
ثابت المرامي –
يحاول الحكي الروائي في سمته الحالية حشد الهموم الإنسانية كلها داخل المتن السردي ليحولها إلى عمل فني وإبداعي وسط زحام الممكنات وإغراءاتها للوقوف على بؤر أكثر توهجاٍ في أرض الواقع ولأن الرواية هي أكثر الأجناس الأدبية قابلة لتمثيل تلك القضايا º فهي تعطي انطباعا يستطيع القارئ من خلاله أن يتذوق سلطان الصياغات وانقلاب الأصول والأفكار كالذي يأتي بنص أسطوري مكتوب قد يمثل فيلم رعب حقيقي في الوقت المعاصر
كما في رواية (تراوديل ) فقد تشعبت النصوص الخرافية فيها لتشكل لنا مزيجاٍ من الأفكار والآراء المختلفة حول الأساطير والخرافات أضفت على النص رونقاٍ جمالياٍ في الخيال فمن خلال رصدنا لأنواع النصوص الخرافية داخل الرواية , في فصول أسماها الكاتب تراوديل , رمزية وكلب أسود أعور , قطط الغجرية , ألمانيا اليوم , الشيطان يغني , الثور , الهر الأسود , شيطان الخاتم
فكانت بذلك الرواية نصاٍ يحمل إشارات مفتوحة على عدد لانهائي من المثيرات والمضامين التي تضمنتها فصول الرواية وتضطلع بمهمة ثقافية تعيشها كثير من الشعوب بل وتسيطر عليها وأنها توصل معنى متكاملاٍ عن التجربة الإنسانية في تاريخها الماضي والحالي وتجعله منفتحاٍ على آفاق واسعة من الرؤى والأفكار داخل الرواية , وتعد الثقافة الشخصية إلى جانب موهبة القراءة عند المتلقي عنصراٍ أساسياٍ لفهم التجربة التي عمد اليها (ياسر عبد الباقي ) من خلال نصه الروائي (تراوديل) بأن يلامس ذلك الوهج الثقافي الخرافي وتصبغ روايته بالصبغة التي تحاكي الفكر الإنساني وتاريخه الفكري , فمن الفكر الإنساني القديم الذي سيطرت عليه الأساطير والخرافات والاعتقادات منذ الإنسان البدائي الى اليوم كتب الروائي ياسر عبد الباقي نصه تراوديل في ثمانية فصول تنفصل متنها عن بعض إلا في اٍخر الرواية تجتمع الخيوط في جامعة ألمانية يجتمع فيها أبطال الفصول ممثلة ببطلة القصة الأساسية الفتاة تراوديل التي اجتمعت خيوط الرواية فيها لتكون روحها . وهي الفتاة التي بدأت الرواية بها وانتهت بها كما حملت الرواية شخصيات شيطانية يلفها الغموض والتي تمثلت في . الكلاب. القطط . الثور . الخاتم .والشياطين واللون الأسود مع كل هذه الرموز , وهذه لها رمزيات أخرى تستحق الوقفة عندها ومناقشتها فهي تعتبر أولا ربطا بين الماضي والحاضر في رمزيات الاسطورة ومعانيها . ثانياٍ هي نفسها الرموز التي اعتقدت بها المجتمعات منذ بدأت الاسطورة تاريخها , ثالثا المعتقدات نفسها , أي هو نفسه العقل البشري لم يختلف في تفكيره حول الخرافات رغم تغير المكان والزمان والتفكير .. أيضا تعتبر هذه الرموز جسراٍ للتواصل والاتصال اتصال طرف بآخر في نفس الفكرة اتصال الماضي بالحاضر كمعتقدات وهي أيضا رموز تشكل واقعية الفكرة المتداولة تكراراٍ في المجتمعات التي اختارها (ياسر عبد الباقي ) كمسرح لروايته على اعتبار الواقعية التاريخية تبقى دوماٍ نواة لعملية الصوغ الفني ..
الرواية تذهب إلى استلهام دلالتها المفعمة بالحركة والخيال وتعكس محاكاة بارعة للمألوف السردي القديم لغة وحكاية وأجواء وهذا ما تقدمه لنا الأسطورة في كل مكان وزمان يواصل الط
فالأسطورة شكل من أشكال النشاط الفكري في الرواية فهي تؤدي طاقة نشاطٍ فكريٍ تسعى إلى تحرير العقل من سطوة الواقع والتحليق بالقارئ في ألم من الخيال يحاول فيه ترميم الواقع وتحاول البحث داخل الروح الإنسانية عن أجوبة لمخاوف وضغوطات نفسية يتعرض لها الإنسان في مسيرته الحياتية . كما أن الرواية خطاب أدبي يتناص بدوره مع التاريخ والميثولوجيا من ما يجعلها فضاء رمزيا قادر على الإيحاء والتأويل .
