العدو الإسرائيلي يمارس الإرهاب في غزة بهدف الإرهاب، ودون الالتزام حتى بقواعد الحروب البدائية التي تحتقرها الإنسانية.
لقد تجاوز العدو الإسرائيلي بإرهابه المغول والتتار والصليبيين والفاشية والقبائل البدائية التي أحرقت البشر أحياء ـ كما يقال ـ حتى النازية تقف اليوم صاغرة في حضرة الإرهاب الصهيوني، الذي يتفنن في كيفية تعذيب أهل غزة بالجوع مرة، وبالحصار والعزل مرة، وبإحراقهم بالقنابل مرة ثالثة، بحجة حمايتهم من رجال المقاومة، والخوف على أطفالهم من الموت، ومن منطلق الحماية هذه، يتعمد العدو الإسرائيلي قصف أهل غزة بالصواريخ وإحراقهم بالقذائف، وهم في خيامهم، وفي مدارس الإيواء، وفي طريقهم للنزوح، وهم في طريق البحث عن وسيلة نقل، وهم يفتشون عن رغيف خبز، وهم يلهثون خلف شربة ماء، كل هذا القتل المتعمد يحدث عن علمٍ ودراية، ولا يحدث عن جهل بأحوال غزة وظروف سكانها، وتفاصيل حياتهم، ومن هذه الحقائق التي يعرفها الجيش الإسرائيلي بشكل جيد ما يأتي:
1ـ لا متسع في المناطق الجنوبية من قطاع غزة لمليون مهاجر جديد، ولا يوجد أي مكان فارغ لاستيعاب مليون لاجئ جديد؛ في الوقت الذي لا يوجد بيوت للإيجار، ولا مدارس إيواء فارغة، ولا مستشفيات يلجأ إليها المهجرون، ولا ربع متر من الفراغ، يقيم فيه النازح.
2ـ لا خيمة يمتلكها الكثير من أهل غزة، لكي ينصب أوتادها فوق الحجارة والركام، وذلك إن توفرت مساحة صغيرة على حواف الشوارع المدمرة.
3ـ لا يوجد مال مع الكثير من أهل غزة كي يدفع أكثر من ألف دينار أردني ثمن الانتقال من غزة إلى المنطقة الوسطى، وعلى الراغب بالهجرة عن بيته أن ينتظر عدة أيام، كيف يحجز وسيلة نقل.
4ـ وإن تحقق كل ما سبق للعائلة، فبعض أصحاب الأراضي داخل غزة، وبعض العصابات التي يرعاها العدو الإسرائيلي، ترفض السماح للمهاجرين بالإقامة فوق ما اتسع من الأرض خاصة، إلا بعد أن يدفع الأجرة، والتي بلغت 10 شيكلات عن كل متر مربع، فمن أراد أحدهم نصب خيمة مع منافع على مساحة 100 متر مربع، عليه أن يدفع ألف شيكل شهرياً، في الوقت الذي باع مدخراته قبل سنة، ليأكل بثمنها خبزاً.
5ـ من ادخر ليوم كهذا بعض الدنانير، هو مضطر أن يبيع الدينار الأردني بخسارة كبيرة، فكل 100 دينار تساوي في أسواق غزة المالية 350 شيكلاً فقط، في الوقت الذي يساوي سعر الدينار 470 شيكلاً في البنوك، وهذه خسارة كبيرة لمن لم يبق في جيبه إلا القليل من المال.
6ـ وإن اضطر المواطن الميسور في غزة لسحب بعض أمواله من البنوك المغلقة، لترتيب وضعه، فإن الصرافين يأخذون منه حوالي 40% من المبلغ المسحوب، بحجة عدم توفر السيولة.
7ـ الهجرة عن البيوت والمساكن في غزة للمرة الثانية، ولدت الإحساس لدى المواطنين، بأن لا عودة لهم إلى غزة إن تركوها، لذلك يرفض الكثير منهم الهجرة عن غزة، ويعرف أن كل عفش بيته سيدمر بشكل أو بآخر، لذلك قد يختار الموت على التشتت والضياع والهجرة الضالة.
8ـ الهجرة من غزة إلى الجنوب يعني البحث عن لقمة خبز قد لا يجدها في التكية، وقد لا يجد شربة ماء تبل الريق من عناء النزوح، وقد لا يجد حماماً، ولا دورة مياه، ولا حتى ورقة توت تستر شرف العائلة التي تعلق على الطرقات التي يخترقها الرصاص الإسرائيلي.
9ـ الهجرة عن فلسطين نكبة 1948م كانت أخف وطأة على الفلسطينيين من الهجرة عن غزة نكبة 2025م، فقد توفر للاجئين في غزة نكبة 48 الخيام، والطعام، والأمن، وتوفر للاجئين من فلسطين من يستقبلهم في أهل غزة، ويأويهم، ويوفر لهم مقومات الحياة، ولكن هجرة 2025م، لا يوجد من يمد يد العون والمساعدة للنازحين، ولا يوجد من يوفر لهم الخيام، أو الطعام أو حتى راحة البال، في ظل حصار إسرائيلي مدروس.
كل ما سبق تعرفه قيادة جيش العدو الإسرائيلي، وتعرفه المخابرات الإسرائيلية، ويعرفه جهاز الموساد، وجهاز الأمن القومي الإسرائيلي، ويعرفه رؤساء وملوك الدول العربية، ومع ذلك، فالعدو الإسرائيلي يواصل تدمير البيوت فوق رؤوس سكانها، بهدف إجبارهم على الهجرة، والنجاة بحياتهم، ليختار معظم أهل غزة أن يستقبلوا الشهادة، وهم في بيوتهم صامدون، ويختار بعضهم النجاة بأطفاله، والهجرة عن بيته في غزة مشياً على الأقدام، دون عفش البيت، ليمشي 15 كليو متراً على درب الآلام نفسه الذي مشى عليه آباؤنا وأجدادنا نكبة 48، ومشت عليه المجدلية.
هذا هو الإرهاب الإسرائيلي الذي لا يعادله إرهاب على وجه الأرض، والذي يستحث كل الضمائر العربية والغربية، وينادي على كل المؤسسات والمنظمات الإنسانية، ويستجير بشعوب الأرض، أن يصير التدخل السريع رحمة بأهل غزة، وشفقة على أطفالهم المعلقين على عواصف المجهول.
* كاتب ومحلل سياسي فلسطيني