لا تطلب العدل بين الناس من القضاء, ما لم توفر لهِ أجواء آمنة لأعضائه وأسرهم وممتلكاتهم, أجواء آمنة, يتمكنون في ظلها القيام بأعمالهم وواجباتهم على أكمل وجه دون خوف من مِتنفذ أو قوة سياسية أو جماعة مسلحة.
في وقت قريب تعرض أحد قضاة محافظة حجة للاختطاف من قبل عصابة بسبب قضية منظورة أمامه, ما جعل السلطة القضائية والمجتمع ينذر بمخاطر هذا الاعتداء على تأثير العدالة, ولعدم معاقبة الجناة آنذاك, تمادى الآخرون حتى وصل الحال إلى قتل العدالة, بمقتل رئيس محكمة بني الحارث القاضي أحمد العنسي ونجله بساحة المحكمة في الـ 18 من يناير المنصرف.
في السطور التالية نكتشف الأسباب التي دفعت بالبعض إلى الاعتداء على القضاة¿ وما تأثير تلك الاعتداءات على سير العدالة¿¿.. نتابع:
في البداية كشف لنا المسؤول الإعلامي بنادي القضاة بصنعاء قاضي الأحوال الشخصية بمحكمة بني الحارث رضوان العميسي عن أن الاعتداءات على القضاة في الآونة الأخيرة أتت أشبه بالظاهرة.. إذ تجاوزت الاعتداءات على القضاة العام الفائت إلى ?? اعتداء بمعدل خمسة اعتداءات في الشهر أي اعتداء واحد على الأقل في الأسبوع وفي الشهر الأول من العام الحالي الذي لم يمر على انتهائه يوماٍ واحداٍ,حدث فيه (?) اعتداءات أغلبها خطيرة على القضاة, منها ثلاثة تمثلت في إطلاق نار على أحد القضاة ومنعه من التنفيذ ومحاصرة آخر وإطلاق نار عليه إلى داخل منزله وجرح أحد أبنائه واختطاف ثلاثة من أقاربه لتنتهي هذه الاعتداءات يوم الـ????/?/??بالاعتداء الغاشم على رئيس محكمة بني الحارث القاضي أحمد العنسي ونجله القاضي أنور وقتلهما في باحة المحكمة وفي وضح النهار وفي صورة ترسم مدى خطورة الوضع الذي وصل إليه حال القضاء اليمني.
وأكد القاضي العميسي على أن هذه الاعتداءات تصيب العدالة في مقتل وتقضي على آمال الضعفاء والمساكين في حصولهم على قضاء عادل وحازم وقوي.. مشيراٍ إلى أن القاضي الذي لا يأمن على نفسه ولا على أهله وأولاده لا يمكن أن يصنع عدلاٍ أو يعيد حقاٍ أو يحقن دماٍ أو يستر عرضاٍ.
وقال القاضي العميسي “تحول القضاء والقاضي اليمني إلى أضعف السلطات وأقل الأطراف حيلة فصار بحاجة إلى من يحميه وأضحى يطالب بمن ينصفه ويعيد حقوقه ويحفظ كرامة منتسبيه”..
وعن الأسباب التي أدت إلى ظاهرة الاعتداء على القضاة أوردها القاضي العميسي:
ـ ضعف أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية.
– إنعدام الوعي لدى المجتمع بأهمية القضاء واحترام رجال العدالة.
– إضعاف دور القضاء في المجتمع بصورة ممنهجة تعاقبت عليها السلطات السياسية المختلفة ويكفي مثالاٍ لذلك أن قانون السلطة القضائية الذي ينظم شئونها ظل مجلس القضاء يعمل بموجبه منذ ?? م وفيه أكثر من ??مادة مخالفة للدستور وتنتهك أهم مبدأ من مبادئ القضاء وهو استقلال القضاء .
– الصورة السوداوية الذي يرسمها الإعلام عن القضاء ومنتسبيه على نحو زاد امتعاض المواطن من القضاء ورجاله وأدى إلى قلة احترامهم لهذه السلطة وتهوين الاعتداء عليهم.
في السياق ذاته أكدت أستاذ الفقه المقارن المساعد الدكتورة/ افتكار مهيوب دبوان المخلافي بكلية الشريعة والقانون ـ جامعة صنعاء ـ أن الاعتداء على القضاة في اليمن أصبحت ظاهرة انتشرت بشكل كبير وفي مختلف مناطق اليمن.. لافته إلى أن الاعتداء على أعضاء السلطة القضائية في الحقيقة يعد اعتداء على المجتمع بأكمله وعلى قيمه ومبادئه وهو دليل على انهيار الدولة وانهيار المنظومة الأخلاقية لأي مجتمع من المجتمعات.
