بالأرقام.. كيف انتزعت صنعاء سيادتها الصحية من براثن الحصار؟
من خندق السيادة الصحية.. كيف حطمت صنعاء أغلال الحصار »الصهيو-أمريكي« بمشرط البناء والابتكار؟
الثورة / يحيى الربيعي
تجسيداً لروح ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، انطلقت حكومة البناء والتغيير في مسار سيادي حول القطاع الصحي من حالة الاستهداف الممنهج إلى جبهة بناء وتطوير لا تقبل الانكسار، حيث نجحت وزارة الصحة والبيئة في تحويل تحديات الحصار البربري الذي يفرضه تحالف العدوان «السعودي الإماراتي» برعاية أمريكية كاملة إلى فرص لتعزيز البنية التحتية.
لقد وضعت حكومة البناء والتغيير القطاع الصحي على رأس هرم أولوياتها الاستراتيجية، متجاوزةً بذلك كونه قطاعاً خدمياً فحسب لتجعله ركيزة أساسية في معركة السيادة والبقاء، حيث تتحرك وزارة الصحة بكامل طاقاتها الطبية والفنية والإدارية نحو صياغة واقع جديد يهدف إلى كسر قيود الحصار الصحي وتوطين الخدمات الطبية النوعية عبر تهيئة الظروف اللازمة لرفع كفاءة الأداء وتجويد المخرجات.
وتتجلى هذه الرؤية في التوسع الديناميكي والمستمر لمشاريع البنية التحتية، إذ يعد الافتتاح المتوالي للمراكز والأقسام التخصصية المجهزة بأحدث التقنيات فعلاً مقاوماً يهدف إلى تمكين الكوادر اليمنية من مقاربة الحالات الحرجة والعمليات الجراحية المعقدة بكفاءة واقتدار، مما ينعكس بشكل جذري على مستوى الخدمات الجراحية والعناية المركزة التي ظلت هدفاً لسياسات التضييق «الصهيو-أمريكية» الممنهجة.
هذا المسار التطويري الذي يلامس في جوهره احتياجات المواطنين اليومية ويخفف من وطأة المعاناة الإنسانية التي خلفها العدوان، أسهم في تعزيز الجاهزية الوطنية القصوى في مجالات الطوارئ ومعالجة سوء التغذية، كما أن العمل المستمر على تحسين منظومة الخدمات يؤدي بالضرورة إلى رفع السعة السريرية وتوسيع نطاق التخصصات الدقيقة، وهو ما يرفع من طاقة المستشفيات الاستيعابية ويضمن انسيابية الخدمة في الأقسام الحيوية التي تشهد ضغطاً متزايداً جراء الحصار الغاشم.
بناء وتأهيل القطاع الصحي
بينما تشتد وتيرة الحصار الجائر وتتداعى مؤامرات «الثنائي الصهيوني-الأمريكي» لخنق الحياة في اليمن، تستشعر وزارة الصحة والبيئة في قلب العاصمة صنعاء أن عِظم التحدي يفرض استجابة استثنائية تفوق المألوف، حيث تدرك «حكومة البناء والتغيير» أن حجم المنجز المحقق ليس نهاية المطاف بل هو نقطة انطلاق لفرض واقع سيادي جديد، مما دفع بالوزارة نحو تكثيف الدعم الموجه للقطاع الصحي لضمان استقرار تشغيل المنشآت الطبية الحديثة وتحويلها إلى روافد خدمية مستدامة، قادرة على استيعاب ضغط الطلب المتنامي وكسر رهانات العدوان على انهيار المنظومة الصحية، في مسيرة لا تقبل التراجع عن حماية كرامة الإنسان اليمني وتصحيح مسارات الخدمة العامة.
وفي قراءة متفحصة لخارطة هذا الصمود الاسطوري، نجد أن الوزارة قد خاضت معركة «كسر القيود الدوائية» بنجاح لافت، حيث وفرت أدوية ومستلزمات طبية بقيمة تجاوزت 99 مليوناً و537 ألف دولار، متجاوزةً بذلك قرصنة تحالف العدوان على الموانئ والمطارات، وبالتوازي مع هذا التدفق الدوائي، نُفذت مشاريع صحية كبرى بتكلفة إجمالية بلغت 241 مليوناً و784 ألف دولار خلال عام واحد، توزعت كشرايين حياة في مختلف المجالات؛ فمنها 22 مليوناً و156 ألف دولار للتدخلات الإنشائية التي رمت بالبناء في وجه القصف، و10 ملايين و300 ألف دولار للمعدات والتجهيزات التقنية التي استُجلبت لكسر العزلة التكنولوجية المفروضة على اليمن.
