مركز القلب العسكري بصنعاء.. قلعة الصمود الطبي التي تكسر الحصار بلغة الأرقام ومنصات العلم

 

في مشهد طبي وعلمي غير مسبوق، اختتمت في العاصمة صنعاء، خلال الفترة (16–18 ديسمبر 2025م)، أعمال مؤتمر القلب العسكري الثامن، الذي شكّل أكبر تظاهرة علمية متخصصة في أمراض القلب على مستوى اليمن للعام الجاري، بحضور رسمي وأكاديمي رفيع، ومشاركة واسعة لنخبة من الأطباء والاستشاريين من داخل اليمن وخارجه.
الثورة / مصطفى المنتصر

هذا الحدث العلمي لم يكن مجرد فعالية سنوية عابرة، بل جاء تتويجًا لعام حافل بالإنجازات الميدانية النوعية التي حققها مركز القلب العسكري بصنعاء، مؤكِّدًا تحوّله إلى ركيزة أساسية للأمن الصحي الوطني، وواجهة طبية متقدمة استطاعت، رغم ظروف الحصار وشح الإمكانات، أن تفرض حضورها بلغة الأرقام والنتائج الملموسة.
ثورة القسطرة القلبية.. أرقام تنقذ الحياة
وكشفت الإحصائيات السنوية الصادرة عن المركز لعام 2025م عن نشاط غير مسبوق في معمل القسطرة القلبية (CATH LAB)، حيث أُجري ما مجموعه 4,718 عملية قسطرة قلبية، في مؤشر واضح على تصاعد وتيرة العمل الطبي التخصصي.
وشملت هذه العمليات 2,368 عملية قسطرة تداخلية علاجية (PCI)، وهو رقم يعكس مستوى متقدمًا من الجاهزية الفنية والسريرية في التعامل مع الجلطات القلبية الحادة وانسدادات الشرايين التاجية، التي تتطلب تدخلاً فوريًا عالي الدقة لإنقاذ حياة المرضى، كما نفذت 2,350 عملية قسطرة تشخيصية (CAG)، ما رسّخ مكانة المركز كمرجعية أولى لتشخيص أمراض القلب على مستوى الجمهورية.
وفي إنجاز يعد من أبرز محطات التحدي وكسر قيود الحصار، نجح المركز في إجراء 24 عملية زراعة صمامات عن طريق القسطرة (TAVI)، وهي من أدق وأعقد العمليات القلبية عالميًا، وتتطلب تجهيزات متقدمة وخبرات عالية، ما أسهم في تجنيب المرضى اليمنيين عناء السفر إلى الخارج والتكاليف الباهظة، وفتح آفاق جديدة للعلاج داخل الوطن.
جراحة القلب المفتوح.. قفزة نوعية في مواجهة المرض
ولم تقتصر النجاحات على القسطرة القلبية، بل سجّل قسم جراحة القلب المفتوح قفزة نوعية لافتة خلال عام 2025م، بإجراء 398 عملية قلب مفتوح، وهو أعلى رقم يحققه المركز منذ تأسيسه.
وتُظهر المقارنة التصاعد المستمر في الأداء والكفاءة، حيث ارتفع عدد العمليات من 318 عملية في عام 2021م، إلى 332 عملية في 2024م، وصولًا إلى ذروة الإنجاز هذا العام، في دلالة واضحة على التطور المؤسسي والتراكمي لقدرات المركز، الذي بات قادرًا على التعامل مع أكثر الحالات تعقيدًا، بما في ذلك تشوهات القلب الخِلقية، وأمراض الصمامات، وانسدادات الشرايين التاجية.
منظومة تشخيصية وعلاجية متكاملة
ويعمل مركز القلب العسكري كمنظومة طبية متكاملة، لا تقتصر على العمليات الجراحية فحسب، بل تمتد إلى التشخيص والمتابعة الدقيقة؛ حيث سجل قسم تلفزيون القلب (Echo) تنفيذ 13,526 فحصًا خلال العام، في مؤشر على حجم الإقبال الكبير وثقة المرضى بدقة وكفاءة الخدمات التشخيصية.
كما أسهمت مختبرات المركز التخصصية في إجراء 296,453 فحصًا مخبريًا، إلى جانب تنفيذ 20,894 صورة أشعة سينية (X-RAY)، بما يضمن تقييمًا طبيًا شاملًا لكل حالة قبل وبعد التدخلات العلاجية.
بُعد إنساني وتكافلي في قلب العمل الطبي
وفي جانبٍ لا يقل أهمية، وضمن التزامه بالمسؤولية الاجتماعية في ظل الظروف المعيشية الصعبة، قدم المركز خدمات دوائية مجانية واسعة، تمثلت في صرف 231,109 وصفات دوائية لمرضى القلب المترددين على المركز، شملت أدوية إسعافية ومزمنة، أسهمت في تخفيف العبء المالي عن آلاف الأسر، وعززت من استمرارية العلاج والمتابعة الصحية للمرضى.
المؤتمر الثامن.. حين يلتقي الإنجاز الميداني بالبحث العلمي
وجاء انعقاد مؤتمر القلب العسكري الثامن في كلية الطب بجامعة صنعاء ليشكل منصة علمية لتأطير هذه الإنجازات ومناقشتها ضمن سياق بحثي وأكاديمي، من خلال جلسات علمية وورش تخصصية، شارك فيها خبراء واستشاريون من مختلف الدول.
وفي هذا السياق، أوضح مدير مركز القلب العسكري الدكتور علي عبدالله الشامي، أن هذه الأرقام لا تمثل مجرد إحصائيات، بل تعكس حجم الالتزام بأعلى المعايير الطبية الدولية رغم التحديات، مشيرًا إلى أن النجاحات المحققة هي ثمرة لجهود كادر طبي وفني وإداري متميز، يعمل بروح الفريق الواحد ويواكب أحدث التطورات في مجال طب القلب.
وفي ختام المؤتمر، أوصى المشاركون بجملة من التوصيات الهامة التي أكدت في مجملها على ضرورة استمرار عقد هذه المؤتمرات العلمية بشكل دوري، مع التركيز المكثف على ورش العمل والندوات التي تسند الأبحاث العلمية المحلية وتدعم برامج الدراسات العليا، وشددت التوصيات على أهمية العمل بمخرجات هذه الأبحاث ونشرها عالمياً، مع دعوة أطباء وجراحي القلب في مختلف المستشفيات والمراكز الحكومية والخاصة إلى الانخراط الفاعل في هذه اللقاءات لتبادل الخبرات ومواكبة كل جديد.
نموذج وطني للصمود والتطور
إن هذا التناغم بين الإنجاز الميداني الموثق بالأرقام، والحراك العلمي الذي شهده المؤتمر بمشاركاته الواسعة، يضع مركز القلب العسكري بصنعاء في طليعة المؤسسات الوطنية الرائدة، التي نجحت في تحويل التحديات إلى فرص، وقدّمت نموذجًا يمنيًا مشرفًا في الصمود والتطور الطبي المستدام، ورسالة واضحة بأن الإرادة الوطنية قادرة على صناعة الفارق حتى في أحلك الظروف.

قد يعجبك ايضا