
باتت ظاهرة تهريب البشر “الافارقة” التي برزت في مطلع تسعينات القرن الماضي بعد انهيار الصومال واندلاع الحروب الاهلية, اضافة الى ظاهرة المهاجرين الأثيوبيين والإرتيريين وغيرهم من الجنسيات الافريقية الاخرى في العشر السنوات الفارطة, تمثل قلقاٍ رئيسياٍ مستمراٍ للسلطات الحكومية والمحلية والاجهزة الأمنية بمحافظة تعز والوطن عموما, وذلك لتسببها في أعباء اقتصادية اضافية لمجتمعُ يعاني اشتداد حالة الفقر والجوع والبطالة, علاوة على أخطار صحية نتيجة نقلها للأمراض المعدية, وتمثيلها خطراٍ أمنياٍ عبر تسلل عناصر إجرامية تخريبية عبر تلك المناطق الساحلية المترامية الاطراف وغيرها من المخاطر المجتمعية والانسانية..
السلطات الأمنية وقوات خفر السواحل وفرق الجيش المنتشرة في مناطق الساحل تبذل جهوداٍ كبيرة للتصدي لظاهرة الهجرة الغير شرعية وتضبط يوميا عشرات المهاجرين وفقا لإمكانياتها المحدودة, وتشير الاحصائيات الى انخفاض نسبتهم مقارنة بالأعوام الماضية بسبب تشديد الاجراءات الامنية وضبط عدد كبير من المهربين والمتاجرين بالبشر, وتؤكد تلك الاحصائيات ارتفاع معدلها في مناطق آخري كمحافظتي شبوة وأبين وتحديدا المناطق الساحلية فيهما “أحور, ميفعة”..
الاجراءات الامنية
يقول مدير شرطة مدينة المخا الساحلية العقيد/ أنيس الشميري ان الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية بمناطق المخا تعمل بصورة متكاملة لضبط المهربين والمهاجرين الافارقة الذين يتوافدون بصورة مستمرة ويوميا بالعشرات.. ويواصل: يتم العثور عليهم وقد وصلوا الى البر, وبالنسبة للمهاجرين الصوماليين يتم ترحيلهم الى مركز خرز الخاص باللاجئين في محافظة لحج لأن بلادنا موقعة على اتفاقية دولية بخصوصهم, وفيما يتعلق بالمهاجرين الأثيوبيين والإرتيريين فلا توجد اتفاقية بشأنهم وبالتالي يتم ترحيلهم الى السجن المركزي بتعز ومن ثم نقلهم الى العاصمة صنعاء لترحيلهم الى بلدانهم.
ويؤكد الشميري, أن هذه الظاهرة تمثل هما كبيرا للأجهزة الأمنية حيث أن بعض من المهاجرين عناصر اجرامية أو تنتمي الى تنظيم القاعدة أو يتم تنسيبها, والجهات الأمنية المختصة ليس لديها أي معلومات عنهم وبالتالي يشكلون خطرا أمنيا في بلادنا التي تعاني من مشاكل عديدة وأبرزها في الجانب الأمني, لافتا الى أن الامكانيات المخصصة للتصدي لهذه الظاهرة شحيحة مقارنة بالأعمال الكبير التي يقومون بها.
خفر السواحل .. تمشيط مستمر
كما يوضح المختصون في قوات خفر السواحل الآلية التي يتم فيها ايصال المهاجرين الى الساحل, حيث يقول العقيد/ أحمد المقرمي قائد فرع القوات بالمخا: يتم الرمي بالمهاجرين الافارقة على بعد مسافة 200 ـ 300 متر من الساحل فمن يجيد منهم السباحة ينجو ويصل الى الشاطئ ومن لا يجيد يتعرض للغرق, منوها الى أن قوات خفر السواحل تقوم بحملات تمشيط دورية للمناطق الساحلية لتعقب المهربين الذي يقومون بأعمال التهريب سواء للبشر او السلاح أو المواد المحضورة.
مشيرا الى أن التعامل مع المهاجرين يتم بصورة انسانية, ويجري ابلاغ المفوضية السامية لشئون اللاجئين لعمل اللقاحات اللازمة لهم ومن ثم نقلهم الى خرز هذا فيما يتعلق بالصوماليين, واما الاثيوبيين وذوي الجنسيات الاخرى يتم ترحيلهم الى السجن المركزي بمدينة تعز واستكمال اجراءات ترحيلهم الى بلدانهم.
الهلال الاحمر .. جهود انسانية
وفي سواحل ذباب باب المندب زرنا مركز الاستقبال التابع لجمعية الهلال الاحمر والذي يتكون من عدة أقسام ومركز طبي متخصص وتم انشاؤه في العام 2008م ويعد المركز الوحيد المتخصص في تلك المناطق والذي يعمل على استقبال المهاجرين واعطاءهم الاسعافات الاولية الانسانية اللازمة .. والتقينا هناك بالأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني بمحافظة تعز الدكتور/ عبدالوهاب الغرباني وبدوره شرح المهام المناطة بمركز الاستقبال التابع للجمعية قائلا ” نعمل هنا مع فريق متكامل بصورة مستمرة على تمشيط المناطق الساحلية بطول 200 ـ 300 كيلو متر بمختلف مديريات الساحل ابتداءٍ من باب المندب حتى رأس العارة بالتنسيق مع المفوضية السامية لشئون اللاجئين, حيث نجري عمليات استطلاعية لخدمة أكبر عدد من القادمين الأفريقيين عبر الساحل ونقوم بإيصالهم الى المركز واعطاءهم التطعيم واللقاحات ضد الامراض الناقلة للعدوي والوجبات الخفيفة لمدة زمنية لا تتجاوز الـ12 ساعة”.
