قصر الرناد بتريم .. عنوان كبير لحضارة عريقة


تمثل مدينة تريم التاريخية واحدة من أجمل وأهم المدن التاريخية في اليمن وهي نموذج فريد للعمارة الطينية في أزهى وأحلى حللها وتشتهر هذه المدينة الرائعة بأنها الموطن الأول للقصور الطينية الضخمة التي إن بحثت عن مدينة أخرى تشابهها في هذا المجال فمن الصعوبة أن تجد لها مثيلا ليس في اليمن فحسب بل وعلى المستوى الإقليمي بشكل عام ونظرا للمكانة التاريخية والعلمية التي مثلتها ولا زالت تمثلها هذه المدينة فقد تم اختيارها في العام 2010م عاصمة للثقافة الإسلامية وهي بحق تستحق ذلك وبجدارة ولعل الزائر لهذه المدينة لا يمكنه إلا أن يسجل مشاعر الإعجاب والاندهاش من تلك المناظر والصور الجمالية التي تجسدها عظمة العمارة الطينية خاصة في القصور التي تفنن التريميون القدماء ببنائها وزخرفتها وتصميمها بشكل فائق الإتقان ولعل أشهر وأقدم القصور في قرع “قصر الرناد” وهنا لابد من الإشارة قبل التحدث عن هذا القصر البديع إلى أن القصور في تريم كل له اسم ولا يوجد قصر دون اسم وليس شرطا أن تسمى بأسماء مالكيها.
قصر الرناد واحد من أجمل القصور وهو الأقدم في مدينة تريم حيث تشير المصادر التاريخية إلى أن هذا القصر بني قبل الإسلام حيث أشار الدكتور عبدالناصر القادري – أستاذ التصميم المعماري بجامعة إب في بحثه حول التوصيف الشكلي لعمارة القصور في مدينة تريم بين الأصيل والهجين إلى أن هذا القصر اتخذه حسين بن سلامة أحد الحكام الزياديين مقرا له وجدده من بعده السلطان عبدالله راشد القحطاني سنة 1203م وآخر تجديد له عام 1938م في عهد حاكم تريم محمد بن محسن الكثيري الذي استعان بالمهندس علوي الكاف في إعادة تأهيله ووضع التصميمات المعمارية لتغيير واجهات القصر.
ولكن تم إعادة ترميم القصر في العام 2010م إبان إعلان تريم عاصمة للثقافة الإسلامية وأنفقت عليه وزارة الثقافة عشرات الملايين وكانت تعده كي يكون متحفا شاملا يتضمن المخطوطات والموروث الشعبي والحöرف اليدوية أو بمعنى أصح مركزا ثقافيا إلا أن ما لم يكن بالحسبان أن المجلس المحلي لمديرية يريم عمل على بسط نفوذه على هذا القصر وتحويله إلى مقر إداري لمكاتبه التنفيذية. أي أنه تحول إلى مبنى إداري الأمر الذي أثار غضب واستياء واسع لدى أبناء المدينة ولكن هذا الغضب لم يثمر شيئا لدى الجهات المعنية وهاهو القصر على حاله مقر للسلطة المحلية.
ويقول الأخ/ حسن عيديد – مدير عام فرع الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية في شبام ووادي حضرموت إن الأنسب هو أن يكون هذا القصر مركزا ثقافيا ومجمعا تقام فيه الفعاليات والمناشط الثقافية والقصر الآن مكاتب إدارية حيث أخذ مكتب الثقافة بتريم جزءا منه والسلطة المحلية أخذت الجزء المبني حديثا بينما بقي الجزء الغربي من القصر مغلقا حتى الآن.
وأضاف: لم تقم السلطة المحلية بما عليها تجاه هذا القصر أو غيره من القصور ولم تنفذ فيها مشاريع تريم أو صيانة باستثناء بعض المشاريع التي نفذت مع احتفالات تريم عاصمة للثقافة الإسلامية.
ويظل هذا القصر أسطورة في البناء الطيني وحكاية إبداع لن تنتهي فهذا القصر الواقع في بين حارة الأزرة والسوق وحي الخليف امتزجت فيها أصالة البناء الطيني وجمال الزخارف الذي تزين خارجه وداخله وتلك البوابة الكبيرة للقصر توحي لمن يدخله أنه سيمضي من خلالها إلى مدينة بكاملها.
ويقول الباحث التاريخي صبري هادي عفيف: إن قصر الرناد بلاد داخل بلاد فهو يتكون من ستة طوابق بنيت بشكل هندسي ومعماري فريد.
بينما تقول الدكتورة/ سلمى الدملوجي في كتابها “وادي حضرموت هندسة العمارة الطينية” إن عمارة قصر الرناد شبيه بطراز بيوت النخبة في تريم وسيئون مع التشديد على الأبهة نظرا لمكانته وقوامه كمركز للسلطة السياسية.
وتضيف: إن البناء يغلب عليه التأثير بالطراز الكولونيالي الذي يسود فيه الأداء النيوكلاسيكي الأوروبي وهذا الأداء يبدو أكثر وضوحا في واجهات القصر.
ولا زال أبناء مدينة تريم يتطلعون إلى إعادة الاعتبار لهذا القصر وأن يتم تجهيزه ليكون مركزا ثقافيا يعكس المكانة والموروث الكبير لهذه المدينة العريقة التي تمتلك إرثا ثقافيا وحضاريا عظيما بحاجة إلى إظهار وإبراز ليعرف الناس المكانة والأهمية التي تمثلها مدينة تريم التاريخية.
تصوير/ فؤاد الحرازي

قد يعجبك ايضا