المشروع الذي أسقطه محور المقاومة:خلاصة استراتيجية للمشروع الصهيوأمريكي في الخليج والبحر الأحمر وباب المندب

السعودية دعمت إسرائيل بالنفط والسلاح والغذاء عبر الجسر البري وسخَّرت موانئها لخدمة الكيان

ظهور اليمن لأول مرة كقوة إقليمية قادرة على تغيير معادلات الملاحة العالمية
استثمارات سعودية ضخمة في أمريكا لشراء الحماية، وتمويل مشاريع اقتصادية مع إسرائيل
تسليم حضرموت للإمارات كأغنى وأوسع منطقة لتكون قاعدة خلفية للمشروع الإسرائيلي في المحيط الهندي

 

أوضح الخبير والباحث الاقتصادي سليم الجعدبي أن المنطقة العربية شهدت خلال العقد الأخير سلسلة من التحولات المعقدة والمتسارعة، شكّلت ملامح مشروع جيوسياسي جديد تقوده الولايات المتحدة، ويستند إلى تحالف متنامٍ بين السعودية والإمارات والكيان الإسرائيلي، وأن هذا المشروع هدف إلى إعادة هندسة الشرق الأوسط، وتأمين إسرائيل كقوة إقليمية مهيمنة، وفرض واقع جديد في البحر الأحمر واليمن وسوريا ولبنان.

وأشار الجعدبي إلى أنه في مقابل ذلك برز محور المقاومة كقوة صاعدة عطلت هذا المشروع، وفرضت قواعد اشتباك جديدة خصوصًا بعد عملية طوفان الأقصى ودخول اليمن في معادلة الصراع.

وفي سردٍ تحليليٍ شامل ل «الثورة» ربط الجعدبي بين الأحداث التي شكّلت هذه المنظومة، وكشف منطق الترابط بينها، موضحاً أهداف القوى المتصارعة، ومسار إفشال المشروع الأمريكي – السعودي – الإسرائيلي من قبل محور المقاومة على المستويات الجيوسياسية والاقتصادية.. فإلى التفاصيل:

الثورة / أحمد المالكي

-وحسب الخبير والباحث الاقتصادي «الجعدبي» فإن المشروع الأمريكي – السعودي – الإسرائيلي بدأ أولاً قبل طوفان الأقصى من خلال إعلان محمد بن سلمان قرب التطبيع 2023م، حيث أعلن ولي العهد السعودي أن المملكة “اقتربت بشدة” من التطبيع مع إسرائيل، ولم يكن هذا التصريح منفصلًا عن التحركات الجيوسياسية الكبرى، بل جاء ضمن مشروع أمريكي لإبرام “صفقة القرن الخليجية”، ثم دمج إسرائيل في البنية الأمنية الخليجية، وبناء تحالف ثلاثي: سعودي – أمريكي – إسرائيلي ضد إيران ومحور المقاومة.

وجاءت الخطوة الثانية لهذا المشروع وفق الجعدبي من خلال السيطرة على تيران وصنافير، إذ لم يكن نقل الجزيرتين من مصر للسعودية إجراءً إداريًا، بل خطوة استراتيجية لفتح المجال الجوي والعسكري السعودي أمام إسرائيل، وإنهاء القيود المصرية على مضيق تيران.

وإقامة ترتيبات أمنية مشتركة مع إسرائيل بغطاء أمريكي، إذ كانت هذه الخطوة مقدمة للتطبيع الفعلي.

طوفان الأقصى

وأكد الجعدبي في تحليله السردي أن طوفان الأقصى جاء ليكون بمثابة الضربة الاستباقية التي نسفت المشروع، حيث أتت عملية طوفان الأقصى (7 أكتوبر 2023)، في لحظة كان المشروع الأمريكي – السعودي – الإسرائيلي على وشك الاكتمال وكان من نتائجها منع دمج إسرائيل في الخليج والبحر الأحمر، وقطع الطريق أمام اتفاق تطبيع سعودي – إسرائيلي كان سيعلن خلال أسابيع، إضافة إلى تفجير مسار التحالفات التي تحاصر غزة وإيران واليمن.

الحضور اليمني

وأضاف الجعدبي أن محور المقاومة دخل معركة الطوفان، وأن حضور اليمن في المواجهة غيّر قواعد اللعبة، وذلك من خلال الدور البارز والفاعل الذي لعبة اليمن في المعركة عن طريق «إغلاق» البحر الأحمر أمام السفن المتجهة إلى إسرائيل، وظهور اليمن لأول مرة كقوة إقليمية قادرة على تغيير معادلات الملاحة العالمية، حيث كشفت المواجهة ضعف أمريكا رغم وجود قواعد وقوات ضخمة في السعودية والبحرين ومثّل فشل أمريكا في البحر الأحمر نقطة تحول تاريخية.

دور خبيث

وربط الجعدبي الدور السعودي المساند لإسرائيل والمشروع الأمريكي الغربي في المنطقة حيث لعبت السعودية دوراً خبيثاً تمثلّ بين الدعم الخفي لإسرائيل والمناورة السياسية، وعملت السعودية على دعم إسرائيل بالنفط والسلاح والغذاء عبر الجسر البري وتسخير موانئها لخدمة الكيان، ورغم خطاب الحياد مرّ النفط السعودي إلى إسرائيل عبر خطوط أنابيب، وتم تخصيص موانئ سعودية لمرور شحنات عسكرية أمريكية موجهة للكيان، كما شاركت السعودية في حماية الملاحة لصالح السفن الأمريكية والإسرائيلية بل واشترت السلاح لإسرائيل كما حدث في فضيحة السفينة بحري ينبع، وحسب الجعدبي فإن هذا الدعم كان سريًا لتجنب الغضب الشعبي.

