كتاب ورود بين الأشواك ..ثالوث العنوسة والمراهقة التجهيل


بشير المصقري –
تطرح الكاتبة والباحثة أمل الذماري في كتابها الصادر حديثاٍ ” ورود بين الأشواك ” سلسلة من القضايا الاجتماعية المتعلقة بالمرأة اليمنية والأثافي التي تحاصرها كإنسانة تعيش الوقائع والأحداث بطريقة اعتباطية حيث يتعامل معها محيطها باستلاب يجردها من آدميتها ويجاهر بتكريس هزائمها ودمغ مظلوميتها بإصرار من الآخر ودأبه لإبقائها ضحية ظروف بيئة لم تنقشع من سمائها غيوم التخلف ولم تختف من مدارها عواصف النزعة الوجودية التي يمارسها الرجل استناداٍ إلى مكبلات أخرى كالعادات والتقاليد وخلطها بمفهوم أخلاقي لا يرى ضيراٍ في تمكينها من حقوقها
تستند المؤلفة في مناقشة موضوعات المرأة والملتصقة بمسيرها ومصيرها إلى جملة من الأساليب الكتابية فتتناول هذه الظاهرة بطريقة بحثية وتلك باستبيانات وغيرها بمقالات إرشادية وتغوص في عمق المعضلات الحقيقية التي أدت إلى إظهار المرأة ككائن في الهامش يزداد وضعه الاجتماعي تعقيداٍ بالتقادم وسوء عبر الولوج إلى المؤثرات المحيطة بها والتشكيك بوجودها ليس كمخلوق بل كقيمة حياتية وكفرد في الأسرة وعضو في المجتمع يعتمد عليه في تطوير العيش وأساليبه
تحدد الكاتبة على الأحرى ثلاث قضايا هامة في حياة المرأة تتمثل أهم ثلاثة محاور في كتابها أولها قضية عزوف الشباب عن الزواج بالفتاة الجامعية واستهلت تناولها لهذه القضية بإيراد آراء حية لشباب متعلمين من الجنسين محاولةٍ إيجاد تفسير منطقي للنأي عن الاقتران بجامعية والتوجه للزواج من الفتاة القروية أو ربة البيت ثم تعرض في ذات المحور تزايد نسب العنوسة في أوساط من يشتغلن في الطب ومهن التمريض وخلصت المؤلفة من خلال بحثها الاستقرائي من الوصول إلى أهم أسباب انتشار العنوسة حيث ارجعتها إلى ثلاثة عوامل الأول انشغال الفتاة بالدراسة التي تستقطع سنوات طويلة من عمرها والثاني ضعف الوازع الديني والمغالاة بالمهور والإسراف والبذخ في حفلات الزواج لدى المقتدرين والثالث تأثر الشباب بحضارة الغرب
تأتي أهمية التناول لهذه الظاهرة أن المؤلفة سعت بحياد وموضوعية إلى كشف وإبراز مصادر هذه المشكلة لتطرقها الجريء إلى جملة من الحلول المتعارضة مع العادات البائدة والتقاليد الجوفاء التي تكفل القضاء على هذه الظاهرة ورصدت علاجها بدقة متناهية مؤكدة أن العناية النفسية بها وهي طفلة تخلق نتائج مماثلة من العناية بها وهي بين براثن العنوسة فإيجاد معنى للحياة عبر عدم التمييز بينها وبين إخوانها الذكور يكون امتداداٍ للشعور بأهميتها لدى أسرتها وهي شابة في عمر معرض للعنوسة الأمر الذي يمكنها من امتلاك ثقة تجعلها تعيش الحياة بطرق كثيرة بحسب خارطة الاحتياجات لها وخاصة في حالة تعذر الزواج وتتمكن في هذا المنعطف من خلق توازنات تعيد الاعتبار لوجودها لتتفادى العنوسة بنوعيها بحسب المؤلفة النوع الأول يتمثل في الفتاة غير الراغبة بالعنوسة والنوع الثاني في الفتاة التي اختارت طريق العنوسة بإرادتها بوعي أو بدون وعي وأوردت دلائل تشير بأن تفاقم خطر العنوسة يلقي بوباله على المجتمع وليس على العانس وحدها فقط فأضرار تأخير الزواج يؤدي إلى الوقوع في الرذائل وانتشار الزنا الذي يكون من أعراضه تفشي العديد من الأمراض العضوية والنفسية على الجنسين
