سوريا ومحادثات موسكو

استضافت العاصمة الروسية موسكو أمس اجتماعا ضم ممثلين عن الحكومة السورية وشخصيات من المعارضة وهي أول محادثات بعد فشل مؤتمر جنيف (2) فبراير 2014م بهدف التحضير إجراء محادثات سلام بين الجانبين بغية التوصل إلى حلول سياسية تنهي الأزمة والحرب الدائرة منذ ما يقارب أربعة أعوام حيث دخلت على إثرها سوريا معترك العنف السياسي لتأخذ أبعادا إقليمية ودولية تداخلت بين مؤيدين للنظام السياسي القائم وأخرى معارضة له.
وتأتي تلك المباحثات التي ترعاها روسيا الاتحادية في الظرف الراهن بعد اقتناع العالم بأن لا بديل لحل الأزمة السورية إلا الحوار حيث أكد الرئيس بشار الأسد على أن النزاع في سوريا لن ينتهي إلا بحل سياسي مشيرا إلى أن اللقاءات في موسكو بين النظام وشخصيات معارضة تهدف إلى تعبيد الطريق أمام محادثات أكثر جدية في المستقبل.
وتشكل المبادرة الروسية أهمية بالغة ونقطة تحول بالنظر لما تشهده سوريا من أحداث دامية ضمن معادلة مغلقة لا غالب فيها ولا مغلوب كون دمشق خسرت كثيرا من الحرب الدائرة سواء أكانت تلك الحرب بين الجيش السوري أو المجاميع المسلحة أو حربا بالوكالة بين دول عديدة وسوريا فهي بالتأكيد ألحقت أضرارا بشرية ومادية وأثرت تأثيرا بالغا على البنية التحتية للدولة السورية وأتضح بما لا يدع مجالا للشك بأن ما تواجه سوريا حاليا ليست ثورة شعبية ولا حركة ربيع عربي وإنما حرب صهيونية بدعم ومؤازرة القوى الامبريالية الساعية لإيجاد شرق أوسط جديد بلا سوريا العربية والقومية.
فالقوى الدولية لا يهمها انتصار المعارضة أو النظام السوري بقدر ما يهمها مصالحها القائمة بدرجة أساسية مراعاة أمن واستقرار الكيان الصهيوني خاصة في ظل عدم وجود معارضة سورية حقيقية ولا موحدة ولأنها متعددة الأطراف مشتته الرؤى وقد كان الرئيس السوري محقا عندما أبدى تساؤله مع من نتفاوض ومنهم الأشخاص الذين سنتفاوض معهم يمثلون أي جهة.
كون أولئك لا يحملون إلا معاول الهدم لأنهم تخلوا عن انتماءاتهم في ارتهانهم للخارج ساعين إلى القضاء على سوريا الحديثة واستبدال دولتها الحديثة بكنتونات طائفية وكيانات متناحرة حسدا من عند أنفسهم وحقدا أسودا في قلوبهم لأن سوريا كانت واحة للأمن والاستقرار طيلة عقود مضت واستطاعت عبر حكوماتها المتعاقبة أن تحرز تقدما ملموسا في الجانب الاقتصادي مقارنة ببعض البلدان العربية.
والتي باتت مستهدفة بدرجة أساسية جراء حجم المؤامرة الكبيرة عليها ضمن مخطط صهيوني كما أوضحنا لا يتوقف عند إسقاط النظام السياسي القائم فحسب وإنما استهداف سوريا وإخراجها من معادلة الصراع مع العدو الإسرائيلي.
وهو ما يتطلب من الفرقاء السياسيين داخل المشهد السياسي السوري نبذ العنف وتغليب لغة العقل والمنطق والعمل على تجنيب بلدهم الأزمة والحرب والتشظي السياسي وعلى أن يكون اجتماع موسكو فاتحة لانطلاقة جديدة لما من شأنه إجراء حوار وطني سوري شامل لأن مستقبل سوريا أمر يقرره السوريون أنفسهم وليس الخارج.

قد يعجبك ايضا