انخفاض نسبة المهاجرين
ويشير الغرباني الى عدد المهاجرين الذي وصلوا الى المركز خلال العام 2014م من الجنسيات الافريقية ” بلغ عددهم 4359شخص, الجنسية الصومالية بلغ عددهم 2552 منهم 1865 ذكور, و657 إناث, ومن الجنسية الاثيوبية بلغ عددهم 1837من الذكور 1404 ومن الإناث 433.
“نسرا” .. مأساة انسانية
في الجانب الاخر تظهر حجم المعاناة الانسانية والمغامرات التي يخوضها المهاجرون عبر مراحل التهريب المختلفة, ابتداء من أماكن انطلاقهم وصولا الى سواحل المخا وباب المندب.. وعن ذلك تتحدث الشابة “نسرا موفي” ذات الـ17 ربيعاٍ من العمر, وهي مهاجرة من أرض الصومال, وجدناها في مركز الاستقبال, خاضت تلك الفتاة مغامرات كادت أن تودي بحياتها.. تقول في معرض حديثها” لدي في أرض الصومال سبعة أخوة وأنا يتيمة الاب ووالدتي مْقعدة في المنزل وحالتنا المادية صعبة للغاية ولذا لجأت الى السفر الى دولة جيبوتي وعملت هناك في أعمال بسيطة في أحد المنازل وتحصلت على بعض من المال انتقلت به الى اليمن للحصول على فرصة عمل مناسبة لأساعد فيها اسرتي الفقيرة”.
وعن معاناتها ومغامرات هجرتها تقول السيدة “نسرا” وصلت الى هذه المنطقة بعد أن قضيت أربع ساعات في البحر على متن قارب للتهريب, كان الوضع صعبا بالنسبة لي وشاق وملئَ بالمغامرات, حيث شاهدت الموت أمامي عدة مرات, أمواج البحر تضرب بنا في القارب الصغير الذي يفتقر لأبسط وسائل السلامة, وتم تحميله بثلاثة أضعاف طاقته الاستيعابية الحقيقية التي لا تتجاوز الـ 10 ركاب, حيث كنا تقريبا ثلاثين شخصا, ذكور وإناث, من الجنسيات الصومالية والاثيوبية”.
وتواص في حديثها ” اعطيت قائد القارب مئة وخمسون دولار امريكي مقابل أجور النقل وما أن وصلنا الى بعد عشرات المترات عن شاطئ البحر تم إجبارنا على النزول من القارب والقيام بعملية السباحة في البحر حتى وصلنا الى الشاطئ وكانت الامواج هائجة للغاية” .. وعبرت نسرا في ختام حديثها, عن أملها في الحصول على لقمة عيش كريمة تسد بها جوعها وجوع إخوانها الايتام ووالدتها المقعدة والذين ينتظرونها في أرض الصومال”.
السلطات المحلية
السلطات المحلية بمحافظة تعز تشكو من التبعات الأمنية والصحية والمالية للهجرة الغير شرعية وتزايدها في المناطق الساحلية وتتساءل عن مصير الاموال التي يقدمها المجتمع الدولي لللاجئين .. وفي هذا الصدد يتحدث الينا محافظ تعز شوقي أحمد هائل والذي قال” الشريط الساحلي لمحافظة تعز يعد من أهم أبرز ثلاثة منافذ رئيسية على مستوى البلاد ويعتبر أيضا منفذا رئيسيا لهجرة الافارقة الى بلادنا من مختلف الجنسيات ولذا يجب توفير الدعم المناسب للتعامل مع هذه الظاهرة”.
الظروف الاستثنائية
ويشير شوقي الى أن الظروف الاستثنائية التي مرت بها دولة الصومال الشقيق مطلع تسعينات القرن الماضي دفعت ببلادنا الى توقيع اتفاقية مع الامم المتحددة لاستقبال اللاجئين الصوماليين وإعطائهم تصاريح رسمية للاستقرار والعمل, وهناك معسكر متخصص لهم في خرز بمحافظة لحج يتم فيه استقبالهم واعطاءهم معونات.
ارباكاٍ أمنيا
وعن خطورتها الامنية يقول المحافظ ” لا توجد لدينا احصائيات دقيقة وواضحة عن هوية المهاجرين الافارقة وهذا يسبب لنا ارباكا في الجانب الامني, اضافة الى خطورة الجانب الصحي, كما أن السواحل مفتوحة للتهريب رغم الجهود الأمنية المبذولة بالإمكانيات المحدودة والتي استطاعت الحد من ظواهر التهريب بشتي صورها الى حد كبير”.
الدعم الدولي
ونوه محافظ تعز الى أن ظاهرة الهجرة للأثيوبيين والإرتيريين والذي تزايدت أعدادهم مؤخرا تْمثل مشكلة إضافية تتحملها السلطة المحلية وذلك لعدم توقيع اتفاقية مع الامم المتحدة للتعامل معهم كالمهاجرين الصوماليين, ونضطر لنقلهم الى السجن المركزي بتعز وتحمل تكاليف اقامتهم بشكل مستمر ونقلهم الى العاصمة صنعاء لترحيلهم الى بلدانهم.. مبدياٍ استغرابه عن مصير الدعم الدولي المقدم لللاجئين .. وتساءل: أين تذهب تلك المبالغ الباهظة¿