الثورة / يحيى الربيعي
في تطور يكشف عن منهجية أمريكية جديدة تستغل النفوذ التجاري والعسكري لتمويل خططها الاقتصادية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من المكتب البيضاوي، أن كوريا الجنوبية ستضخ استثمارات بقيمة 350 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي «مقدماً»، وذلك رغم تحذيرات رسمية من سلطات سيول من أن تنفيذ هذه المطالب دون ضمانات مالية قد يدفع البلاد نحو أزمة مالية خانقة.
وقائع الإعلان وتأكيد الضغط
جاءت تصريحات ترامب في سياق استعراضه لحصيلة سياساته الجمركية الجديدة، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة حصلت أيضاً على 550 مليار دولار من اليابان. وقد أكد الرئيس الأمريكي تفاصيل الصفقة التجارية التي تم التوصل إليها في أواخر أغسطس الماضي، والتي تتضمن فرض رسوم بنسبة 15 % على الواردات الكورية الجنوبية، بالإضافة إلى الالتزامات الاستثمارية الضخمة.
وبحسب ما أعلنه ترامب على منصة «تروث سوشال»، فإن الالتزامات الكورية الجنوبية تشمل:
استثمار 350 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي.
شراء منتجات طاقة أمريكية بقيمة 100 مليار دولار.
فتح الأسواق الكورية بالكامل أمام الصادرات الأمريكية من السيارات، والشاحنات، والمنتجات الزراعية.
تحذيرات سيول المخنوقة
تُظهر المعلومات الواردة أن هذا الاتفاق تم في ظل ضغط أمريكي مكثف دفع كوريا الجنوبية نحو تكرار «النهج الياباني» في صفقاتها مع واشنطن. وكان الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونج قد حذر الأسبوع الماضي بوضوح من أن بلاده «لا تستطيع تحمّل كلفة إعادة هيكلة استثماراتها على الطريقة اليابانية»، مشيراً إلى أن غياب الضمانات المالية مثل اتفاقات مبادلة العملة قد يُعرّض الاقتصاد الكوري الجنوبي لأزمة حادة، خاصة في ظل التحديات الداخلية القائمة مثل تباطؤ النمو وارتفاع تكاليف الطاقة وضعف العملة.
في المقابل، التزمت الحكومة الكورية الجنوبية الصمت الرسمي تجاه تصريحات ترامب، حيث اكتفى مسؤول حكومي بالقول: «لا تعليق على تصريحات ترامب». ومع ذلك، أكد المسؤول أن موقف بلاده يقوم على التفاوض وفق مبدأ حماية المصالح الوطنية وضمان الجدوى التجارية لأي اتفاق مع واشنطن، في محاولة لتحقيق توازن دقيق بين الاستجابة للضغوط الأمريكية والحفاظ على استقرارها المالي.
تمويل الحليف مقابل الاستغلال
يؤكد مراقبون أن الإعلان عن هذا المبلغ يمثل تحولاً جذرياً في طبيعة العلاقة الاقتصادية بين واشنطن وسيول، إذ تسعى الإدارة الأمريكية لتثبيت نموذج يقوم على إجبار الحلفاء على دفع مبالغ ضخمة مقابل امتيازات تجارية وأمنية.
وترى واشنطن أن هذه الاستثمارات تعزز الاقتصاد الأمريكي وتدعم خطط إعادة توطين الصناعات الحيوية، بينما يمثل ضخ هذه الأموال جزءاً من استراتيجية الضغط على الحلفاء الآسيويين للمشاركة في تمويل القواعد العسكرية والوجود الأمريكي في المنطقة.
فيما يشير محللون إلى أن إصرار ترامب على الإعلان عن أرقام الاستثمارات قبل اكتمال تفاصيل التنفيذ يعكس رغبته في تسجيل إنجاز اقتصادي وسياسي داخلي، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية الأمريكية.
وفي نهاية المطاف، يكشف هذا الملف عن نموذج متزايد الحضور في السياسة الاقتصادية الأمريكية، يقوم على استخدام النفوذ التجاري والعسكري لدفع الحلفاء نحو تمويل خطط واشنطن الاقتصادية، ما يضع سيول أمام اختبار صعب لتحقيق التوازن بين تحالفها الأمني مع الولايات المتحدة والحفاظ على استقرارها المالي والاقتصادي الداخلي.
قد يعجبك ايضا