كما تتناص الرواية مع نظرية التلقي باعتبارها أحدث النظريات وأكثرها تداولاٍ منذ أن أعلن ( رولان بارت) موت المؤلف وميلاد القارئ أي أن هذا النوع من الأدب يلتقي فيه الباعث مع المتلقي (الكاتب والقارئ ) في تفسيرها واستقبالها وبذلك يكونان معادلة الإبداع فلم تعد القراءة فعلاٍ “بريئاٍ” إنها تمتلك سلطانا من الاحتواء ( احتواء النص ) وهذا ما أراد الكاتب إيصاله .
تتراوح أحداث الرواية بين الفجائعية على طول الرواية بدايةٍ من الكوخ المهجور والكلب الأسود الأعور . الشيطان الأسود . الهر الأسود . الساحر الأسود .اللون الأسود .. الخ .
بهذا السواد نرى أن الفضاء في هذه الرواية يتجاوز بعده الجغرافي والواقعي ليجمح بنا نحو رموز ضاجة بالدلالات العميقة في نفسية الشخصيات الروائية والشخصيات الشيطانية , بل إنها تمثل هواجسهم ومخاوفهم ماضيهم و طفولتهم وبذلك السواد يكون التأويل أكثر الأشياء ارتباطا بالشخصيات ومسارات الحدث فيها وهو انشغال تراكمي للدلالة على طول الرواية وذلك من حيث إنه كباقي العناصر التكوينية للخطاب الروائي يعيد القارئ بناء معناه ويشكل مظهراٍ من مظاهر نشاط القراءة .
إن هذه الاعتقادات التي تمارس كعبادة الشياطين وطقوسها , أو غيرهإ , هي اعتقادات تغوص في مكونات الواقع التي أمعنت في تغريب الإنسان وفي جعله نهباٍ للعزلة إن الأسطورة في الرواية تقدم نماذجاٍ إنسانية مغتربة عن الواقع ومتمردة على منظومة القيم السالبة لها وباحثة عن قيم بديلة تستعيد بوساطتها صلاتها بالواقع حولها وعلى نحو يؤكد الأطروحة القائلة إن الرواية نوع أدبي ولد كنتاج لتجربة التمزق الإنساني , إن هذه الأنساق التي تطرق إليها ( ياسر عبد الباقي) في روايته هي أمراض نفسيه يتعرض لها كثير من الأشخاص في كثير من المجتمعات , وبدفاع عن النفس تعزى دائما الى أشياء ميتافيزيقية . شيطانية خارجه عن نطاق العقل والمكان . ممثلةٍ في الأرواح الشريرة تلبس رمزاٍ حياٍ يراه المريض دائماٍ هذا على المستوى العام , وعلى المستوى العربي تتطور إلى جني أو شيطان يلبس الشخص كالملابس ليخرجوه في أماكن سميت التدواي فيها بالقرآن والضرب والصفع كنوع من العلاج وهي في الأصل أمراض نفسيه لا يستطيع من أصيب بها أن يتكلم عنها كونه في مجتمع محافظ كما سمي فتكون الاسطورة والخرافة الأقرب الى التفسير لحل هذا المرض . وقد تعالج الرواية أنواع من الاعتقادات الاجتماعية كونها موجودة في كل الشعوب العربية والاجنبية على السواء .
رواية (ياسر عبد الباقي )تملك تداخلا بين القيم الفردية و القيم الجماعية فهذا الوضع الغامض للأسطورة في النص الأدبي يبرز من حيث “الجمع بين الوصف و التأويل . فقد تطرق الكاتب الى النوع الأدبي الاسطورى كونه مجالاٍ مفتوحاٍ على المدهش والعجيب و الخارق و المعجزات بكل ما تحويه هذه الكلمات من معاني. إنها ضرب من الأسرار التي ينبغي الغوص في أعماقها لسبر أغوارها وكشف أسرارها فهي عالم ثري بالرموز و الدلالات وتحتاج إلى سنن و مفاتيح للكشف عن أقنانها إنها عوالم فسيحة رحبة تنضح وتصدح بالمتعة والمغامرة و تغري بالارتماء في أحضانها إنها رسالة تواصلية تنتظر من يفك رموزها لتشرع أبوابها ونوافذها للناظرين فيها , وما تزال رواية (تراودبل ) نصاٍ مفتوحاٍ للقارئ المعني بالكتابة . فقد تكون فيلم رعب , أو مرض نفسي يعانيه أشخاص , أو معتقد يؤمن به الكثير , أو كتابه أختص بمعناها الكاتب وعلى القارئ المتلقي أن يشاركه النص في فك شفراته ورموزه ..