لم يعد التهديد الذي تواجهه المواقع والمعالم التاريخية والأثرية يتمثل في عمليات النهب والتخريب فحسبº بل تعداه إلى دخولها في أتون الصراعات والمواجهات المسلحة وهذا ما يشكل تهديداٍ خطيراٍ يضاف إلى سلسلة التهديدات التي تواجهها هذه المواقع والمعالم وما إن تهدأ هذه المواجهات والمظاهرات في محافظة حتى تشتعل في محافظة أخرى ولعلنا بالأمس القريب كنا نعيش على مدينة ثلا في عمران وبعدها صرواح في مارب وبراقش في الجوف والعامرية في البيضاء وشبام حضرموت وغيرها.
وها نحن اليوم ننظر إلى المواقع والمعالم التاريخية الأثرية في مدينة عدن بخوف برغم أن ما يحدث في هذه المدينة الحضارية لا يتجه نحو الصراع المسلح كما في المحافظات السابقة إلا أن المختصين والمعنيين بالحفاظ على هذه المواقع يخشون أن يستغل بعض ضعاف النفوس ما يحدث في المدينة من مظاهرات واعتصامات ومسيرات ويعمدون إلى الإضرار والعبث بهذه المعالم خاصة ما يواجهه المعبد الهندي من مؤامرة تستهدف النيل منه فما حقيقة هذه المؤامرة وما هي الأخطار التي قد تتعرض لها المعالم التاريخية والأثرية في عدن¿
بداية يقول الأخ مهند السياني –رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف: ان الهيئة باتت تخشى على كافة المواقع الأثرية في مختلف المحافظات في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلد وعدن تحظى باهتمام خاص كونها مدينة تمتلك الكثير من العالم والمواقع الأثرية لما لها من تاريخ عريق موغل في القدم ارتبط بموقعها الفريد.
ولهذا تتابع الهيئة وبقلق بالغ مجريات الأحداث في هذه المدينة الحضارية العريقة ونحن على تواصل دائم مع فرع الهيئة في عدن بهدف حماية تلك المواقع والمعالم وإن كانت الإمكانيات غير متوفرة وتكاد تكون معدومة إلا أن هذا واجبنا تجاه تراث وحضارة البلد.
وعبر السياني عن أمله بوعي وحرص أبناء مدينة عدن وحبهم الكبير لتاريخهم وبالتالي سيكونون أكثر حرصاٍ على تلك المواقع والمعالم التي تشكل في مجملها قيمة حضارية تدل على عراقة وأصالة هذه المدينة وسكانها وبالتالي سيكونون حراساٍ وحماة لها.
القضية في المحكمة
وحول ما أشيع مؤخراٍ عن إقدام أحد المستثمرين على هدم واحد من أقدم المعابد الأثرية في مدينة عدن وهو معبد “جين” الهندي والذي بني في العام 1860م من قبل الجالية الهندية أوضح مهند السياني أن الهيئة ترفض تماماٍ أي اعتداء على هذه المعالم الهامة التي تشكل جزءاٍ من حضارة وتاريخ مدينة عدن ولا يجوز بأي حال من الأحوال المساس به.
وأضاف السياني: إن الأوقاف قامت بعمل عقد إيجار لأحد التجار الذي يريد استثمار المعبد والقضية في المحكمة بين هذا المستثمر ومدرسة غاندي القائمين على المعبد وتعاونهم الكثير من منظمات المجتمع المدني بعدن وهذا يدل على مقدار الوعي في هذه المدينة وحرص أبنائها على تراثهم وقد حاولت الهيئة التدخل وطلبت أن يدخل هذا المعبد ضمن إشرافها باعتباره موروثاٍ ثقافياٍ خاصاٍ بمدينة عدن ولكن وجدنا عدم تقبل من الهنود الذي يسعون للاحتفاظ به على أنه من أملاكهم الخاصة ولهذا آثرت الهيئة الابتعاد عن القضية ولكن ترفض بأي شكل من الأشكال الإضرار بهذا المعلم الأثري الهام.
جريمة
فيما اعتبر الأخ عبدالكريم البركاني –نائب مدير عام حماية الآثار والممتلكات الثقافية بهيئة الآثار والمتاحف- أن ما حدث لهذا المعبد الأثري الهام هو مؤامرة تستهدف القضاء عليه حيث تسعى إحدى الجهات الرسمية لبيعه لأحد المستثمرين وهذا المستثمر ينوي هدمه وهذا يعتبر جريمة في حق التراث الثقافي اليمني إذا لم تستشعر السلطات المعنية خطورة هذه المسألة ولعل إزالة أحد قصور مدينة تريم قبل أسابيع يعد جريمة تاريخية وحضارية لا ينبغي أبداٍ أن تتكرر.
وأشار البركاني إلى أن هذا المعبد وغيره من المعابد والكنائس في مدينة عدن تمثل رموزاٍ هامة للتسامح والتعايش الديني الذي ساد في هذه المدينة والذي يدلل على عراقتها ورقي سكانها.
وقال البركاني: كانت عدن ملتقى للكثير من البلدان بمختلف حضاراتها ودياناتها وذلك إبان الاحتلال البريطاني لها وكانت الجاليات متواجدة في هذه المدينة وبكثرة ومنها طبعاٍ الجالية البريطانية والجالية الهندية وغيرها الأمر الذي تتطلب بناء معابد وكنائس للعبارة لهذه الجاليات وباتت هذه المعابد والكنائس جزءاٍ من حضارة وتراث عدن تمثل لها أهمية بالغة وينبغي الحفاظ عليها وحمايتها خاصة في ظل الظروف التي تشهدها المدينة وحال انشغال الناس بالمظاهرات والاعتصامات وهو الأمر الذي قد تستغله بعض العناصر المتطرفة دينياٍ وتعمل على هدم تلك المعالم أو بعضها وهو الأمر الذي يجب أن تتنبه له الأجهزة الأمنية والسلطة المحلية لحماية تشديد إجراءات الحماية لهذه المعابد والكنائس وكذلك متحف عدن والذي لا يزال إلى اليوم يفتقر إلى الحراسات الأمنية رغم مخاطبة الهيئة للأجهزة الأمنية لتوفير الحراسة لهذا المتحف ولكن حتى الآن لا يتجاوب..
