على الأحزاب السياسية تحمل مسؤوليتها لمنع انزلاق البلد للهاوية


تمتلك الأحزاب والقوى السياسية اليوم فرصة تاريخية للتصالح وإعادة الثقة بينها وبين جماهيرها الفاقدة لمصداقيتها .. وذلك من خلال الوقفة الجادة والسعي بشكل منطقي للملمة وحل الأزمة الخطيرة التي تكاد تعصف بالوطن والخروج به نحو بر الأمان ..
خاصة وأن الجماهير قد فقدت ثقتها بهذه الأحزاب نتيجة لخروجها عن مسارها وأهدافها الأساسية التي وجدت من أجلها وسعيها فقط لتحقيق مصالح الخاصة .
ولهذا فإن الأحزاب مطالبة بالتحرك الفوري والسريع لردع الفتنة والعمل على وحدة الصف اليمني وهو أقل ما يمكن أن تقوم به وما يتطلبه من واجب عليها ما لم فإن الجماهير لن ترحمهم وستحل عليهم اللعنة إلى يوم الدين ..
في الاستطلاع التالي نستعرض آراء عدد من السياسيين والمختصين حول الدور المنوط بهذه الأحزاب في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن . إلى التفاصيل :

في البداية أرجع المحلل السياسي الأكاديمي بجامعة صنعاء الأستاذ الدكتور حيدر غيلان -كلية اللغات- أهم الأسباب الكامنة وراء الأزمات السياسية التي شهدها اليمن – ومنها الأزمة التي نمر بها هذه الأيام – إلى نتاج تمترس معظم الأطراف السياسية خلف مصالح حزبية أو جهورية ضيقة “يتم من خلالها النظر إلى الأحداث وتحديد المواقف بانتهازية سياسية مفرطة وبما يكشف عما يمكن أن نطلق عليه مراهقة سياسية متأخرة تظهر من خلال تبدل المواقف وانقلابها إلى النقيض اتباعا لمقولة أنا ومن بعدي الطوفان. فمن كان ثوريا يبشر بربيع عربي يؤسس لدولة مدنية تتسع لليمنيين بأطيافهم واتجاهاتهم ومناطقهم المختلفة أصبح اليوم يردد نغمة مناطقية ومذهبية مقيتة ومن استأثروا بالجنوب بحجة مشاركتهم في الدفاع عن الوحدة يحاولون اليوم السيطرة على الجنوب باسم الانفصال ولا علاقة لهذا بما يطلق عليه في السياسة فن الممكن لأن هذه المماحكات -جريا وراء مصالح مزعومة- لن تحقق شيئا وستكون هذه الأطراف أول من يكتوي بنارها”.
قضايا جامعة
وشدد الدكتور غيلان على أن الحل يكمن في الالتقاء عند نقطة تحقق مصالح اليمن واليمنيين جميعا بمعنى أن تتخلص هذه القوى من الأنانية أو الذاتية المفرطة وتؤمن بأن اليمن ليست فقط تركة أو مجموعة مناصب ومصالح يمكن اقتسامها بين المتنازعين أو المتشاركين “وحينما نضع مصالح اليمن العليا فوق مصالحنا الذاتية بالتأكيد سنصل إلى حلول مرضية للشعب بفئاته المختلفة ومنها هذه القوى المتصارعة على السلطة اليوم . هنالك قضايا كبرى يمكن أن تكون جامعة : الأمن ومحاربة التطرف الاقتصاد ومحاربة الفساد. الديمقراطية وما تتطلبه من إجراءات عملية كالإعداد للانتخابات الرئاسية والنيابية”.