ولأن المعركة هي معركة «وعي وصمود بشري» قبل كل شيء، فقد أولت الوزارة اهتماماً دراماتيكياً بحماية الكادر الطبي من الانهيار الاقتصادي الذي خطط له المحتل، مخصصةً حوافز مالية لـ 25,801 كادر صحي بتكلفة 52 مليوناً و630 ألف دولار، علاوة على دعم 16,494 كادراً من المتطوعات بمبلغ 14 مليوناً و99 ألف دولار، وصولاً إلى برنامج التغذية الذي استهدف أكثر من 8 آلاف و714 كادرا بتكلفة خمسة ملايين و252 ألف دولار، كما نفذت أنشطة صحية أخرى بتكلفة 12 مليونا و284 ألف دولار، وكذا بناء القدرات بإجمالي ثلاثة ملايين و735 ألف دولار. لتشكل هذه الأرقام سياجاً منيعاً يحمي الجبهة الصحية الداخلية، مدعومةً بأنشطة بناء القدرات والتوجه الاستراتيجي نحو ضمان استقلال القرار الصحي عن تقلبات سوق الوقود المرتهنة لإرادة العدو، وكتعبير عن الرؤية المستقلة لليمن الجديد، استثمرت الوزارة في الطاقة الشمسية مبلغ مليونين و854 ألف دولار لتأمين احتياجات المرافق الصحية بعيداً عن أزمات الوقود التي يفتعلها تحالف العدوان.
قفزات تخصصية في الميدان
وعلى الضفة الأخرى من الإنجاز النوعي، شهد الميدان الطبي قفزات تخصصية أذهلت المراقبين، حيث تم افتتاح وحدة القسطرة القلبية بأحدث الأجهزة العالمية وقسم الغسيل الكلوي لمرضى القلب بمركز القلب بمستشفى الكويت الجامعي، يرافقه تدشين مركز الغسيل الكلوي بالمستشفى العسكري بسعة 20 جهاراً، في حين تحول مستشفى السبعين للأمومة والطفولة إلى قلعة تخصصية بافتتاح مراكز الجلدية والتجميل ووحدات التشخيص المبكر لسرطان الثدي وعنق الرحم بدعم من صندوق مكافحة السرطان، وهي خطوات تبرهن على أن العقل اليمني قادر على تطويع التكنولوجيا لخدمة شعبه تحت نيران القصف، سيما مع بلوغ تكلفة المشاريع الصحية بمحافظة صنعاء وحدها قرابة 5 ملايين دولار.
وفي قلب الساحل الغربي، حيث أراد تحالف العدوان تحويل مدينة الحديدة إلى ساحة لليأس، انطلقت من أروقة هيئة مستشفى الثورة العام ملحمة طبية كفاحية تمثلت في المخيم الطبي المجاني الثاني لعمليات القلب المفتوح، في خطوة تتجاوز في دلالاتها البعد العلاجي لتصل إلى مستوى التحدي السيادي؛ إذ إن إقامة مثل هذه الجراحات الدقيقة والمعقدة في مدينة محاصرة يمثل انكساراً لرهانات «الثنائي الصهيوني-الأمريكي» على شلّ قدرات الإنسان اليمني.
هذا المنجز الذي جاء بتنسيق نوعي مع مستشفى لبنان وبدعم استراتيجي من الهيئة العامة للزكاة والشركة العربية لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق المحدودة، يجسد أرقى صور التكافل الوطني في مواجهة الحصار، محولاً مستشفى الثورة إلى قبلة لإنقاذ الأرواح المعسرة التي لطالما استهدفها العدوان بحربه الاقتصادية لمنعها من حق العلاج، ومؤكداً في الوقت ذاته أن الكادر الطبي اليمني قد اقتحم فعلياً مرحلة متقدمة من التجهيز والتدريب تضاهي المستويات العالمية.
