دراسة اقتصادية: استراتيجية التعدين في بناء الاقتصاد وتطبيق برنامج التوطين الصناعي في اليمن أمر ملح أمام صنّاع القرار
أكدت دراسة اقتصادية جديدة حملت عنوان «استراتيجية التعدين في بناء الاقتصاد وتطبيق برنامج التوطين الصناعي في الجمهورية اليمنية» أن تفعيل برنامج التوطين الصناعي ودعم المنتج المحلي، يعد أمراً ملحا أمام صنّاع القرار لتحويل قطاع التعدين إلى ركيزة ثالثة للتنمية الاقتصادية إلى جانب قطاع النفط والبتروكيماويات، وذلك من خلال إنشاء قاعدة صناعية إنتاجية تلبي احتياجات البلد.
الثورة / أحمد المالكي
الدراسة التي أعدها الباحث المهندس درهم صالح أحمد المنتصر- مدير إدارة التعدين بالشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية، وقدمت خلال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم، حصلت الثورة على نسخة منها، أوضحت أن التعرف على استراتيجية التعدين، وبيان أهميتها الوطنية في تحقيق الأمن الاقتصادي من خلال دراسة الموجهات الاقتصادية التي دُوِنَّت صياغتها بفكر القيادة الثورية وبالمنظور القرآني يعتبر من أهم أهدافها.
وبحسب الدراسة التي حازت على المرتبة الثالثة ضمن المحاور الاقتصادية في المؤتمر، فإن استراتيجيات التعدين تعتبر بالغة الأهمية في تعظيم الربحية للدولة والكفاءة والاستدامة في استخراج الموارد التقليدية، كما أن التعدين يعتبر موردًا رئيسًا للطاقة، حيث يُبرز دور قطاع التعدين في استخراج المعادن الأساسية مثل: النحاس والفضة والليثيوم والنيكل والكوبالت وغير ذلك، لاستخدامها في التكنولوجيا الحديثة والبنية التحتية للطاقة المتجددة.
واعتبرت الدراسة أن توطين الصناعة في اليمن يعد من القضايا الحيوية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، لا سيما في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه البلد، إذ تشير الأبحاث إلى أن تطوير القطاع الصناعي يتطلب إصلاحات هيكلية، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتحسين البنية التحتية لجذب الاستثمارات، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
تحديات
وبينت الدراسة أن الاقتصاد اليمني يواجه عدد من التحديات، التي تجعل من التوطين ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل، وأنه إذا ما اجتمع وعي القطاع الخاص وإرادة الدولة وإصرار المؤسسات الداعمة، فقد يمتلك اليمن من الموارد البشرية، والفرص الكامنة، ما يكفي ليكون قاعدة إنتاجية حقيقية في المنطقة، وهو ما يعني أن التوطين يجب أن يكون قضية استراتيجية تتصدر أولويات المرحلة المقبلة، لا مجرد مبادرات محدودة أو شعارات موسمية، فنهضة الأوطان تنطلق من المصانع، وتتحقق فعليًا عندما يكون الإنتاج المحلي مقدمًا على ما سواه.
ضرورة استراتيجية
وأشارت الدراسة إلى أن التحديات الاقتصادية والضغوط الخارجية التي تواجه اليمن تفرض ضرورة استراتيجية ملحة، لتحقيق الأمن الاقتصادي عن طريق توطين الصناعات ودعم الإنتاج المحلي، حيث تعتبر استراتيجية التعدين وبناء الاقتصاد من المواضيع المهمة، التي تعد من أولويات النمو الاقتصادي للدول، لا سيما تلك التي تمتلك ثروات معدنية.
وتهدف هذه الاستراتيجية وفق الباحث المهندس درهم المنتصر إلى تحقيق الاستغلال الأمثل لهذه الموارد، لتعزيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل، ولهذا فإن التوجه الاستراتيجي من قبل قيادتنا الحكيمة وفق المهندس المنتصر هو انعكاس حقيقي لرغبتها في التحول وإيجاد واقع ملموس لزيادة معدل النمو الاقتصادي، وتخفيض معدل البطالة ودخول اليمن في مؤشرات تنافسية دولية مع بقية دول العالم.
إشكالية الدراسة:
تبين أن دراسة توطين الصناعات تواجه تحديات منهجية وبيانية كبيرة، تتطلب تطوير مؤشرات دقيقة، وتكاملًا بين التحليل الكمي والنوعي، وفهمًا عميقًا للعوامل الاقتصادية والسياسية المؤثرة، ومعالجة هذه التحديات يعد ضرورية لوضع سياسات صناعية متوازنة ومستدامة، فالمشكلة هنا بحسب الدراسة تكمن في ضعف الاعتماد على الذات وهيمنة الواردات، وهدر الفرص المتاحة لتنمية قاعدة صناعية وإنتاجية محلية قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية وتحقيق التنمية المستدامة، لهذا لا بد من إثراء الدراسات المحلية، والتي تربط مفهوم توطين الصناعات، ودعم الإنتاج المحلي بالرؤية القرآنية، وفكر القيادة الثورية اليمنية المعاصرة، كإطار فكري وتنموي،
النتائج
وخلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج، تَبرز أهمها في استراتيجيات التعدين، لا سيما عند ربطها ببرنامج التوطين الصناعي، كون الاستثمار يعتبر ذا أهمية في الثروات المعدنية لتصبح رافدًا للاقتصاد الوطني من خلال الاستغلال الأمثل للثروات المعدنية في اليمن، خاصةً وأن الدراسة أظهرت أن عمليات التعدين والاستثمار في المعادن توفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، مما يسهم في الحد من البطالة وتحسين مستوى معيشة المواطنين.