وعن الأسباب التي أدت إلى وجود هذه الظاهرة بحسب الدكتورة افتكار المخلافي ” تفاقم حالة الانفلات الأمني, وضعف الشرطة القضائية وعدم كفايتها التي من المفترض أن توفر الحماية لأعضاء السلطة القضائية ولمقرات السلطة القضائية, وإرادة إذلال القضاة وجعلهم أداة في يد المتنفذين يعد سببا رئيساٍ للاعتداءات المتكررة على القضاة سواء بالخطف أو القتل وكذا عدم ملاحقة المتهمين بالاعتداء قضائيا وإصدار أحكام رادعة في حقهم بحسب القانون رغم أن الجميع يعرفهم يعد سببا مهما لتجرؤ الآخرين على الاعتداء بشكل مستمر على القضاة, بالإضافة إلى تهاون السلطة القضائية وعدم تحركها بشكل فعال في مواجهة الاعتداءات المتكررة على أعضائها, ما شجع كل من تسول له نفسه الاعتداء على القضاة وبكل بساطة, وكذلك التجاهل شبه التام من قبل الدولة والحكومة اتجاه ما يتعرض له القضاة من أعمال خطف وقتل يعد كذلك من الأسباب الجوهرية التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة وتفاقمها بشكل كبير” .
ومما لا شك فيه أن لظاهرة الاعتداء على القضاة تأثير كبير على سير العدالة وهنا نرد التأثيرات التي ذكرتها الدكتورة المخلافي:
لأشك أن هذه الظاهرة تؤثر بشكل كبير جدا على أداء القضاة لوجباتهم وفقا للقانون وتؤدي إلى عرقلة سير العدالة بل إلى إعدام العدالة فإذا كان فاقد الشيء لا يعطيه فكيف سيقيم القاضي العدل ويطبقه بين المتخاصمين ¿¿ وكيف سيحمي الحقوق والحريات¿¿¿ وهو فاقد لهذا الشيء …. فالقاضي لا يستطع حماية نفسه فكيف سيحمي الآخرين¿
ولفتت الدكتورة افتكار إلى أن هذه الاعتداءات تؤدي إلى القضاء على هيبة القاضي التي تعد متطلبا أساسيا لأداء عمله وأيضا تقضي على هيبة السلطة القضائية وما يترتب على ذلك من فقدان احترام الأحكام القضائية لدى الجميع ومن ثم عدم تنفيذها بالتالي تصبح الأحكام القضائية مجرد حبر على ورق لا قيمة لها..مشيرةٍ إلى أن هذه الاعتداءات تؤثر كذلك على مبدأ استقلال القاضي واستقلال السلطة القضائية والذي يعد من المبادئ الأساسية لقيام القضاة بإرساء العدل والحق وحماية الحقوق والحريات ..
من جانبه قال رئيس مركز وعي للتنمية القانونية خالد محمد الدبيس “الواقع أن الاعتداء ات على القضاة تواترت واستشرت بشكل مخيف منذ العام 2011م وتباين مابين نهب سياراتهم واختطاف أبنائهم والاعتداء على منازلهم حتى وصل الحال إلى قتلهم كما حصل مؤخرا مع قتل رئيس محكمة بني الحارث القاضي احمد العنسي ونجله رحمة الله عليهما وامتدت تلك الاعتداءات على نطاق جغرافي واسع تكاد تكون في كل المحافظات بما فيها جزيرة سقطرة مبدياٍ تلك الاعتداءات شواهد المكر ومخايل الغل للقائمين على تطبيق القانون وإنفاذه من أناس اعوجت فطرتهم مستغلين الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد وما صاحبه من انفلات أمني يصعب معه تطبيق القانون”.
وعن الأسباب والدوافع التي جعلت القضاة عرضة للاعتداء تحدث الدبيس قائلاٍ:
في مجملها بسب قضايا منظورة أمام القضاة والمعلوم أن نصف المجتمع أعداء للقاضي وإن عدل وبالتالي فان تلك الاعتداءات في الواقع قد جاءت من أعداء الحق والفاف الفساد بعد أن كشر القضاء في وجوههم مانعا إياهم من التدخل في القضايا المعروضة عليهم بعد أن ألفوا ذلك التدخل فكان ذلك احد الأسباب التي دفعت بعض النافذين من مشائخ وأصحاب حصانات من الاعتداء على القضاة في محاولة بائسة لإجبارهم على الانحراف بالعدالة على نحو يحقق رغباتهم وأهوائهم مسلطين على القضاة بعض الأوغاد وحثالة الناس لمؤذاة القضاة وإقلاقهم في ظل انفلات امني دفع بعديد من القضاة المعتدى عليهم القبول بالتصالح وفق الأعراف القبلية وهو الأمر الذي بلغ بالسكين العظم فضلا عن عدم التعاطي مع تلك الاعتداءات بجدية ومن ذلك سرعة الفصل في القضايا المعروضة على المحاكم بهذا الخصوص.
وحول إمكانية أن يتحقيق العدل. في ظل استمرار الاعتداءات على القضاة يقول رئيس مركز وعي للتنمية القانونية خالد محمد الدبيس:
إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرشد القضاة قائلا لا يحكم القاضي وهو غضبان مهموم ولا مصاب محزون ولا يقضي وهو جائع فمن باب أولى أن لا يقضي وهو معرض للاعتداءات بشتى أنواعها وبالتالي لايمكن الحديث عن عدالة في غياب سكينة القاضي وهدوء نفسه وطبعه وتحقق أمنه واستقراره وان حدثت عدالة فستكون في الزمن غير المعقول وهو ما يعد ظلما إذ أن العدالة كما يقال البطيئة ظلم وكما هو معلوم أن الأمر الذي قد استقر عليه القضاة, واعني نادي القضاء, أن يغلق أبواب المحاكم تجاه المتقاضين حال أي اعتداء.