إمبراطورية المانجو اليمنية.. هل يتحول «تريليون ريال» من عبء موسمي إلى طفرة اقتصادية؟

الثورة  /
تخيل بلداً يمتلك من ثروة فاكهة واحدة ما يكفي لتغطية ميزانيات قطاعات بأكملها، ومع ذلك يقف مزارعه مكتوف الأيدي أمام فائضٍ يغرق الأسواق ويُباع بأبخس الأثمان. نحن لا نتحدث عن خيال، بل عن «إمبراطورية المانجو» اليمنية التي تُقدّر قيمة إنتاجها في هذا العام 2025 بأكثر من تريليون ريال يمني. ففي الوقت الذي يُصنف فيه اليمن عالمياً كبلد يواجه تحديات معيشية، تصرخ أشجاره الـ 2.3 مليون بحقيقة مغايرة تماماً: اليمن بلد غني، لكنه يُدار بعقلية «البيع الخام» والارتهان للحظة الحصاد.
القصة تبدأ من حقول تهامة ولحج وحجة، حيث تنحني الأغصان تحت ثقل نصف مليون طن من أفخر أنواع المانجو في العالم (تيمور، قلب الثور، السمكة). هذه الكمية الهائلة تضع اليمن في المرتبة الثالثة عربياً، لكنها تضعه أيضاً في المرتبة الأولى عالمياً في «هدر الفرص»؛ فبينما يجنح المزارعون لقلع أشجارهم أحياناً بسبب «الكساد السعري» ووصول سعر السلة لمستويات مهينة، تفتح الصناعات التحويلية أبواباً لمليارات ضائعة. لو تحول 100 ألف طن فقط من هذا الفائض إلى «لب مانجو» مركّز لتم تغذية كافة مصانع العصائر المحلية، ولتوقفت فاتورة الاستيراد التي تستنزف العملة الصعبة لشراء نكهات صناعية بينما يرمي المزارع اليمني «الذهب الطبيعي» في الوديان.
المفارقة تكمن في أن 250 ألف أسرة يمنية تعيش على هذا المحصول، ومع ذلك يظل ميزان الربح مائلاً لصالح الوسطاء ولوبيات الاستيراد. إن العودة إلى «الإدارة الذكية» تعني تحويل الجمعيات التعاونية من مجرد منظمات ورقية إلى «قلاع تصنيعية» تمتلك ثلاجات تبريد عملاقة وخطوط إنتاج للعصائر والمجففات. قصص النجاح الأخيرة، مثل زراعة صنف «بيض الشمس» النادر في تهامة وتصدير الشاب «حسن سمنان» لشاحنات مبردة نحو الخليج، تثبت أن المنتج اليمني يمتلك «جواز سفر» عالمي بجودته، لكنه يحتاج إلى «إرادة سيادية» تمنع إغراق السوق وتدعم التصنيع المحلي.
إن تحويل «تريليون المانجو» من رقم إحصائي إلى نهضة اقتصادية يتطلب قراراً حاسماً بالإسراع في خطوات مشروع إحلال المنتج المحلي بدلاً من الخارجي في كافة الصناعات الغذائية. اليمن اليوم ليس بحاجة لمعجزة زراعية، فالأرض قد أعطت بسخاء وتجاوزت التوقعات؛ المعجزة الحقيقية المطلوبة هي في «عقلية الإدارة» التي يجب أن تدرك أن السنبلة والثمرة هما خط الدفاع الأول عن السيادة الوطنية. إن كل قطرة عصير مانجو مستوردة هي طعنة في خاصرة الاقتصاد الوطني، بينما كل وحدة تصنيع تُنشأ في زبيد أو باجل هي لبنة في بناء يمنٍ لا يطلب الغذاء من وراء البحار، بل يصدّر الجودة والنكهة للعالم أجمع.

قد يعجبك ايضا