وتؤكد الدراسة أن استراتيجية التعدين تهدف إلى جذب المستثمرين المحليين من خلال توفير التحفيز، الاقتصادي وتطوير البيئة الاستثمارية لتشجيع الاستثمار في القطاع.
كما اتضح من خلال الدراسة أن الموارد المعدنية المحلية قد تسهم في تعزيز الصناعات الوطنية من خلال توفير المواد الخام اللازمة، مما يعزز القيمة المضافة للصادرات لتسهم في تحقيق التنمية الصناعية.
وبينت الدراسة أن تحقيق الأمن الاقتصادي يتم من خلال عمل استراتيجية وطنية شاملة، مرتبطة بالإطار الفكري والتنموي للقيادة الثورية وبمنظور قرآني، لتفعيل برنامج توطين الصناعات ودعم المنتج المحلي.
التوصيات
وخرجت الدراسة بجملة من التوصيات، على رأسها إنشاء قاعدة صناعية إنتاجية قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية من خلال الموجهات الاقتصادية الاستراتيجية المبنية على المنهج القرآني المرتبط بفكر القيادة الثورية، ومشاركة كل القطاعات الحكومية الإيرادية والخدمية في التوطين الصناعي بما يلبي احتياجات كل قطاع من الخامات الصناعية.
وكذلك العمل على تكامل قطاع التعدين مع القطاعات الأخرى، وتوفير المواد الخام المطلوبة للصناعات المحلية.
كما أوصت الدراسة بأهمية إنشاء كيان اقتصادي سيادي، يشرف على تنفيذ برنامج التوطين الصناعي من خلال تأسيس لجنة فنية عليا لتوطين الصناعات ترتبط بجميع القطاعات الاستثمارية وتشرف عليها، مع أهمية تقليص الواردات وتشجيع المنتج المحلي، وتشجيع المستثمرين محليًا على الصناعات التحويلية لتعزيز القيمة المضافة.
كما خلصت الدراسة أن المقاطعة الاقتصادية للأعداء تعتبر تحفيزًا إجباريًا للاعتماد على الذات لتصنيع البدائل محليًا والنهوض والمساهمة في إيجاد مجتمع حر يعتمد على منتجاته الوطنية.
الآلية التنفيذية
وأوردت الدراسة آلية تنفيذية تتمثل في إنشاء قاعدة صناعية إنتاجية قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية من خلال الموجهات الاقتصادية الاستراتيجية المبنية على المنهج القرآني المرتبط بفكر القيادة الثورية.
ووضع خطة عمل متكاملة لتنفيذ مشاريع التعدين من خلال (تفعيل الدراسات الفنية، إيجاد الميزانية، توفير البنية التحتية)، ووضع جدول زمني لتنفيذ هذه الآلية وتوزيع المهام، والمراقبة والتحكم والتقييم، ووضع الاستراتيجيات والخطط للبدء بالتنفيذ، وذلك إشراف ومتابعة رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، واللجنة الاقتصادية العليا.
مع أهمية ربط وتنسيق قطاع التعدين بجميع القطاعات، ومشاركة كل الجهات الحكومية الإيرادية والخدمية في التنمية وتطبيق برنامج التوطين الصناعي بما يلبي احتياجات كل جهة حكومية للوصول إلى اكتفاء ذاتي والاعتماد الكلي على المنتجات المحلية، وكذلك تفعيل القطاعات ذات الأولوية في الصناعة، مثل: القطاع الزراعي، والقطاع الطبي، والقطاع العسكري، وكذا وضع استراتيجيات داخلية في إطار المؤسسات، ووضع خطط تمويلية للمشاريع من خلال الدخول في شراكة مع المستثمرين المحليين وإنشاء صناديق اكتتاب خاصة بالموظفين في كل مؤسسة حكومية، وتشجيع المنتجات الوطنية وتشجيع المستثمرين المحليين، مع ضرورة تقليص فاتورة الاستيراد ومقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، وتصنيع البدائل من المنتجات محليًا، وتفعيل برنامج التحفيز الاقتصادي، عن طريق هيئة الاستثمار، ووزارة الصناعة والتجارة.
أربعة فصول
وتضمنت الدراسة أربعة فصول، تناول الفصل الأول الإطار العام للدراسة، وتعريف التوطين الصناعي وأهميته الاستراتيجية، ودراسة التوطين الصناعي من منظور قرآني وعلى ضوء فكر القيادة الثورية (الشهيد القائد حسين، والسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي)، وتضمن الفصل الثاني التعدين في اليمن ومواقعه، وتحليل الفرص التعدينية بنظام (SWOT)، وتضمن الفصل الثالث دراسة تحليلية عن الآلية التنفيذية لتوطين الصناعات التحويلية من الخامات المحلية، وتحليل شامل عن التخطيط القومي لتنفيذ آلية التوطين، ومناقشة تفعيل القطاع التعديني، ورسم الخطط والبرامج العلمية لتنظيم هذا القطاع، وتضمن الفصل الرابع دراسة ميدانية تطبيقية حول احتياجات الوزارات والمؤسسات الحكومية من الموارد المعدنية، التي سيتم توطينها محليًا وتحليل تجربة التوطين الصناعي التي نفذتها وزارة الزراعة والنتائج والمعوقات.