دراسة: معظم أبناء الأغنياء يعانون من الملل والاكتئاب و الإدمان


■ توفير كل ما يحتاجه الفرد ويتمناه بسهولة يحرمه من لذة الحياة

■ الملل يدفع بالبعض إلى الانحراف ومن ثم الانتحار

يعتقد الكثير من الأشخاص وخصوصا أصحاب الدخل المحدود أو قليلو الحظ في هذه الحياة أن السعادة بين الأسر يصنعها مقدار المال الذي تملكه هذه الأسرة أو تلك وأن هناك علاقة طردية بين المال والسعادة فكلما زادت الأموال وكثرت مواردها كلما زادت السعادة وتوسعت مداركها حيث إن الفقر والحرمان يزيدان من مشاكل الحياة وتعاستها ..
وهناك نظريات مضادة لهذا المعتقد ترى بأن السعادة والمال لا يوجد بينهما أية علاقة إطلاقا..
بين هذا وذاك تظهر نظرية أخرى مفادها أن المال يتسبب في التعاسة الأكيدة لأبناء الأغنياء وهو ما دفعنا لخوض عالم الترف والسعادة وأثرهما على الأبناء.
مِلل
بالرغم من حالة الترف والرفاهية التي يعيشها وإمكانية حصوله على أي شيء يتمناه بإشارة واحدة من إصبعه إلا أن الشاب عبدالله يعاني من التعاسة والكآبة في حياته.
عبدالله شاب في العشرين من العمر وأحد أبناء رجال الأعمال المرموقين عاش حياته منذ صغره طولا وعرضا كل شيء متوفر حوله حتى لبن العصفور كما يقولون إذا طلبه هناك من سيأتي به قبل أن يرتد إليه طرفه..
قال له أحد البسطاء ذات يوم عندما رأى علامات الملل والكآبة واضحة على وجهه : “احمد ربك على النعمة التي أنت فيها” فأجاب ساخرا: “خذوا هذه النعمة ودعوني أعيش سعيدا”.
هذه الإجابة أثارت فضولنا وسألناه عن سبب تعاسته إذا كانت الدنيا ملك يديه فلم يجد إجابة شافية وتعلل بقوله كلما في هذه الدنيا (زبل وممل).
وجود الأمل
على مقربة منا كان يقف الأخ فارس الهتار الذي جذبه حديثنا مع عبدالله فأصر فارس على الإدلاء بدلوه في هذا الموضوع قائلا: أحيانا تساعد وفرة المال على جلب السعادة إلى قلب الإنسان إلا أن بقائها غير مشروط ببقاء المال اذ سرعان ما يزول المال لكن السعادة قد تبقى طالما أردت أنت ذلك..
ويضيف بقوله : انظر إليِ مثلاٍ .. متزوج وعندي ثلاثة من الأبناء وليس لي وظيفة أو عمل ثابت نقتات منه تجد جيوبي أحيانا مليئة بالنقود وأحيانا أخرى تجدها خاوية على عروشها .. ادخل يدي فيها فتخرج بيضاء من غير نقود ومع ذلك لن تجدني تعيساٍ أو كئيباٍ قد أكون مهموما ولكن الأمل موجود..
كسب ذاتي
ويوافقه في الرأي المهندس عقيل صالح نصاري إلا انه يشترط لكي تقترن السعادة بالمال أن يكون الأخير من تعب الشخص نفسه وعرق جبينه وليس من الآخرين .. فإذا عملت وأتقنت في عملك كسبت أكثر وكنت سعيدا وزادت ثقة الآخرين بك وثقتك بنفسك مهما واجهتك من مصاعب ومحن فكل مشكلة ولها حل ولن يجد الملل أو الكآبة إلى قلبك طريقا..
الآباء هم السبب
أما الحاج حميد الجرادي الذي يعمل سائقا لدى احد الأثرياء فيرى أن الآباء وخصوصا الأغنياء هم السبب الرئيسي لسعادة أو تعاسة أبنائهم ويتعلق ذلك بالتربية الصحيحة منذ الصغر..
ويقول الجرادي: بعض الآباء يتركون لأبنائهم الحبل على الغارب ويَدللونهم بشكل زائد منذ ولادتهم فينشأ الأبناء على مبدأ أطلب تجد وليس اعمل تكسب فإذا صادف بعد ذلك ولم تلب مطالبهم انقلبوا على أهاليهم بالمشاكل والمتاعب مما يحولهم إلى تعساء وأحياناٍ يصل الحال بهؤلاء الأبناء إلى الإدمان والانحراف ..