الاتفاقيات أو الدستور
من جانبه يرى الأكاديمي بأكاديمية الشرطة الدكتور يحيى المسوري أن ظهور الأحزاب السياسية في البلدان الديمقراطية يمثل أحد أبرز الظواهر المميزة للحياة السياسية المعاصر .. لكن بالنسبة لليمن لم يكن ظهور الأحزاب السياسية يمثل هذه الصورة بل إن الأحزاب السياسية تعد جزءاٍ من المشكلات والأزمات المتلاحقة التي عصفت بالبلد ولا زالت تحاصره, حتى وصلت الأوضاع اليوم إلى حالة من الخطورة تنذر بكارثة حقيقية تمس وحدة واستقرار البلد.
وأضاف الدكتور المسوري قائلاٍ: “على الرغم من الدور السلبي للأحزاب والقوى السياسية في معالجة تلك المشكلات والأزمات التي مر بها اليمن خلال الثلاث السنوات الماضية, إلا أننا لا نزال نعول على الأحزاب السياسية والقوى الفاعلة جميعا في تتحمل مسؤوليتها والتوصل إلى موقف واضح سواء من خلال التطبيق الجاد لمضامين المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار واتفاق السلم والشراكة أو من خلال الاحتكام إلى المبادئ الدستورية وإعادة هيبة القانون عبر الرجوع إلى البرلمان باعتباره المؤسسة الشرعية الدستورية الملزمة للجميع, خاصة فيما يتعلق بالأزمة الراهنة الناتجة عن استقالتي رئيس الجمهورية والحكومة”. مؤكداٍ أن الأحزاب السياسية تتحمل اليوم أكثر من أي وقت مضى المسؤولية التاريخية والوطنية فيجب عليها أن تحتكم لصوت العقل والمنطق من أجل الوصول إلى تفاهم حول كافة القضايا والدخول في مصالحة وطنية شاملة تنهي الأحقاد والضغائن بين المتخاصمين السياسيين والفرقاء المختلفين وأن تكون هناك رغبة حقيقية وجادة من جميع الأطراف المتصارعة في معالجة المشاكل المختلفة التي أفرزتها الصراعات السياسية على قاعدة المصالح الوطنية. بهدف الخروج من الأزمة الراهنة والانتقال إلى مرحلة الاستقرار السياسي والشرعية الدستورية عبر إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

تكاتف الجميع
فيما أكد الدكتور محمد العماري –جامعة ذمار- أن مسؤولية ما نحن فيه تتحمله الأحزاب السياسية بالدرجة الأولى إلى جانب كل العقلاء والنخب السياسية والثقافية والقيادات العسكرية. وبأنه لم يعد للأحزاب السياسية وأصحاب القرار أي عذر أو مبرر لترك وطنهم يتمزق. وربما قد يحترق -لا سمح الله- ويحرق الجميع بمن فيهم الذين هدموا المعبد على غيرهم, لأن دوامة الصراعات الحزبية والمناطقية والمكايدات السياسية لن تجدي احداٍ نفعا.
ودعا الدكتور العماري في نهاية حديثه المكونات السياسية بأن الوقت ضيق ولم يعد يحتمل ترك الحبل على الغارب, وحب الذات المفرط, بل وجب عليهم نبذ المكايدات والمماحكات الحزبية, وتغليب المصلحة العليا, والترفع عن الصغائر, لكي يعملوا جميعا ويتمكنوا من إنقاذ السفينة –اليمن- من الغرق, التي سوف يغرق فيها الجميع, وحان الوقت للوقوف بشجاعة ومسؤولية للحفاظ على اليمن وأمنه واستقراره ووحدته وكينونته.
مخالف للرؤية
إلى ذلك يقول الكاتب والصحفي بشير المصقري : إن المطلوب من الأحزاب في هذا المنعطف وفي هذه اللحظة الوطنية الفاصلة الكف عن تسجيل مواقف تعتبر الحسابات الخاصة لقياداتها و لا تتمنع عن السير على المصلحة الذاتية للقائمين على هذه الأحزاب على حساب مقتضيات مصلحة الأحزاب كمنظومة متكاملة .. يفترض بها النأي عن الصنمية والتكريس اللاهوتي وبمعنى الإسهاب في التغافل عن أن الجماهير الغفيرة المفرخة هي حجر الزاوية وبالمقابل لو أدركت هذه الجماهير أن دور الأحزاب معقودة بناصيتها وأن الاستحثاث الذي تنتهجه الأحزاب مخالف لرؤية الجماهير ورغباتها وبشكل مغاير للائحة وتقنينات العمل النقابي الذي يقوم على أكتاف هذه الجماهير مايعكس استلاباٍ حصيلته للأسف المزيد من التدهور الوطني على مختلف الصعد ومزيد من السقوط الاقتصادي وفقدان الأمن وتمزق اجتماعي مريب .
وأشار المصقري إلى أن مشكلة الأحزاب في اليمن تكمن في قياداتها المتبجحة خلف الميكرفونات وفي الندوات وفي المقايل بمفاهيم صورية لا تدخل البتة في العمل السياسي والدليل وجود كورجة من الاتفاقات في فترة وجيزة أمطرتنا بها هذه الأحزاب وقاداتها فما يكاد يمر شهر أو أقل حتى نتفاجأ بتوقيع معاهدة أو إبرام اتفاقية لا تسهم في إحداث تقدم أو تقود لانفراج سياسي أو اجتماعي .. ولو كانت الأحزاب كما يقول المصقري تعمل وفقاٍ لإرادة الجماهير ووفقاٍ لأهدافها المحنطة على الورق لما كان هذا الغثاء الطويل من الاتفاقات المهترئة والتي تتضمن خرائط طريق يعمل لبقائها طرفاٍ في العك السياسي ليس إلا ..
وأكد أن الأحزاب في اليمن بحاجة ماسة إلى التشبيب وبحاجة قصوى إلى إحلال دماء جديدة شابة متعلمة قادرة على العطاء بأفكار جديدة تتوازى و السياسة العصرية واعية بتداعيات اللحظة الوطنية الحرجة .. فالقيادات الحالية تفكر بعْقم وبمنطق تراكمات ماضوية ومواقف قديمة حدثت في الثمانينيات والسبعينيات ولا ترتبط مطلقاٍ في أجزاء كثيرة منها بواقع البلد الراهن .
وقال : حين حدثت ثورة الشباب كان المحركون لها والدافعون لاتجاهات وقائعها الشخصيات العقيمة المسيطرة على مختلف الهيئات داخل كل حزب مع أنها بمنطق عقلياتها هي من صنعت الأزمة مع النظام السابق ليس من قبيل الإشارة لأخطائه وسوء إدارته وتقييم أدائه السلطوي وهي من وقعت المبادرة الخليجية وهي من رشحت وزراء حكومة الوفاق وهي التي رشحت ممثلين لها كأحزاب في مؤتمر الحوار الوطني فكيف سنجد الخلاص وهؤلاء يتعاملون بنفس الفكر والمنطق والأسلوب والأداء لا تحديث لا تخطيط لا أفكار جديدة تغلب مصلحة الوطن وأبنائه والأربع السنوات الماضية خير مثال على اعتلالها وانتهاء صلاحيتها السياسية .
جازما أن هذه الأحزاب غير قادرة على خلق رؤى وأفكار تدفع العملية السياسية إلى الأمام على الأقل في المرحلة الراهنة بل وما سيعقبها حتى تتخلص من التدليسات ضد قواعدها فهي تتحدث عن الديمقراطية كوسيلة للتدوال السلمي للسلطة بينما ترفض أن تعمل بها لتدوال المناصب داخلها أولاٍ ..
والدليل على هذا العجز .. المجلس الشبابي للمؤتمر الشعبي العام المنشأ حديثاٍ في بعض المحافظات يخوض صراعات مستميتة للتحديث ويجاهد في وضع أفكار وخطط واسترتيجات تتوازى مع وضع التنظيم في غمرة التحولات الوطنية الراهنة إلا أن القيادات العتيقة والقديمة ترفض هذه التوجهات بحجج وأعذار واهية وتستغل دائماٍ خلافاتها الدائمة مع بعضها البعض كغطاء للبقاء صاحبة قرار داخل المؤتمر إلى مالا نهاية ..