ولم يتوقف هذا المد التنموي عند حدود المخيمات، بل امتد ليشمل ثورة إنشائية وتقنية داخل هيئة مستشفى الثورة بالحديدة، حيث تم تدشين حزمة من المشاريع الاستراتيجية التي شملت توسعة مركز طوارئ الأطفال وإضافة وحدات عناية مركزة وحاضنات حديثة بتمويل ذاتي يعكس روح الاعتماد على النفس.
كما برز افتتاح وحدة العناية الجراحية «السيكو» بسعة 28 سريراً مجهزاً بأحدث التقنيات، ومركز معالجة سوء التغذية الذي يمثل رداً مؤسسياً مباشراً على سياسات التجويع الممنهجة التي انتهجها العدوان. هذه الخطوات مثلت صياغة لواقع طبي جديد ينهي معاناة السفر الشاق للمرضى، ويجعل من محافظة الحديدة مركزاً محورياً للخدمات التخصصية، محطماً بذلك جدران العزلة التي حاول المحتل ضربها حول المحافظات الصامدة.
وبذات الروح الثورية الوثابة، شهد مستشفى «26 سبتمبر» بمتنة تحولاً جذرياً عبر مشاريع إعادة التأهيل والترميم التي بلغت تكلفتها 892 ألف دولار، حيث استعاد المستشفى ألقه من خلال افتتاح مراكز الأمومة والطفولة والعناية المركزة وصالات العمليات الخمس المجهزة وفق أرقى المعايير.
بعيداً عن عبث التدخلات الخارجية
وفي سياق هذا التدفق التنموي، نجحت الوزارة في تسخير الدعم الدولي من «منظمة الصحة العالمية» و»اليونبس» و»اليونيسف» لخدمة الرؤية الوطنية، عبر تأهيل مراكز سوء التغذية ومصانع الأكسجين وتوريد منظومات الطاقة الشمسية والبطاريات بتكلفة تجاوزت مئات الآلاف من الدولارات، وهو ما يعكس قدرة العقل الإداري في صنعاء على إدارة الموارد الدولية وتوجيهها بدقة نحو الأولويات التي تلامس جراح المواطنين في العزل والمديريات البعيدة، بعيداً عن عبث التدخلات الخارجية التي حاولت مراراً تسييس المساعدات الإنسانية.
ولم تقف حدود هذه الملحمة عند جدران المستشفيات المركزية، بل امتدت لتجسد روح التكافل القرآني عبر الهيئة العامة للزكاة التي مولت خدمات مجانية لآلاف المواطنين بالمستشفى الجمهوري، ووصلت يد الخير إلى أقصى جغرافيا الوجع في تهامة، حيث أقامت الوزارة المخيم الطبي المجاني الـ69 لجراحة العيون في مستشفى الدريهمي الريفي بمحافظة الحديدة، مجريةً مئات العمليات النوعية للفئات الأشد فقراً وتضرراً من العدوان، لتثبت هذه المخيمات أن روح ثورة 21 سبتمبر حاضرة في كل قرية ومديرية، تضمد الجراح وتستعيد الأمل، مؤكدةً أن كل محاولات التعطيل والعدوان الصهيو-أمريكية قد تحطمت أمام صخرة البناء اليمني المستمد قوته من عدالة القضية وبسالة الصمود.
ولأن مسيرة البناء والتغيير التي أرست دعائمها ثورة 21 سبتمبر تقوم على أساس متين من الشفافية والعدالة الاجتماعية، فقد توجت وزارة الصحة هذه التحولات الهيكلية بتفعيل الخط المجاني الرقابي (8000118)، محولةً المواطن من مجرد متلقٍ للخدمة إلى شريك فاعل في حماية مكتسبات الوطن ومنظومته الصحية.
هذه الخطوة تمثل ذروة الوعي المؤسسي في مواجهة الفساد وتعزيز النزاهة، حيث تفتح قنوات تواصل مباشرة تضمن وصول الخدمة الطبية لمستحقيها بكرامة، وتغلق كافة الثغرات أمام محاولات الالتفاف على حقوق المرضى، لتكتمل بذلك لوحة الصمود اليمني الذي يبني بيد ويحمي باليد الأخرى، معلناً للعالم أن اليمن، ورغم أنوف الطغاة والمستكبرين، قد شق طريقه نحو الاستقلال الطبي الشامل كجزء لا يتجزأ من معركة الحرية والكرامة الوطنية.