وأكد البركاني أن الأحداث حتماٍ تؤثر على المعالم والمواقع الأثرية خاصة إذا ما تم استخدامها من أحد الأطراف أو استخدمت كمجال دفاعي والخشية على الآثار المنقولة في المتاحف فقد أثبتت الأحداث السابقة أن المتاحف كانت تتعرض للنهب والسرقة في ظل التوترات فقد تعرض متحف عدن للسرقة في حرب1994م ولعل الهيئة قد احترزت في العام 2011م وقامت بإيداع القطع الأثرية الهامة في البنك الأهلي اليمني.
رمز للتسامح الديني
وتحدثنا إلى الأخ محمد سالم السقاف –مدير عام مكتب الآثار والمتاحف بمحافظة عدن- والذي أوضح أن معبد “جين” الهندي يعد رمزاٍ للتسامح الديني الذي كان سائداٍ في عدن ويمثل واحداٍ من أبرز معالمها الحضارية والأثرية وقال: دخل القائمون على المبعد وهم من الهنود الذين يمتلكون وثيقة ملكيته بإشكالية مع الأوقاف حيث قامت الأوقاف ببيع جزء من هذا المعبد “تحت المعبد” لأحد المستثمرين والتجار الذي بدوره يريد أن يهدم هذا الجزء ليقوم بعمل دكاكين على أنقاضه وهذا الأمر ترفضه هيئة الآثار والمتاحف جملة وتفصيلاٍ فهو معلم تاريخي وأثري وجزء من ذاكرة الشعب في مدينة عدن ينبغي الحفاظ عليه وحمايته وهذا من واجبات هيئة الآثار والمتاحف التي يقع على عاتقها حماية ذاكرة الشعب سواء الموجودة تحت الأرض أو فوقها والحفاظ عليها وهذا المعبد هو جزء من المسؤولية التي تقع واجبات حمايتها على الآثار رغم أن القائمين على المعبد وحتى الأوقاف لا يريدون أن يخضع هذا المعبد لسلطة الآثار باعتبار أن الهنود لديهم وثيقة ملكية منذ العام 1860م وهاهي الأوقاف تقوم ببيع الأجزاء السفلية لأحد التجار ليعمل بدوره على الهدم وهذا مرفوض من قبل الآثار والمتاحف والمساس به جريمة بحق تاريخ وحضارة اليمن ككل ومدينة عدن على وجه الخصوص.
النافذون من يعبثون
أما عن تأثير الأوضاع التي تشهدها مدينة عدن على المعالم الأثرية أكد السقاف أن أعضاء الحراك بدرجة رئيسية أناس يحبون مدينتهم ولم نشاهد أحداٍ منهم يعتدي على معلم أثري.
وأضاف: المتنفذون هم من يقومون بالاعتداء على هذه المعالم وأجهزة الدولة نفسها تمارس هذا العبث والتدمير فقد دمروا متحف عدن في التواهي الذي بني كأول متحف في المنطقة بتبرعات من أبناء عدن وتم تدميره وأقيم على أنقاضه مبنى حكومي” كذلك مبنى تاريخي آخر كان أول مبنى أنشئ كمنظومة للاتصالات على مستوى المنطقة أيام الاحتلال البريطاني وموقعه في التواهي هذا المبنى جاءت توجهات لهدمه ليتم البناء على أنقاضه مبنى جديد بحجة التوسع لإحدى أجهزة الدولة التي تتخذ منه مقراٍ والآن يتم تدمير المبنى لديهم إمكانيات وموازنات للتدمير والبناء ولكن ليس لديهم موازنات للترميم والصيانة أيضاٍ يتم الآن الإعداد لإنشاء مستشفى جديد في مدينة كريتر التاريخية التي أعلنت في العام 2006م مدينة تاريخية وبالتالي لا يجوز المساس بها أو تغيير ملامحها أو تشويه معمارها وتدمير مبانيها واليوم يريدون بناء مستشفى جديد على أنقاض مستشفى قديم تم بناؤه في فترة الاحتلال الأولى مع أن كريتر تحتوي ثلاثة مراكز صحية ومستشفيات حكوميات فضلاٍ عن المستشفيات الخاصة.
الحفاظ واجب
وهنا يوجه المهندس نبيل منصر –نائب رئيس الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية- نداء إلى كافة أبناء عدن للحفاظ على معالمهم التاريخية ومنها مدينة كريتر التاريخية والقلاع والحصون باعتبارها جزءاٍ من هويتهم الإنسانية والتاريخية التي تجسد أصالتهم وعراقتهم.
وقال: المعروف عن أبناء محافظة عدن وعيهم العالي وثقافتهم المدنية الأصيلة وهو الأمر الذي يجعلنا نطمئن لتراث هذه المدينة من معالم ومواقع ويفوت الفرصة على ضعاف النفوس الذين يسعون إلى الاستفادة من انشغال الأجهزة الرسمية وكذا المواطنين بما يحدث في الشارع من حراك سياسي ويعملون على ممارسة أحقادهم بحق تراث هذه المدينة والنيل من معالمها سواء بالتدمير أو العبث والسلب وغيرها من الأساليب التي تعانيها معالمنا التاريخية.