الثورة /متابعات
لا يصحو أطفال مدينة غزة على محاولات الترميم أو بارقة أمل بانتهاء الحرب، بل على حقيبة صغيرة محشوة بما تيسّر من بقايا حياة، استعداداً للنزوح مجدداً نحو المجهول.
قرار عسكري إسرائيلي واحد، بكلمات باردة، اختصر مصير مدينة كاملة، وترك ربع مليون طفل في مواجهة واقع لا يحتمل.
نزوح بلا أفق
على مخارج المدينة المدمّرة، المشهد يتكرر: عائلات محمولة على التعب والخوف، نساء يضممن أطفالهن كأنّهن يحاولن زرع الأمان في قلوبهم الصغيرة، وأطفال أكبر سناً يسيرون صامتين وكأنهم أدركوا القسوة مبكراً.
دعكم من قدمي الطفل الذي يصرخ وراقبوا نظرات شقيقته التي يحملها، هذه الطفلة التي وُلدت في الحرب تظن أن العالم كله عبارة عن قصف وخوف وجوع ودمار
لا تعرف أن هناك أطفالا يصحون بهدوء ويتجهون للفطور ثم اللعب، هم لا يعرفون أن اللعب والأمان من حقوقهم
أنقذوا أطفال غزة وأعيدوا الحياة لهم
طفلة حافية القدمين تتشبث بدميتها الممزقة، تنظر إلى مدينتها كمن يودّع قلبه. طفل آخر يبكي لأنه نسي حقيبته المدرسية، بكل ما تحمله من ذكريات مع أصدقائه. فيما يسأل ثالث أخاه: “هل سنعود؟” سؤال بسيط، لكنه بلا إجابة.
طفولة بلا حقوق
في الطريق الطويل نحو الجنوب، الأطفال ليسوا مجرد ضحايا، بل أصبحوا معيلين لعائلاتهم، يحملون عبء جلب المياه، الوقوف في طوابير المساعدات، ملاحقة شاحنات الغذاء تحت شمس قاسية وقصف لا يتوقف.
مهام لا تليق بطفل، لكنها تحولت إلى واقع يومي في حياة صغار غزة.
أمهات يروين الألم
ميساء شعبان (42 عاماً) نزحت من شمال غزة إلى دير البلح، لكنها لا تعرف طعم النوم. ابنتها سجى (9 سنوات) تصحو ليلاً على صرخات كوابيس لا تنتهي، وتعيش نهارها في خوف مرضي. تقول ميساء: “طفلتي لم تعد تلعب، ولا تتحدث كثيراً، لا بيت، لا أمان، لا علاج… فقط انتظار الموت في أي لحظة”.
لمياء أبو شرخ (35 عاماً) فقدت بيتها، وتعيش مع أطفالها الثلاثة في خيمة وسط القطاع. ابنها خالد (11 عاماً) لا يتوقف عن السؤال: “وين نروح؟ متى أرجع على المدرسة؟” للعام الثالث على التوالي، حُرم من التعليم، وتقول والدته بأسى: “أشعر أنني فشلت كأم، لكن الحرب أقوى منا جميعاً.”
حتى الخوارزميات صارت أصدق من الإعلام.
إذا كان الذكاء الاصطناعي ينطق بصرخات غزة.. فلماذا سكتت ضمائر البشر؟!
غزة تروي حكايتها بأطفالٍ يطلبون خبزًا فيُقابلون بالقصف!#يوم_الجمعه
أما فاطمة الفار (31 عاماً)، فقد نزحت إلى مواصي خانيونس بعد أن فقدت زوجها تحت ركام المنزل. ابنتها ليان (5 سنوات) لا تكفّ عن السؤال عن والدها، وترتعب من أي صوت مرتفع. تقول فاطمة والدموع تخنق صوتها: “طفولتها ضاعت، وأنا عاجزة عن حمايتها”.
خوف لا ينتهي
داخل مخيمات الإيواء والمدارس المتهالكة، يعيش عشرات آلاف الأطفال في بيئة مكتظة، بلا مياه نظيفة أو مرافق صحية، محاطين بالنفايات والأمراض.
قُـصِٓفت خيمتهم، أُستُــشهِـدت الأم والأب..
أخرجوا الطفل من أحشائها بعمليةٍ قيصرية وكُتب له أن يكون الناجي الوحيد من أفراد عائلته مثل كثيرٍ من أطفال غزة.
إيمان مقداد (39 عاماً) لم تستطع النزوح بسبب الكلفة المرهقة، وتقول من خيمتها قرب جامعة الأزهر: “أشعر أننا محاصرون بالنار من كل الجهات. أطفالي لا ينامون، يركضون مذعورين مع كل انفجار، حتى صارت حياتنا كلها ترقب وخوف”.
جراح نفسية عميقة
الخبير النفسي درداح الشاعر يحذر من أن أطفال غزة يواجهون خطراً مركباً يتجاوز القصف والجوع والتعطيش.
يقول الشاعر: “الطفل الذي يعيش الحرب والنزوح المستمر مهدد بالقلق المزمن، والاكتئاب، واضطرابات ما بعد الصدمة، إنقاذ هذا الجيل يحتاج إلى تدخل عاجل، لا إلى خطابات فارغة”.
الحرب لم تسلب أطفال غزة ألعابهم فقط، بل سرقت حقهم في الأمان والتعليم والحلم بالمستقبل.
صاروا وجهاً لوجه مع المجهول، بلا سند ولا حماية، بينما يتجاهل العالم صرخاتهم، هؤلاء الأطفال لا يعيشون أزمة عابرة، بل مأساة متجددة، تُكتب كل يوم بدموعهم وخوفهم وصمتهم الثقيل.