كان الشهيد الزارع الأول لشجرة النضال السلمي


■ معاذ القرشي –
في الذكرى الثانية عشرة لاغتيال المناضل الكبير الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني الشهيد جارالله عمر لا تزال اليمن تدفع ثمن العنف والتطرف وكراهية لآخر لقد كان اغتيال الشهيد جارالله عمر تدشين للعنفوان فكر المطوية المشبعة بحقد الدهور من أجل الخلاص من اعمدة الدولة المدنية وقادة الرأي المؤثرين حتى تستطيع اعاقة الوصول الى مشروع وطني ينتصر للمجموع ويقدم المصالح الوطنية على ما عدها من المصالح الفئوية والحزبية ويكون خلاصة الخلاصة لنضال اليمنيين.
أستطيع أن أقول إن اغتيال السياسي والمفكر والإنسان جارالله عمر بلا منازع كان استهدافاٍ لفكرة هو صاحب الامتياز لها وهي فكرة النضال السلمي حيث راهن مبكرا على أن وعي الناس ومعرفتهم أين تكمن المصلحة الوطنية هو المنقذ والمخلص لليمنيين من واقع ضبابي كان يمثل معيقاٍ للرؤية وحده جارالله كان ينظر بعين ثاقبة للحركة الأحداث ونتائجها وبعقلية استوعبت من تجارب الماضي ومعطيات الحاضر ما يجعلها عارفة معرفة يقينية بما ستؤول إليه الأمور.

كان الشهيد جارالله عمر يدرك أن تقديس القوة والإفراط في استخدامها والدوس على كثير من الحقوق والحريات لذلك النظام أن يسقط نتيجة حتمية لرفض الإصغاء للشعب و معالجات أخطاء الماضي لكن في ذلك الوقت كانت آذان النظام صماء لا تسمع رغم ما أحدثته تجاوزاتها من تأثير مست حتى النسيج الاجتماعي للإنسان اليمني حينها.
وحده جارالله استطاع ومعه الكثير من القوى الوطنية أن يمتص الضربة الموجعة التي تلقتها قوى الحداثة بسبب حرب صيف 94 فقد استطاع جارالله أن يساهم بفاعلية في إيجاد كيان اللقاء المشترك ذلك الكيان الذي رغم تناقضه في الأفكار والأدبيات وحتى في القناعات الشخصية للقائمين عليه استطاع أن يتوحد مع القضايا الإساسية الهامة التي تمثل جوهر ما تحتاجه اليمن حينها وهي الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان وحرية الصحافة والتبادل السلمي للسلطة
لم يكن النضال السلمي في ثقافة جارالله عمر ترفاٍ فكرياٍ أو شعاراٍ ظل يردد بل قناعة اكيدة وايمان عميق من أن الشعب الني لم يعد يمتلك في مواجهة السلطة التي افرطت كثيرا في استخدام القوة الا الادوات السلمية للنضال لقد كان النضال السلمي حائلا بين النظام وبين نواياه المبيتة ضد الديمقراطية وحرية الصحافة و حقوق الانسان وهي الاهداف التي تحققت مع وجود دولة الوحدة الذي كان جارالله عمر أبرز رجالها المخلصين
نعم اغتيل جارالله عمر في مثل هذا اليوم قبل 12 عام على يد قاتل افرغ كل ما ملئ في عقله من افكار وحقد وتعصب ورفض للثقافة الآخر وصبها رصاص في جسد جارالله عمر النحيل وأعتقد من رتب للجريمة ومن تستر عليها ومن خطط لها أن اغتيال جارالله عمر ستكون النهاية لفكرة النضال السلمي لكن العظماء وكما يقال موتهم يكون بداية الميلاد فقد مثل اغتياله بداية تشكل وعي وطني بضرورة مواجهة الافكار المتطرفة المتحالفة مع النظام السياسي والذي كانت تمثل خط الدفاع الأول عنه وعن بقائه مستفرداٍ بخيرات ومقدرات وطن الى ما لا نهاية لكن التاريخ وكما هو دوما يقدم الدروس والعبر والتجارب الشاهدة على أن استخدام العنف للخلاص من المعارضين السياسيين يمكن أن يبدأ لكنه لا يتوقف حتى يشمل من بدأ به لقد وجدت في اليمن احداث حتى قبل هبوب رياح الربيع ا العربي وحقوق الانسان وكشف ما يمارسه النظام من أخطاء في الجانب الاقتصادي استطاعت كشف سوءات النظام في ما يتعلق بالتضييق على حرية الصحافة واسلوب إدارة البلاد والعمل على إنهاء الشراكة الوطنية من خلال السيطرة على أراضي الجنوب وتسليمها لمراكز النفوذ العسكرية والدينية وكان الشهيد جارالله عمر أبرز من أسس فكر المقاومة للمحاولات افراغ الوحدة من مضمونها والاستفراد بالسلطة .
والآن وبعد أن جرى في نهر الوطن كثيراٍ من المياه عندما تأتي ذكرى استشهاد جارالله عمر أتذكر ذلك الصباح الذي اجمع فيه نفر من القتلة أن يدفنوا قمراٍ وهو ينشر ضوءه حبا وسلاماٍ وتعايشاٍ وقبولاٍ للآخر ووئاماٍ لا ينتهي لهذا أدرك منذ ذلك الصباح المغدور وحتى الآن أن هذه البلاد بفقدان رجل بحجم جارالله عمر أصيبت في غياب أبرز أعمدة الدولة المدنية التي ضحى بحياته ثمناٍ من أجل تحقيقها وأن يلمسها ـ اليمنيون واقعاٍ معاشاٍ, لقد أدرك القتلة المأجورون مبكرا أن ثمار فكرك تنضج ويتناولها الناس ويلتف حولها الناس البسطاء زبدة هذه الأرض الولادة ببسطاء عظماء أغضبهم أن تستطيع أفكارك المتحررة على سلب مكانة وسلطة ونفوذ انتزعوها من عرق جبين الإنسان اليمني ولكن بكم هائل من المؤامرات والانتهاكات للقدسية المشروع الحداثي الوطني المتمثل بالوحد ة اليمنية لصالح بقاء سلطة لكنها مكبلة بالتحالفات الدينية والعسكرية والقبلية تلك التحالفات التي كانت دوما حجر عثرة في طريق بناء الدولة اليمنية الحديثة دولة المؤسسات والنظام والقانون.
علي أحمد جارالله السعواني وقاتل الأطباء في جبلة مروراٍ بذبح الجنود في حضرموت ومرتكبي جريمة العرضي وكل حملة فكر التطرف والإرهاب هم مجرد أدوات عمياء للقتل ستظل تمارس جرائمها طالما ظلت الحاضنات التي تمد القتلة بالاستمرارية وعوامل البقاء تعمل.
لقد استطاع الشهيد جارالله عمر بتلك الكلمات التي مثلت محاكمة عاجلة للقاتل ومن يقف خلفه أن يشخص أوجاع الوطن وهي الأوجاع التي مات من أجلها وفي سبيلها أما القتلة سيظلون في الجانب المظلم من التاريخ .

قد يعجبك ايضا