21 سبتمبر والاقتصاد الوطني.. قراءة في خطاب السيد القائد عبدالملك الحوثي

محمد عبدالمؤمن الشامي

 

 

في العيد الحادي عشر لثورة 21 سبتمبر المجيدة، لا يمكن قراءة هذه المناسبة إلا من خلال عيون الاقتصاد الوطني الذي كان ساحة حاسمة للصراع قبل الثورة وبعدها. خطاب السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي كشف حقيقة صادمة: أن الاقتصاد اليمني لم ينهر بفعل الحرب أو الحصار فحسب، بل بفعل تبعية داخلية وفساد ممنهج صنعه الخارج وأدواته المحلية. هذه الثورة لم تكن مجرد حدث سياسي، بل كانت معركة استراتيجية لاستعادة السيادة على الموارد الوطنية، وإيقاف الانهيار الذي أرهق اليمنيين لعقود.
قبل 21 سبتمبر، كان الاقتصاد اليمني على شفا الانهيار الكامل، ليس بسبب عدوان خارجي أو حصار اقتصادي، بل نتيجة تبعية عمياء للخارج وفساد داخلي ممنهج. كانت السلطة السياسية مرتهنة للأمريكي وأدواته، والموارد السيادية – وعلى رأسها النفط والغاز – تُدار لصالح قلة من المرتبطين بالخارج. وحتى المنح والمساعدات والقروض الدولية لم تُترجم إلى تحسين حياة المواطن، بل تحولت إلى أدوات لإدامة الفساد والتبعية. وهكذا وجد اليمن نفسه، بلداً غنياً بالموارد، أمام خزينة خاوية واقتصاد منهار، في وقت لم تكن هناك فيه حرب أو أزمة تبرر هذا الانهيار.
ولعل أخطر ما أشار إليه السيد القائد هو أن الانهيار الاقتصادي لم يكن عرضيًا، بل جزء من سياسة الإضعاف والسيطرة. التبعية الاقتصادية تعني التبعية السياسية، وحين يكون قرار الدولة مرتهنًا للخارج، يصبح الفقر والفساد وسيلتين لإخضاع الشعب وحرمانه من أي مشروع استقلالي.
جاءت ثورة 21 سبتمبر لتكسر هذه الحلقة. الثورة لم تكن مجرد تصحيح سياسي، بل مشروع إنقاذ اقتصادي، هدفه استعادة السيادة على الموارد الوطنية، وضبط المال العام، وكسر أدوات الابتزاز الخارجي. ومنذ ذلك الحين، ورغم العدوان والحصار، أثبت الاقتصاد اليمني قدرة غير مسبوقة على الصمود. المفارقة الصارخة أن اليمن الذي انهار اقتصاديًا في زمن «السلام المزعوم»، استطاع أن يصمد في زمن الحرب والحصار، بفضل الإرادة الثورية والإدارة الوطنية للموارد.
كلمة السيد القائد وضعت معادلة واضحة: الاقتصاد قبل الثورة كان ينهار رغم الموارد، والاقتصاد بعد الثورة يصمد رغم شراسة العدوان وانعدام الدعم. هذه المعادلة تختصر جوهر التحول الذي أحدثته الثورة؛ من اقتصاد تبعي ينهار بلا مبرر، إلى اقتصاد مقاوم يثبت أن الإرادة الوطنية أقوى من كل أدوات الحصار والعدوان.
الصمود الاقتصادي اليوم لا يعني غياب التحديات، لكنه يعني أن اليمن يمتلك قاعدة صلبة للانطلاق نحو اقتصاد مستقل، يقوم على الاكتفاء الذاتي في الغذاء والإنتاج المحلي، وتحرير القرار المالي من الهيمنة الأجنبية. هنا تتجلى رؤية 21 سبتمبر: تحويل التحديات إلى فرص، والحصار إلى حافز للاعتماد على الذات، والموارد الوطنية إلى ركيزة للكرامة والسيادة.
إن قراءة كلمة السيد القائد في بعدها الاقتصادي تجعلنا ندرك أن معركة اليمن ليست سياسية أو عسكرية فقط، بل معركة وجود اقتصادي. فكما أسقطت الثورة رهانات الخارج على الانهيار السياسي، فإنها اليوم تسقط رهاناتهم على انهيار الاقتصاد. وما كان بالأمس اقتصادًا تابعًا يترنح تحت أيدي الخارج، أصبح اليوم اقتصادًا مقاومًا يصمد أمام كل الصعاب.
اليوم، يقف اليمن شامخًا، لا يستجدي المدد من أحد، ولا يخضع للتهديدات الخارجية، فثورة 21 سبتمبر حررت الإرادة قبل الأرض، والاقتصاد قبل القرار. لقد تحوّل الاقتصاد الوطني من مجرد أرقام هزيلة في خزائن خاوية إلى قوة صامدة تفرض كرامة وسيادة الشعب اليمني على كل المتربصين. كل حصار أصبح حافزًا، وكل تهديد فرصة لإثبات أن اليمن لا ينهار، وأن الإرادة الوطنية أقوى من كل أدوات الإضعاف.
ثورة 21 سبتمبر لم تكن مجرد يوم على صفحات التاريخ، بل كانت ولادة إرادة أمة، وإشراقة سيادة على أرضٍ وعزمٍ وقرار. إنها رسالة لكل من راهن على انهيار اليمن: كرامة هذا الشعب لا تُشترى، واقتصاده لا يُرهَن إلا لأهله. اليوم، ومع كل حصار وكل تهديد، يُثبت اليمن أن المستحيل ليس في قاموسه، وأن كل صعاب العدوان تتحوّل إلى وقودٍ لصموده، وكل قيودٍ مفروضة تتحوّل إلى جسورٍ نحو الاستقلال. بقيادة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، لا ينهار اليمن، ولا يخضع، بل يبني اقتصادًا قوياً، شامخًا، يليق بعظمة شعبه، ويؤكد أن المستقبل لمن يملك الإرادة، والقرار السيادي، والهمة التي لا تلين. هذه الثورة شعلةٌ متقدة، تنير دروب الحرية والاعتماد على الذات، وتعلن للعالم أن اليمن قادر على الصمود، قادر على البناء، وقادر على الانتصار مهما اشتدت الرياح.

قد يعجبك ايضا