رأي في الخذلان العربي للقضية الفلسطينية

طاهر محمد الجنيد

 

من ينطق باللغة العربية عربي، لأن الله سبحانه وتعالى يؤكد ذلك((بلسان عربي مبين)) فكل من يتحدث بها يعتبر عربيا ولو كان لا يحمل جنسية عربية بخلاف ذلك من يتحدث لغة أخرى فلا يعد منتسباً لها ما لم يحمل جنسية البلد المتحدث والناطق بها.

هذا الثراء اللغوي عده البعض نقيصة وذهب للحط من قدر اللغة وأهلها، لأن العرب هم مادة الإسلام وخامته؛ ولأن الزمن غير الزمن فقد وجدنا اليوم كثيراً من الناس يتحدثون العربية، لكنهم داعمون للإجرام الصهيوني ووجدنا صهاينة يتحدثون العربية يفتون بالجهاد وشعائر الإسلام سواء في عاصمة كيان الاحتلال أو في عواصم الدول العربية والإسلامية التي سلمت لهم مقاليد الأمور الدينية والدنيوية، يتكلمون باللغة العربية لصالح العبرية دعما للإجرام والخذلان .

من محاسن العرب في جاهليتهم إغاثة الملهوف وإكرام الضيف ولا يستجيزون الغدر ولا يفرون من المواجهة، أما هؤلاء الذين يدّعون أنهم عرب يصدق فيهم قول الشاعر الكبير عبدالله البردوني :(عرب ولكن اللب أمريكان).

قدم الإجرام الصهيوني والتحالف الصهيوني والعالم الغربي عموما دروسا كثيرة للعرب في الغدر والإجرام وسفك دماء الأبرياء لكنهم لم يتعلموا منها شيئا وهو ما أكده مفتش الأسلحة الأمريكي (سكوت رير) بأن أمريكا ليس لديها حلفاء، بل أنظمة تعمل لصالحها وتسيطر عليها وهو ما قاله قادة الكيان الصهيوني بعد الاعتداء على قطر بأنهم لن يتورعوا في استهداف من يريدون في أي مكان ولن يردعهم شيء.

الاستهزاء والاحتقار للأنظمة والاستعلاء والكبر مرجعه إدراكهم أن معظم الأنظمة لم تأت بإرادة الشعوب ولا باختيارها، بل أتت على ظهور الدبابات أو من خلال تنصيب السلطات الاستعمارية لها بعد اندلاع الثورات ضدها، ومن المستحيل أن تقف في مواجهة الاستعمار أو تعارض سياساته مهما كانت .

الديمقراطية والتعددية السياسية مسار آخر يتحكم به الاستعمار في مصادرة القرارات السياسية، وإذا حدث ما لم يكن في الحسبان فسرعان ما يتم إجهاضها بأدوات السلطة, من يصل إلى كرسي السلطة أو الحكم بأي شكل من الأشكال، فهو الشرعية ولا يمكن أن يتخلى عنها إلا بانقلاب أو تدخل العناية الإلهية .

من يحسبون أنفسهم حلفاء لا يدركون أن الغرب ليس له إلا حليف وحيد، هو الكيان الصهيوني، أما الأنظمة فهي تحت السيطرة وإذا لم تنفذ ما يُطلب منها فسيتم التخلص منها.

أجندات هذه الأنظمة تتلخص في محاربة الإسلام والعروبة وتشجيع كل الاختلافات الإثنية والعرقية والطائفية وغيرها، حتى لو كان الأمر في مواجهة إرادة شعوبها .

حماية الحدود والاحتراب عليها ومحاصرة البلدان بعضها البعض أهم بنود البقاء والاستمرار، مع أنها حدود رسمتها الإمبراطوريات الاستعمارية تنفيذا لسياستها -فرق تسد-, يستطيع اليهود والنصارى وغيرهم تجاوز كل الحدود المصطنعة دون أية عوائق أو صعوبات، لكن العربي والمسلم لا يستطيع وهو ما قاله السياسي البريطاني «جورج جلوي» ((الحدود لتقييدكم انتم أما الآخرون فلا تعيقهم)).

المُخرج العالمي مصطفي العقاد -رحمه الله- تحدث عن تجربته مع الحدود، فقد كان يحمل جنسيتين أمريكية وعربية، وصل إلى مطار عربي وأخرج جوازه العربي، فاستمرت إجراءات التفتيش له أكثر من ثلاث ساعات ومرة أخرى وصل إلى ذات المطار لكنه أخرج جوازه الأمريكي، فلم يمض عليه سوى خمس دقائق وبدون تفتيش أو انتظار.