وينصح الحاج حميد الآباء أن لا ينشغلوا بأعمالهم عن تربية أبنائهم ومتابعتهم أولا بأول لمعرفة أين تذهب الأموال التي يدفعونها لهم فمهما اعتقدوا أن هذه الأموال هي مصدر سعادة لأبنائهم فقد تكون هي أيضا مصدر تعاستهم وفشلهم في الحياة..
إحباط
الاستشاري النفساني خليل العلوي من جهته أكد حقيقة أن نسبة كبيرة من أبناء الأغنياء هم أكثر تعاسة وكآبة من غيرهم مشيراٍ إلى أن واحدة من أسباب التعاسة هي الإحباطات والإخفاقات التي من الممكن أن يواجهها الشخص لنيل أشياء معينة .
فكون هؤلاء الأغنياء دائما يحصلون على مايريدون تكون هناك إحباطات كثيرة عندما يفشلون في الحصول على ما يريدون وإذا حصل على مايريد ووجده ليس كما كان يظن ويعتقد يصاب أيضاٍ بالإحباط لأنه نتيجة لتوفير هذه الأشياء ونتيجة وجودها في داخل محيطة يعتقد بأنه إذا حصل على الشيء الفلاني غير المتوفر في محيطة او المعتاد عليه يكون قد حقق سعادته..
ويضيف الدكتور خليل قائلا : حقيقة السعادة يجب أن تكون من داخل الفرد وبما انه يربطها بحصوله على الأشياء فقط فإن هذا الإنسان لا يستطيع أن يحس بالراحة والاطمئنان لذلك سوف يبقى متلهفا ينظر إلى سعادته في كسب الأشياء..
الشيء الآخر عادة الأغنياء أو أبناء الأغنياء ينظرون إلى أنفسهم من قيمة المال وليس من قيمة الذات وبذلك لا يجد نفسه إلا بوجود المال فعندما يسمع أن شخصاٍ ما لديه شيء أفضل مما عنده أو لديه أموال أكثر منه هذا أيضاٍ ممكن أن يؤدي إلى الإحساس بالتعاسة والإحباط..
دور الأسرة
وعن دور الأسرة يقول الدكتور خليل: على الأسرة أن تربي أبناءها على تحمل الصدمات وتحمل تأخير الأشياء وأيضاٍ تعلمهم الثقة في النفس وحتى لايكون الابن فاقدا للثقة في نفسه ويطلبها في وجود الأشياء بذلك عندما يخفق في الحصول عليها كما يظن وكما يريد لأن الأشياء موجودة ولكن نظرته من داخله للأشياء تجلعه يعتقد فيها ويعطيها معنى اكبر مما هي عليه في الواقع وذلك يؤدي إلى الفشل.
ثمن التمييز
في خضم بحثنا حول هذا الموضوع وجدنا دراسة متخصصة للدكتورة مادلين ليفين وهي عالمة نفس ممارسة بكالفيورينا تقدم استشاراتها للمراهقين من أبناء العائلات الثرية وخلصت من خلال ذلك إلى أن العائلات الغنية والثرية هي السبب فيما يعانيه أبناؤها من مشكلات في حياتهم ..
وترى عالمة النفس في دراستها التي بعنوان ثمن التمييز كيف يؤدي ضغط الوالدين والمزايا المادية إلى تكوين جيل من الأطفال غير السعداء وغير المترابطين..
ترى ان الثراء قد يجلب بعض السعادة الناتجة عن الإشباع المادي لمن يحققوا الثروة بعرقهم وكفاحهم خاصة إذا كان ذلك بعد فقر مدقع وحرمان ولكنه يؤثر كثيراٍ على الذين ينشأون في ظل هذه الثروة الأبناء متمتعين بها من أول يوم في حياتهم ولا يتعبون بفعل شيء لإيجادها هؤلاء هم من يعانون من ويلاتها ..
المبالغة في التدليل
وتركز الدراسة على أبناء الأثرياء في مراحلهم العمرية المختلفة (طفولة – مراهقة – شباب) مشيرة إلى أنهم من أكثر الأبناء إحساسا بالملل والتمرد وإصابة بالاكتئاب وعرضة للانحراف .
