ينبغي تقديم المصلحة الوطنية على الحزبية من أجل بناء اليمن الجديد


أكد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة تعز الدكتور محمود البكاري أن عدم الاستقرار السياس في البلاد من ابرز التحديات التي تحول دون تحقيق مشروع اليمن الحضاري والمدني ودعا البكاري كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية للوقوف صفاٍ واحداٍ من اجل تثبيت الاستقرار السياسي وتقديم المصلحة الوطنية على الحزبية.
وأشار إلى أن أعمال العنف والتخريب الحاصلة في بعض الأماكن في البلاد لها آثار اقتصادية مدمرة ومعيقة للحراك التنموي الذي تسعى الحكومة لتحقيقه.
وتحدث البكاري عن عدد من القضايا الوطنية الهامة وتشخيص الواقع وما يواجهه من تحديات مع وضع الحلول والمعالجات المناسبة.. في سياق هذا اللقاء

-برأيك .. ما هي أبرز التحديات التي تحول دون تحقيق مشروع اليمن الحضاري والمدني اليوم ¿
– أهم التحديات على الاطلاق تتمثل بعدم الاستقرار السياسي الامر الذي جعلنا اعجوبة بين العالم . على ماذا نتصارع ونحن بلد جمهوري ديمقراطي يفترض أن السيادة فيه للشعب على نفسه كونه مالك السلطة ومصدرها ولذلك اصبحنا نمثل نموذجاٍ سيئاٍ للجمهوريات والديمقراطيات قياسا بأنظمة ملكية وغير ديمقراطية وعلى مقربة منا فهي تنعم بالاستقرار الى حد كبير قياسا بنا ولذلك يمكن القول أن هذا الصراع السياسي ولد حالة التخلف السياسي التي نعيشها وبدوره أدى الى توليد حالة التخلف المجتمعي العام والسبب الأول والمباشر لهذه الحالة هم الحكام والقيادات السياسية والحزبية إضافة الى النخب الثقافية وبصريح العبارة نحن في اليمن نفتقد للسياسي المحترف الملتزم بقضايا شعبة ما لدينا هم هواة سياسة كذلك لدينا نخب ثقافية مشطرة وممزقة تبعا لحالة الصراع السياسي وكل نخبة ثقافية تدور في فلك نخبة سياسية مع أن الأصل هو أن تكون السياسية جزءاٍ من فعل ثقافي عام وليس الثقافة جزءاٍ من صراع سياسي عام تتأثر به وتقف عاجزة عن التأثير فيه وبالتالي نحن نفتقد الى المثقف العضوي المرتبط بقضايا مجتمعة والمعبر عن همومه ومصالحه ومثلما يتمتع السياسي اليمني بحالة من الانانية السياسية المعبر عنها بلغة الانا ونفي وإنكار صفة الـ(نحن)!!.
ثورات ومنجزات
-هل ترى أن الشعب اليمني اليوم حافظ على منجزات ثورته واقعا ¿
– ما يتعلق بمنجزات الثورة اعتقد اننا كيمنيين لم نستطع أن نقرأ أهداف الثورة اليمنية قراءة دقيقة وواعية ولذلك لم نتمكن من تطبيقها كما أراد رواد الثورة الاوائل وهذه الاهداف وان كانت مستوحاة من فكرة أهداف الثورة المصرية 23يوليو 1952م إلا أنها من حيث المضمون والصياغة خاصة بالواقع اليمني فهي تشكل منظومة متكاملة غير قابلة للانتقاء والتجزئة وكل هدف يمثل سببا ونتيجة للهدف الآخر وإذا ما حولناها الى قضايا مجتمعية فإن هذه الأهداف تشمل الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة والتنمية الشاملة والديمقراطية والحرية والسيادة ..الخ وبالتالي فإن السؤال عما اذا كان اليمنيون استطاعوا أن يحافظوا على منجزات ثورتهم يمكن أن يكون هل استطاع اليمنيون أن يحققوا اهداف ثورتهم فإذا كانت الاجابة بالإيجاب فإنهم استطاعوا أن يحافظوا على منجزات ثورتهم وأن كانت الاجابة بالسلب فانهم لم يتمكنوا من الحفاظ عليها بل ولا الحفاظ على ثورتهم وهذا هو الامر السائد فعلا لأنه ومنذ اكثر من خمسين عاما ونحن نحوم حول هذه الاهداف دون القدرة على النفاذ الى مضمونها شأنها شأن كل الدساتير والبرامج والمشاريع التي نقف عند حد الصياغة ثم نتصرف بشكل مغاير لمضمونها ونستطيع القول أن عدم الالتزام بتطبيق اهداف الثورة والحفاظ عليها ولد حالة من اللامبالاة في التعاطي مع قضايا الشأن الوطني ولذلك تسير حياتنا بدون تخطيط وبشكل شبه عشوائي.
