ في “يمن الإيمان”.
وأوضح ناجي أن دخول اليمنيين الإسلام بهذه الطريقة المشرفة شكّل إضافة نوعية للأمة الإسلامية، ومنحها زخمًا وقوة، حيث أصبح اليمنيون في طليعة أنصار الدعوة، وشاركوا في مسيرتها الجهادية مع رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم في جيش الإمام علي عليه السلام، وصولًا إلى امتداد هذا الدور عبر التاريخ وحتى اليوم.
وأشار العلامة ناجي إلى أن ذكرى جمعة رجب تُعد من “أيام الله” المباركة التي تنطبق عليها الآية الكريمة:﴿وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾، باعتبارها يوم شكر لله على نعمة الهداية، وبداية العهد الإسلامي لليمنيين بعد أن أنقذهم الله من الضلال.
ولفت إلى أن الاحتفاء بهذه الذكرى يفوق – في دلالاته – الاحتفاء بالتحولات السياسية، لأنها تمثل “ثورة حقيقية” انتقل فيها اليمنيون إلى الإسلام انتقالًا راقيًا ومشرفًا، مؤكدًا أنه لولا جمعة رجب لما عرف اليمنيون عيد الفطر ولا عيد الأضحى المبارك.
وبيّن ناجي أن ما يميّز اليمنيين عن غيرهم من الشعوب هو طريقتهم الفريدة في دخول الإسلام، حيث استجابوا للحجة والحكمة دون قتال، ما يجعل الاحتفال بهذه الذكرى محطة سنوية لتجديد العهد بالإيمان، وترسيخ الهُوية الإيمانية، واستحضار الأخطار التي تستهدفها.
وفي ما يتصل بدور العلماء والخطباء والدعاة، شدد فضيلة الشيخ العلامة ناجي على أنهم يعيشون اليوم ما وصفه بـ“العصر الذهبي”، في ظل مرحلة قرآنية ومسيرة إيمانية منسجمة مع توجهات القيادة، بعد سنوات من التهميش والصعوبات، التي واجهوها في المراحل السابقة.
وأكد أن مسؤوليتهم تتمثل في ترسيخ الهوية الإيمانية، وإحياء شعائر الإيمان على مدار العام، والحفاظ على القيم، والتعاون مع ولاة الأمر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والالتفاف حول القرآن الكريم ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وأضاف ناجي أن الهوية الإيمانية تعني الثبات على الإيمان والالتزام بتوجيهاته، والإيمان بأن قوة اليمنيين ونصرهم يكمنان في تمسكهم بدينهم، محذرًا من الهجمة الفكرية والثقافية الشرسة التي تستهدف المجتمعات الإسلامية عبر ما يُعرف بالحرب الناعمة، باستخدام الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والمحتوى الثقافي الهابط..د اعياً العلماء والخطباء والمثقفين إلى التصدي لمحاولات سلخ المجتمع عن هويته الإيمانية وإذابته في مشاريع العولمة والأمركة، مؤكدًا ضرورة أن يكونوا في طليعة المواجهة الفكرية والثقافية، إلى جانب المجاهدين في ميادين المواجهة العسكرية والأمنية.
أول جمعة في تاريخ اليمن بعد الإسلام
من جانبه، أوضح الباحث اليمني هاشم علوي أن جمعة رجب هي أول جمعة صلاها اليمنيون بعد دخولهم الإسلام، عندما أرسل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخاه ووصيه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إلى اليمن لدعوتهم إلى الإسلام.
وأشار إلى أن تخصيص اليمنيين بالإمام علي عليه السلام يعكس مكانتهم عند رسول الله، وتقديره لاستجابتهم السريعة للدعوة، حيث دخلوا الإسلام وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، لتصبح جمعة رجب عيدًا مجيدًا يتكرر منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا.
ونوه علوي بأن دخول اليمنيين الإسلام سلمًا وبدون حرب غرس في وجدان الرسول حبهم، فمدحهم بقوله: «أتاكم أهل اليمن أرق قلوبًا وألين أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية»، مبينًا أن النبي ابتَهج بهذا الفتح المبين، ومنح اليمنيين وسام الإيمان والحكمة، واستشهد بقول الإمام علي عليه السلام في قبيلة همدان: «ولو كنت بوابًا على باب جنة.. لقلت لهمدان ادخلوا بسلام»، في دلالة على مكانة اليمنيين وقوتهم وبأسهم المشهود تاريخيًا.
الهوية الإيمانية صمام أمان
يتخذ اليمنيون من أول جمعة في شهر رجب مناسبة دينية ذات خصوصية تاريخية وروحية، يجددون فيها حمدهم لله وشكرهم على نعمة الإسلام، من خلال الاحتفالات الدينية، والابتهالات، والإنشاد، ومجالس الذكر التي تعكس عمق الارتباط الإيماني في المجتمع.
وفي هذا السياق، اعتبر مدير مكتب الإرشاد بمديرية بني مطر محمد القاسمي أن الهوية الإيمانية تمثل صمام أمان ومرتكزًا أساسيًا لصمود اليمنيين، مؤكدًا أنها منظومة متكاملة من القيم القرآنية والأخلاق النبوية المرتبطة تاريخيًا بذكرى دخول اليمنيين الإسلام في جمعة رجب.
وأشار القاسمي إلى أن هذه الذكرى تعيد ربط اليمنيين بجذورهم النبوية والتاريخية، وتمنحهم قوة معنوية ومناعة روحية في مواجهة التحديات، مؤكدًا أن مفاهيم الهوية الإيمانية تتجاوز العصبيات الضيقة، لترسخ الانتماء للرسالة المحمدية الجامعة.
وأضاف أن اليمنيين يولون اهتمامًا خاصًا بإحياء هذه المناسبة، لما تحمله من معانٍ اجتماعية، كصلة الأرحام، وزيارة الأقارب، وتعزيز التماسك المجتمعي، مؤكدًا خصوصيتها اليمنية مقارنة بعيدي الفطر والأضحى اللذين يشترك فيهما عموم المسلمين.
صفحة خالدة
تتقدم العاصمة صنعاء والمحافظات الحرة في إحياء ذكرى جمعة رجب عبر الندوات والمحاضرات والفعاليات الثقافية، التي يؤكد العلماء من خلالها أن هذه المناسبة تمثل محطة تاريخية خالدة، تجسد الاستجابة اليمنية المبكرة للدعوة الإسلامية، ومناصرتهم الصادقة للرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وهكذا تبقى جمعة رجب صفحة ناصعة في تاريخ اليمن والإسلام، ودعوة متجددة لترسيخ الهوية الإيمانية، والاعتزاز بتاريخ كُتب بمداد النور، واستلهام معانيه في الحاضر والمستقبل.