وترجع أسباب ذلك إلى التدليل الزائد من قبل أسرهم فجميع طلباتهم أو حتى اغلبها يتم تلبيتها فورا دون وجود أية عوائق تحول دون تحقيقها لذلك يصيبهم الملل فلا يوجد كفاح أو توتر ناتج عن احتمال إلا يتحقق الطلب ومن مظاهر الاكتئاب المصاحب للثراء كثرة الشراء أو مايسمى بجنون الشراء الذي يعزوه الكثيرون إلى توتر يحاول صاحبه تعويضه أو تغطيته بسلوكيات مبالغة مثل كثرة الشراء أو السفر الذي لا يعكس حب الاستمتاع بقدر ما يعكس قدراٍ كبيراٍ من الملل في حياة هذا الشخص أو قلقاٍ داخلياٍ وعدم استقرار..
وعدم الرضا
وتؤكد مادلين ليفين أن سنوات المراهقة والطفولة هي سنوات تكوين الشخصية وهي السنوات التي يتم فيها بث السمات والقيم التي ستبقى مع الشخصية طوال العمر فإذا دلل الآباء أبناءهم في هذه المرحلة أو أهملوهم فسينعكس ذلك على شخصيتهم سلباٍ ليس لفترة مؤقتة أو خلال هذه المرحلة فقط بل طوال حياتهم فلا يقدرون قيمة المال ولا العمل ولا يعرفون معنى الاستمتاع بالراحة والترفيه بعد العمل والقيام بالواجبات فتصبح الحياة فترة لهو واحدة ممتدة لا تغير فيها ولا استمتاع وتقدير لقيمتها ومن هذا الباب يتسلل الملل وعدم الرضا كما قد يحاول المراهقون إدخال بعض الإثارة والمغامرة في حياتهم بطرق غير مشروعة كاللجوء إلى المخدرات أو دخول عالم الإجرام ودون دافع مادي يدفعهم لذلك..
حلول
وتقول الباحثة إن بعض مشاكل هؤلاء تحل عندما ينضمون إلى آبائهم في أعمالهم فيبدأوا باستشعار لذة الاهتمام بشيء جاد وتحقيق مكاسب بالمهارة والعمل وليس بمجرد طلب النقود من آبائهم بعضهم تحل مشكلاته عند هذه المرحلة ولكن البعض الآخر – الذين يكونون أكثر حساسية – لا يحققون الإشباع المطلوب لأنهم لم يعالجوا السبب الأصلي والجذري للمشكلة.
مفهوم خاطئ
وتضيف : أعلم أنه لا يوجد أب أو أم في الدنيا لا يحب أبناءه ويرغب في العمل لمصلحتهم وصالحهم ولكن من الحب ما قتل فبعض الآباء يفهم خطأ أن الإغراق على الأبناء خاصة من الناحية المادية وتلبية جميع مطالبهم فورا ودون أي تأخير هو قمة العطاء التنشئة الجيدة ولكن هذه في الحقيقة هو قمة الخطأ فالاعتدال والإعداد الجيد الواقعي للحياة بحلوها ومرها هو ما سيفيد الأبناء حقاٍ في يومهم هذا وفي غدهم أيضاٍ..
ونظرة واحدة إلى أبناء الأثرياء المدللين تؤكد صحة تلك النظرية فأغلبهم ليسوا سعداء اليوم بما يغدقه عليهم آباؤهم ولن يكونوا سعداء غدا سواء استمرت ثروات آبائهم أم لا فالتدليل المبالغ فيه نتاجه الخسارة على كل المستويات وفي كل المراحل أما التنشئة السليمة ولا نقول البخل على الأبناء وحرمانهم فهي أفضل لضمان شخصية قادرة على تقدير النعم التي تحيط بها والإحساس بمن هم أقل منها ماديا والأهم أنها تكون قادرة على التكيف مع الظروف مهما كانت .
أولاد الذوات يعيشون الجحيم
وفي ذات السياق كشفت دراسة أخرى نشرها المرصد الفرنسي للمخدرات والإدمان أن أولاد الذوات على عكس ما يعتقد الكثيرون يعيشون الجحيم بعينه وذلك بالرغم من جمال المظهر والشباب والحيوية إلى جانب الثراء والفاحش الذي ينعمون به..
وتقول الدراسة إن مراهقي الأحياء الراقية يشربون ويسكرون ويدخنون بل ويتعاطون المخدرات بمختلف أشكالها كالعقاقير الطبية والكوكايين والحشيش على نطاق واسع وذلك مقارنه بزملائهم في الأحياء الشعبية..
وتعزو الدراسة هذه الظاهرة إلى المال الوفير الذي يدفع بصاحبه إلى الإسراف وطلب المزيد من المتع .

قد يعجبك ايضا