تكتيك

ولفت الجعدبي إلى أن التقارب السعودي – الإيراني كان تكتيكياً وليس استراتيجياً، وأنه بعد الفشل الأمريكي في البحر الأحمر، أعادت السعودية فتح العلاقات مع إيران بتسهيل صيني بهدف تهدئة الجبهة اليمنية، وليس تغيير التحالفات، بينما الرياض لا تزال جزءًا من التحالف الأمريكي، لكنها تحاول تعديل تموضعها.

وأشار الجعدبي إلى أن السعودية سلّمت تريليونات الدولارات لترامب، وأن الاستثمارات السعودية الضخمة في أمريكا جاءت بهدف شراء الحماية، وتمويل مشاريع اقتصادية مشتركة مع إسرائيل، وتكوين حلف “أمريكا – إسرائيل – السعودية” ضد إيران واليمن، ومثَّلت هذه الأموال قاعدة المشروع الأمريكي الإقليمي.

أدوات واشنطن

ولفت الجعدبي إلى بروز دور أدوات واشنطن في اليمن – الانتقالي، طارق، والإصلاح، وإعلان عيدروس الزبيدي استعداده للتطبيع وزيارته لأمريكا، ثم إعلان الانتقالي المدعوم إماراتيًا تأييده للتطبيع مع إسرائيل، وفتح موانئ الجنوب أمام الوفود الإسرائيلية، والذي مثّل بوابة إدخال إسرائيل إلى البحر الأحمر.

خلايا وجواسيس

وتطرَّق الجعدبي في تحليله السردي إلى زيارة الإسرائيليين للجنوب وتجنيد جواسيس، حيث بدأت عمليات إنشاء خلايا استخباراتية في عدن والمكلا وسقطرى، وتجنيد شبكات محلية مرتبطة بأمريكا والسعودية وإسرائيل، ودعم غرف عمليات بحرية.

ثم دخول بريطانيا ضمن المشروع الأمريكي – الإسرائيلي، والتي سيطرت على مناطق في حضرموت وشبوة، وإنشاء غرف عمليات في الغيضة وعدن، لدعم الانتقالي أمنياً.

وأشار الجعدبي إلى أن مؤتمر الأمن البحري السعودي – ودعم خفر السواحل، لم يكن بهدف دعم اليمنيين، بل لإنشاء خفر سواحل تابع للسعودية وواشنطن لحماية مصالح إسرائيل في البحر الأحمر، وأن دخول طارق عفاش في المعادلة، وظهوره في مؤتمرات دولية (مثل مؤتمر المناخ)، يؤكد أن واشنطن تهيئ “واجهة سياسية – عسكرية” بديلة لإدارة اليمن مستقبلاً.

سوريا

ولفت الجعدبي إلى أن إعادة تأهيل النظام السوري وزيارة الرئيس السوري لأمريكا، ثم رفعه من قوائم الإرهاب يعكس رغبة واشنطن في تحييد سوريا عن محور المقاومة، وتقليل دور دمشق في دعم «الحوثيين» وحزب الله، وإعادة سوريا إلى المعادلة الأمنية الأمريكية.

حضرموت

وقال الجعدبي: إن تسليم حضرموت للإمارات دون مقاومة، باعتبارها أغنى وأوسع منطقة، حيث تم تسليمها للإمارات لتكون قاعدة خلفية للمشروع الإسرائيلي في المحيط الهندي، وذلك بهدف إدخال إسرائيل إلى اليمن ونقل الحرب من غزة إلى البحر الأحمر، وأن كل الخطوات السابقة -وفق الجعدبي- كانت تمهيدًا لإنشاء منطقة نفوذ إسرائيلية في جنوب اليمن تشمل عدن، سقطرى، المخا، ميون، المكلا، حضرموت، وذلك لعدّة أهداف أهمها السيطرة على باب المندب، وضرب الحوثيين من الجنوب، ونقل الصراع من فلسطين إلى اليمن، وكذلك تأمين التجارة الإسرائيلية لأوروبا، ومحاصرة إيران من البحر.

العقبة الأولى

وبيّن الجعدبي أن التركيز على حزب الله – والنموذج اليمني المقاوم من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تعتبران حزب الله العقبة الأولى أمام تنفيذ مخططهم «شرق أوسط جديد» بقيادة إسرائيل، وترى أن اليمن أصبح “نموذج حزب الله الثاني” لذلك عملتا على تشتيت محور المقاومة، ومحاصرة حزب الله من سوريا، وضرب قدرات اليمن البحرية، وإشعال صراعات داخلية في اليمن ولبنان وسوريا.

خلاصة

وخلص الخبير الاقتصادي سليم الجعدبي في تحليله السردي إلى أن المشروع الأمريكي – السعودي – الإسرائيلي كان يهدف إلى، دمج إسرائيل في الخليج والبحر الأحمر، السيطرة على مضيق باب المندب، وإنشاء نظام أمني إقليمي بقيادة واشنطن، وإنهاء محور المقاومة، وبناء سلطة يمنية بديلة موالية للغرب.

لكن طوفان الأقصى، ودخول اليمن في الحرب البحرية، وفشل أمريكا في البحر الأحمر، وصعود محور المقاومة في كل الجبهات «أسقطت المشروع» وأن واشنطن اليوم تحاول إعادة لملمة أدواتها في اليمن وسوريا، لكن المشروع تضرر بنيويًا، ولم يعد قادرًا على تحقيق أهدافه السابقة.

قد يعجبك ايضا