إجماع دولي
-إجماع المجتمع الدولي على دعم تطلعات الشعب اليمني .. وأهمية هذا الموقف الدولي الموحد في صناعة الدولة اليمنية الجديدة ¿
– هناك نوع من الاستخفاف فيما يتعلق بالدعم الدولي أو الاقليمي لليمن سببه نحن اليمنيون بالدرجة الرئيسية فعلى المستوى المادي والبشري كم تكبدت اليمن من الخسائر بسبب حالة الصراع السياسي بين القوى السياسية ويكفي أن نقول كم خسرت اليمن على الاقل منذ العام 2011م هل نعرف حجم هذه الخسائر كسلطة أو كشعب أو احزاب سياسية ..الخ بالتأكيد لا وهنا تكمن المشكلة وهي اننا لا نقدر حجم التضحيات والخسائر وبالتالي من غير المتوقع أن نضع حدا لمسلسل الصراع السياسي والاتجاه صوب تحقيق الامن والاستقرار وحتى على المستوى البسيط وعلى سبيل المثال فالتاجر الذي لا يعرف مقدار أرباحه من خسائره بالتأكيد يفشل في تحقيق النجاح.
السياسة والاقتصاد
-الأزمة السياسية والاقتصادية .. كيف تسببت في خلق حالة التدهور على مختلف الأصعدة والمجالات¿
– أولا في إطار استمرار الأزمة الاقتصادية التي كنا ولا نزال نعاني منها فإن كل المحاولات السياسية لن تفلح في خلق الاستقرار ..فالسياسة يجب النظر اليها من زاوية الاقتصاد وتعزيز عمليات النمو مع تحقيق اكبر قدر من العدالة في اعادة توزيع ذلك النمو ..وما لم يتحقق ذلك سيبقى الصراع السياسي قائماٍ وفق منطق المحاصصة والغنيمة والاستملاك السياسي ومن هنا ستستمر حالات الغليان الشعبي وتزداد مظاهر الاحتجاجات وهي عملية قابلة للتصعيد بفعل عوامل داخلية وخارجية في أن واحد.. وعليه فإن غياب الوعي بأهمية تحقيق الاستقرار الاقتصادي وضعف حضور الدولة أو غيابها يعني استمرار الاحتراب والفوضى وهو المظهر السائد في هذا المشهد السياسي اليمني وهذا يحمل مخاطر كبيرة على مستقبل البلد خاصة مع وجود نخبة حزبية وسياسية مضادة لمصالح الشعب والوطن ..وتعد بمثابة وكيل للخارج اكثر من كونها ممثلة للداخل..¿ واعتقد اننا لو ادركنا خطورة الوضع وحافظنا على امكاناتنا المادية والبشرية فإننا لن نكون بحاجة كثيرا لأي دعم اقليمي أو دولي حتى فيما يتعلق بالحفاظ على الوحدة اليمنية التي يفترض أن تعزز كمكسب وطني اولا ولا يجب أن ترهن بمواقف الخارج والسؤال الهام ماذا لوكان الخارج يريد تمزيق اليمن فعلا هل سنقبل بذلك¿¿.
أعمال العنف
-أعمال العنف والتخريب والإرهاب .. ما هو أثرها على مشروع البلاد الحضاري¿
– العنف هو الاستخدام غير المشروع للقوة وعندما نقول الاستخدام غير المشروع نقصد أن الجهة الوحيدة التي لها الحق في احتكار استخدام القوة هي الدولة باعتبارها جامعا وطنيا مشتركا سواءٍ كانت القوة المادية المباشرة كالجيش والامن أو القوة الادبية والمعنوية والمتمثلة بتطبيق القانون على الجميع والهدف من استخدام الدولة للقوة هو الحفاظ على الامن العام والمصالح العامة ومن هذا المنطلق نستطيع القول أن اعمال العنف والتخريب تتعارض بلا شك مع فكرة قيام الدولة المدنية الحديثة ومع ترسيخ المشروع الوطني والحضاري – اتفاق السلم والشراكة هل يوصلنا إلى تحقيق المصالحة الوطنية بين الفرقاء السياسيين ¿ أعتقد أن الذي يميز اتفاق السلم والشراكة الوطنية هو أنه حمل مسمى وطنيا ديمقراطيا واضح الدلالات بعكس المبادرة الخليجية هذا أولا وثانيا سلاسة وسرعة انجازه والتوقيع علية من كافة الاطراف السياسية دون ضجيج إعلامي أو مفاوضات أو مساومات أو مهاترات وشد وجذب كما في بقية الاتفاقات ومن هذا المنطلق نستطيع القول أنه إذا ما توفرت النوايا الصادقة لتنفيذه فإنه بالفعل يتضمن قضايا وطنية هامة وملحة كإصلاح الاختلالات الهيكلية والاقتصادية والأمنية ..الخ.