ملك الجميع
فيما يقول الكاتب والباحث / خالد القزحي: على الأحزاب أن تعي أنه لا يمكن تهميش الآخر ومن الخطأ جداٍ محاولات السيطرة على أكبر قدر من المصالح ولو على حساب الوطن وأمنه واستقراره. الوطن لن ينجو إن حاول حزب أو جهة معينة الاستئثار بمراكز السلطة مهما كانت أفكارهم ومبادئ جماعتهم تبدو صحيحة . موضحا أن تقبل الأخر هو الأصح وليس من المهم قبول أفكاره .. لأن الأحزاب تم بناؤها في اليمن مواكبة لتاريخ الوحدة اليمنية لغرض الديمقراطية والتعددية الحزبية ولم يتم الاعتراف بها لكي تخدم أجندات خارجية تخدم مصالح بعيدة عن مصلحة الوطن وإنما تم تأسيسها لبناء دولة يتم فيها المنافسة البنائة لغرض البناء وليس تصيد أخطاء الآخرين وأخذها كذرائع للاستيلاء على مراكز القوة.
وأكد أن أهم دور لهذه الأحزاب وفي الوقت الراهن الذي تمر به اليمن هو تقوية علاقاتها ببعضها وتناسي الضغائن والأحقاد والإسراع لعمل انتخابات مبكرة غرضها تأمين البلد الانفلات الأمني والسياسي لأن اليمن أصبحت على هاوية الإفلاس اقتصاديا بسبب توقف عجلات التنمية وبسبب المشاكل والفتن التي ستتزايد يوماٍ بعد يوم نتيجة ثارات الدماء الطاهرة التي يتم سفكها هنا وهناك . فاليمن لا يتبع أحداٍ وليس ملكاٍ لأحد. اليمن تمتلكنا جميعا أحزاباٍ وطوائف وعلينا جعل هذا نصب أعيننا.

قد يعجبك ايضا