غزة المحتلة.. تحرر الإنسان

 عادل حويس

 

في حضن البحر بين نصل الحصار وأجنحة الدعاء تقف غزة، ليست مدينة فحسب، بل نشيد مقاومة نسج من حروف النار والدمع والكرامة. غزة المحتلة ذاك الاسم الذي كلما مر في عناوين الأخبار أو تردد على ألسنة العاشقين للحرية ارتجفت القلوب واهتزت الأرواح ليس خوفا بل إجلالًا.

منذ عقود طويلة وهي مصلوبة على جدار العالم تئن تحت وطأة القصف وتبتسم. يموت فيها الأطفال كما يولدون ويشيع الفجر فيها شهيدا كل صباح كأن الشمس لا تشرق إلا لتكتب اسما جديدا في سجل الخلود.

لكن ما لا يعرفه كثيرون أو يتغافلون عنه أن غزة لم تحتل يوما كما يظن الغزاة. صحيح أن الدبابات دخلت شوارعها وأن الطائرات جردت سماءها من الأمان وأن الحصار لفها ككفن ضيق إلا أن الإنسان فيها تحرر.

نعم.. تحرر من الخوف من الذل من الخنوع من وهم الحياة التي تعاش بلا كرامة.

في غزة لا يمشي الإنسان على الأرض بل فوق الشهادة. لا يتنفس هواء فقط، بل يملأ رئتيه بعزة لا تشترى. لا يكتب الشعر ولا يقرأ الكتب فقط بل يصوغ الحياة من ركام الموت. هناك المدرسة قد تكون خيمة والمستشفى غرفة بلا دواء، لكن الوجدان حي والكرامة في عنفوانها.

غزة المحتلة في عرف السياسة مقيدة محاصرة مهددة بالإبادة. لكنها في عرف الإنسان حرة شامخة عصية على الانكسار. فكم من مدينة فتحت أبوابها للغزاة وانكفأ أهلها في ظلال الخنوع بينما أغلقت غزة أبوابها وفتحت صدور أبنائها للرصاص مرددين: “نموت وتحيا فلسطين.”

ليس في غزة رفاهية لكنها تملك أغلى ما يمكن أن يمتلكه بشر: المعنى. هناك تسقى الأرض بالدم لا بالماء. وتزرع الآمال بين القنابل لا بين الأزهار. يربى الأطفال على لحن “العودة” لا على ترانيم الهروب. كل زاوية فيها تشهد أن الإنسان قادر على أن يسمو فوق الجراح أن يصنع من أنقاض الحلم فجرا ومن فقدان الأمل شمسا لا تغيب.

في غزة تحرر الإنسان. لا لأنه انتصر على آلة الحرب، بل لأنه اختار أن لا يهزم، أن يظل واقفا شامخا مستعدا للمواجهة حاملًا في يده حجرا وفي قلبه وطنا وفي عينيه قصيدة.

وغزة رغم كل شيء ليست قصة حزن فقط، بل قصيدة حب عنوانها: “نحن هنا.. ولن نرحل.”

 

 

قد يعجبك ايضا