عماد الديمقراطية
– رسالتكم للأحزاب والقوى المجتمعية والسياسية بالبلاد ¿
– الاحزاب السياسية بشكل عام هي عماد الديمقراطية فلا يمكن تصور وجود ديمقراطية بدون احزاب سياسية والعكس ولذلك على الاحزاب السياسية أن تدرك أن الوطن هو الحزب الكبير الذي تنتمي الية وعليها أن تحافظ على هذا الاطار الوطني اكثر من الحفاظ على اطرها الحزبية وان يكون الانتماء الوطني سابقاٍ واهم من الانتماء الحزبي وكما يقال لكل حزبه والوطن للجميع وبالتالي فإن الاحزاب التي ادركت هذه الغاية عالميا استطاعت أن تبني أوطاناٍ متطورة ومزدهرة والأحزاب التي لم تدرك هذه الغاية دمرت اوطانها ودمرت نفسها وبالتالي على احزابنا السياسية أن تخفف من حدة التعصب الحزبي الاعمى فالحزبية في الاساس هي جانب رمزي لا يرقى الى مستوى التعصب والصراع أو الصنمية والتقديس للزعامات والقيادات وكذا للإيديولوجيات. الحزبية هي تعبير عن تنوع وتعدد فكري وسياسي وثقافي يحقق التعايش المجتمعي والتلاحم العضوي بين مكونات المجتمع المختلفة من جانب وبين المجتمع والدولة من جانب آخر.
الإعلام والتحديات
-الإعلام .. هل خدم المرحلة الراهنة ¿
– ما يتعلق بالإعلام اعتقد اننا في اليمن ومنذ اعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990م لم نصل الى مرحلة التخمة إلا في ثلاثة مجالات تقريبا هي الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الاعلامية ولن نخوض في موضوع الاحزاب السياسية والمنظمات المدنية وسنركز على عدد المؤسسات الاعلامية لدينا المئات من المؤسسات الاعلامية بمختلف انواعها ووسائطها المرئية والمقروءة الورقية والمقروءة الالكترونية وكذلك المسموعة ولاتزال الساحة الاعلامية تشهد توسعا كميا في اعداد المؤسسات الاعلامية والسؤال الهام هل استطاعت هذه المؤسسات الاعلامية أن تنتج وعيا اجتماعيا وسياسيا حقيقيا في اوساط المجتمع هل استطاعت ضبط وعقلنة العملية السياسية والممارسات الديمقراطية هل استطاعت أن تقوم بدورها في عملية التوعية والتنوير بالحقوق والواجبات لأفراد المجتمع على اختلاف توجهاتها الرسمية والحزبية والاهلية اسئلة كثيرة تدور حول هذه القضية لكن الملاحظ هو أن هذه المؤسسات عبارة عن كم بلا كيف أو نوعية بل أن الجزء الاكبر يتمثل بدور التعبئة والتثوير من جانب والتجهيل للمواطن وتزييف وعيه من جانب آخر ومن المؤكد أن الاعلام الرسمي ليس من مهمته تبرير الاخطاء والدفاع عن مساوئ السلطة أو النظام السياسي واخضاع المواطن لمشيئة الحاكم بل أن دورة هو خلق رأي عام ضاغط تستفيد منه الدولة في تصويب مسارها ومعالجة اخطائها وايضا في تحقيق الرقابة الشعبية على اجهزة ومؤسسات الدولة بما يسهم في تحقيق التنمية ومكافحة الفساد وتجويد الخدمة العامة التي تقدم للمواطن كما أن الاعلام الحزبي ليس من مهمته التحريض على السلطة أو تحريض القوى السياسية على بعضها وهو تحريض مولد للعنف وانما الهدف منه هو تنمية الوعي السياسي للمواطن ليكون مشاركا فاعلا في الحياة السياسية سواء على المستوى الحزبي أو العام وكذلك الاعلام الاهلي ينبغي أن لا ينحصر دوره في تحقيق الربح كعمل استثماري وانما تحقيق التوازن بين أداء الاعلام الرسمي والحزبي وبالمجمل يمكن القول أن هناك جهدا كبيرا وامكانات هائلة تحرق وتهدر يوميا وبشكل مضاد أو معاكس لمصلحة الوطن والمواطن وهنا اقترح على وزيرة الاعلام أن تضع استراتيجية وطنية لتفعيل دور الاعلام خلال المرحلة القادمة في تحقيق الاستقرار السياسي والمجتمعي وفي تنمية الوعي السياسي لأفراد المجتمع والاهتمام بقضايا المواطن واحتياجاته بدلا من التعنيف السياسي وإثارة بؤر ومنابع الصراع والتوتر في المجتمع.
حرية الرأي
-كلمة أخيرة لكم .. ¿
– أشكر صحيفة الثورة على الاهتمام بالقضايا الوطنية الهامة والملحة وأرجو أن يكون دورها نابعاٍ من اسمها ثورة من نوع آخر ثورة في الفكر والوعي وتفعيل حرية الرأي والتعبير للمواطن فحرية الكلمة تعد المقدمة الاولى للديمقراطية وهذا يصب في عملية بناء الدولة المدنية الحديثة.

قد يعجبك ايضا