وتعرض المؤلفة في المحور الثاني قضية المراهقة وأخطارها على الفتاة لكون هذا التطور الجسدي والنفسي يداهمها فجأة وينقلها إلى طيات سن حرجة يفترض عليها سلوكيات جديدة ربما تلازمها بقية حياتها وتحمل المؤلفة الأمهات المسؤلية المباشرة عن مستقبل سلوك بناتهن فهذا التطور الذي يحدث فجأة للفتاة لا يمكن إزائه إلا أن تكون الأم أقرب الكائنات لابنتها وعليها أن تصادقها وترفع كلفة الاحترام معها لتزويدها بالمعلومات الضرورية اللازمة عن ماهية النشاط الجنسي وإكسابها تعاليم سلوكية أخلاقية ودينية تتعلق بالحياة الجنسية لتقيها التجارب غير المسؤولة وكذلك إكسابها الخبرة الكافية التي تؤهلها لحسن التكيف مع أي مواقف جنسية قد تحدث لها مع ربط الأمور الدينية بالسلوكيات الجنسية من ناحية الطهارة والوضوء ومن ناحية الحلال والحرام وبالقدر الذي يناسب استيعابها وتضع المؤلفة اعتبارات هامة لمواجهة النزعات التي قد تطرأ على شخصية الفتاة المراهقة كالنمو العضوي المتسارع لديها المرافق للنشاط الفطري والغريزي الذي يحرك العواطف والمشاعر في مجال جديد يترك أثره على طبيعتها
أن العالم الجديد للفتاة في هذا السن يكسب الجمال العضوي لدى الفتيات أهمية استثنائية وكلما كان هذا الجمال منسجماٍ مع نظرتهن إليه يزداد الاستمتاع به فيتحول مع الوحدة إلى نوع من الهيام والعبودية والخطير أن هذا المنعطف يكون مصاحباٍ في العادة لحالة غرور وكبرياء محاصر بالحياء والخجل ما يتوجب على الأم استغلاله لتوجيه الفتاة إيجابياٍ
وتقدم المؤلفة نصائح للفتاة المراهقة أهمها تفهم أسباب أي اندفاع عاطفي من قبل فتاة مراهقة مثلها أو امرأة أخرى أو شاب بالنظر إلى مشاعر ذاتها كي يكون تصرفها في مثل هذه المواقف ليس حيال الجنس بل حيال التبريرات الغير منطقية لرغبة الجنس باسم الحب والهيام وأي شكل من أشكال سكب العواطف عبر وسائط كالهاتف أو باللقاء المباشر مع شاب يحاول استغلالها أو مراهقة أخرى يدفعها الشبق لتجريب التخلص من محمول الأعضاء الجنسية
وتركز المؤلفة في الثلث الأخير من كتابها على علاقة المرأة بالرجل وما يكتنف هذه العلاقة من حوليات ومخاطر باسم الصداقة التي تبدأ بالتواصل الطبيعي وبالتدريج قد ينتهج الرجل أساليب رخيصة للإيقاع بالمرأة باسم الصداقة وعن طريق المحايلة ومحاولات تقديم نفسه كصديق للعائلة ومساعد لها في أمر ما يتطوع لحل مشكلة من مشاكلها كما توضح الكاتبة أن لا علاقة لرجل بامرأة خارج محددات القرابات كزوج أو أخ أو أب أو خال أو عم معللةٍ مشروعية هذه العلاقة فقط وأفردت مساحة لا بأس بها لعلاقة الزوج لكونها ألذ علاقة للمرأة وأيضاٍ لجلبها للسعادة إذا ماحضر التفاهم بينهما على أسس من الحوار
الكتاب قدم مشاكل هامشية أخرى تواجه المرأة في حياتها وقدم الأسباب والحلول بأفكار رصينة وبطرح شفاف واعُ ومسؤول غاص في أعماق المرأة وتجول في أغوارها وناقش قضاياها التي تؤرقها وتراكمات هذه القضايا التي تشكل محمولات تعيق إرادتها وتكسر بلور طموحاتها والمثير أن التناول في مختلف قضايا المرأة لم يغفل أي مرحلة أو يستبعد أي محطة من حياتها من الطفولة فالمراهقة فمرحلة الشباب وتواصلاٍ مع مابعدها حتى مراحل أخيرة من العمر وزد على أن الآراء والأحكام والخلاصات والنتائج تستند إلى الشرائع والنصوص المقدسة والأحكام الدينية المْثل والأمثلة الحسنة المرتكزة على تجارب الحياة وذلك ما يرقى بالكتاب إلى مصاف الكتب الإرشادية والتوعوية المحفزة على أن تمتلك المرأة ثقتها بنفسها وتعيد ترتيب علاقتها بمن حولها على أسس من الحق
وعلى أن تكون المرأة مدرسة وغيمة ماطرة بالإلهام وأداة لصناعة السعادة الحقيقية لمن حولها بوصفهم متفاعلين اجتماعيين معها
ويبقى أن نشير المؤلفة وهي الأستاذة أمل ناصر ناصر الذماري كاتبة وباحثة اجتماعية وناشطة حقوقية وهي من مواليد مدينة ذمار حاصلة على الماجستير في التاريخ وقد اشتغلت طويلاٍ في حقل التربية كمدرسة ثم موجهة حتى عينت مستشارة لوزير التربية والتعليم في العام 2011م.

قد يعجبك ايضا