غزّة لديها معبران الأول مع مصر والثاني مع الأردن، لكن إدخال المساعدات الإنسانية لا يتم إلا بعد الإذن من سلطات الاحتلال، الأمر الذي جعل رجل أعمال فلسطينياً يطرح فكرة شراء معبر رفح من السلطات المصرية لإدخال المساعدات، مستندا إلى بيع السلطات المصرية لجزيرتي (تيران وصنافير) للمملكة السعودية وهي صفقة وافقت عليها كل الهيئات الرسمية المصرية رغم الآثار الخطيرة والكبيرة المترتبة عليها، من تدويل خليج العقبة وبالتالي السماح للاحتلال بإنشاء قناة بن غوريون التي ستؤثر على قناة السويس.

معبر الأردن أيضاً لا يسمح بدخول المساعدات الإنسانية حتى لو مات الناس من الجوع والعطش، لكن بإمكان النظام الأردني إنزال المساعدات جوا كأسلوب استعراضي لإغاثة من يموتون من الجوع. ناشطون أوروبيون أرسلوا المساعدات الإنسانية قافلة بعد أخرى عبر البحار إلى غزة؛ أما النقابات العمالية فقد هددت بإغلاق موانئ أوروبا أمام الملاحة الإسرائيلية إذا تم التعرض بسوء إلى القافلة.

القافلة الإنسانية التي أُرسلت، تم اعتقال معظم أعضائها في مصر ولم يسمح لهم بمواصلة سيرهم إلى غزة التي يموت سكانها من الجوع وبشهادة الأمم والمتحدة والعالم أجمع.

صمود غزة ودماء الشهداء، أدت إلى تحول الرأي العام العالمي لصالح مظلومية الشعب الفلسطيني ، فسلوفينيا اتخذت إجراءات متقدمة وإسبانيا اتخذت خطوات أقوى من كل الدول العربية والإسلامية حتى الآن، حيث وصف رئيس الوزراء الإسباني ما يقوم به كيان الاحتلال بأنه ليس دفاعا عن النفس وإنما إبادة لشعب أعزل؛ واتخذت الحكومة الإسبانية عقوبات ضد العدو الصهيوني تشمل الآتي: حظر توريد الأسلحة ومنع جميع السفن التي تنقل الوقود من استخدام الموانئ الإسبانية؛ منع جميع الطائرات من عبور أجوائها، وحظر دخول أي مشارك في جرائم الإبادة الجماعية وانتهاك حقوق الإنسان وجرائم الحرب إلى أراضيها؛ ووحظر استيراد منتجات المستوطنات، وتقييد الخدمات القنصلية لمن يحملون الجنسية المزدوجة؛ ودعم وكالة الأونروا بعشرة ملايين يورو لصالح سكان غزة وزيادة المساعدات الإنسانية لعام 2026م إلى 150 مليون يورو.

أما الأنظمة العربية فإنها مازالت تساعد كيان الاحتلال وترسل المساعدات برا وبحرا وجوا وهي تعي تماما أنها مساهمة في استكمال جرائم الإبادة والتهجير والقسري وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ويتعدى الأمر إلى المشاركة العسكرية من بعض الأنظمة، كما هو حال الأنظمة في الإمارات والسعودية والمغرب ومصر .

السلطة الفلسطينية من جانبها حريصة على إعانة كيان الاحتلال بكل ما أوتيت من قوة وما سخرت لها من إمكانيات من الشعب الفلسطيني ومع ذلك فقد سحب الاحتلال منها كل الصلاحيات واتهمها بالإرهاب وأعلن صراحة أنه لا يعترف بحل الدولتين، وهو ما أكدته الداعمة الأكبر للإجرام أمريكا والمتحالفون معها، وتكاد تتفق مع تصريحات الرئيس السيسي تماما بقوله (يهمنا أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي جنبا إلى جنب مع أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي)، أما الفلسطيني فلا مكان له في اهتمامات الأمن لدى هذه الأنظمة.

الدبلوماسي البريطاني (كريغ موراي) قال: لن تدعم الأنظمة العربية فلسطين أبدأ، لأنها تعتمد على الأمن الأمريكي والإسرائيلي لحمايتها من شعوبها، إنهم أغبياء جدا وقمعيون للغاية لدرجه أنهم لا يفهمون أنهم إذا دعموا فلسطين لن يحتاجوا الحماية من شعوبهم.

ما قاله كريغ مواري غير سديد، لأن الشعوب تحمى من جاء بإرادتها واختيارها، أما من وضعهم الاستعمار فهو يحميهم ويدافع عنهم، لأن المعلوم عن أمريكا أنها تتدخل لإسقاط من تختارهم الشعوب وتقوم بتعيين من يدينون لها بالولاء، مع أنها تدعي أنها تحمي الديمقراطية وحقوق الإنسان.

فإذا كانت لا ترضى بالديمقراطية التي لا تحقق مصالحها، فإن دعمها للطغيان والاستبداد من خلال الأنظمة الوراثية والانقلابية أفضل بكثير من التدخل لفرض الخونة والعملاء، سواء من خلال الانتخابات المزورة أو من خلال إسقاط المرشحين مباشرة وتعيين من ينفذون سياستها وهذه بعض أسباب الخذلان واستمرار الإجرام .

قد يعجبك ايضا