في حضرة سيدنا النبي

طه العامري

 

 

اليوم تحل علينا واحدة من أهم الذكريات والمناسبات العظيمة وهي ذكرى مولد سيدنا المصطفى عليه وآله أفضل الصلاة والسلام، ما دامت السماوات والأرض ومادام عباد الله يعبدون ويوحدون  ربهم الواحد الأحد الفرد الصمد، «الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤ أحد»..
إن الاحتفاء بمولد سيد البشرية وخاتم الأنبياء، من أرسله الله رحمة للعالمين، من جاءنا بدين التوحيد، دين الحرية والعدالة والكرامة، دين الحق الذي شمسه بددت دياجير الباطل، وإشاعة الكرامة للإنسانية، وعرفهم بنعم الله عليهم، وعرفهم حقوقهم وواجباتهم تجاه ربهم وتجاه بعضهم وتجاه أنفسهم، فما جاء به النبي المصطفى ليس مجرد قوانين وتشريعات تنظم حياة البشر، بل جاء بقيم وأخلاقيات ونواميس، تتجاوز مسألة  ترتيب علاقة البشر بخالقهم، أو تنظم علاقتهم بالأنبياء والرسل، و علاقة أمة محمد بن عبد الله _عليه وآله الصلاة والسلام وعلى آله _ ببقية أتباع الديانات السماوية من  البشر، بل حملت رسالة التوحيد المحمدية للبشرية أسرار وعلوم الكون ومفاتيح العلم والمعرفة، كما حملت قصص وحكايات وتاريخ الأمم القديمة، المؤمنة منها والكافرة، وكيف كافأ الله من آمن منهم، وكيف عاقب من كفروا وأشركوا..!
نعم إن الاحتفال بالمولد النبوي ليس شركا ولا كفرا ولا حراما، وهي مناسبة عظيمة فيها تعظيم لمكانة سيد الخلق بين أتباعه، وهي تعد جزءا من ” شعائر الله” وتعظيم شعائر الله من تقوى القلوب.
إن الاحتفال بالمولد النبوي جزء من تعظيم هذا الرسول العظيم، الذي فاق أقرانه عظمة ومكانة عند الله والملائكة، وشهد بمكانته هذه وأحقيته فيها، إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وهو كذلك عند من اتبعوا رسالته من الإنس والجن ومخلوقات أخرى لا نعلمها بل الله ورسوله أعلم بها .
هذا النبي الذي أنزله الله منزلة عظيمة وقرن اسمه بجانب اسمه لتكون شهادة التوحيد، التي هي أيضاً مفتاح الجنة والنار، هذا الرسول العظيم الذي كان أرحم أنبياء الله وأصبرهم وأكثرهم علما وتواضعا وأخلاقا، وأيضاً أكثر أنبياء الله قربا والتصاقاً بربه الذي خلق ” آدم” أبو البشر لأجله صلى الله عليه وسلم.. فلماذا لا نحتفل به وهو صاحب كل هذه العظمة والحضور الروحي والوجداني في الوعي الجمعي وعند الله وملائكته وبقية مخلوقاته التي يعلمها الله  ورسوله، ولا نعلمها نحن.
إن الاحتفال بمولد سيد الخلق أجمعين النبي محمد بن عبد الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، ليس بدعة ولا إثما ولا شركا إلا عند أولئك الذين يعملون على تحريف الدين وعلى تحوير السنة النبوية، وتسويق اجتهادات شخصية ما انزل الله بها من سلطان، وليس لها أدلة من كتاب الله ولا من سنة رسوله..
نعم يعد الاحتفال ” مشبوها ومشكوكاً” في أمر من يقومون به إن كانت لهذه الاحتفالات دوافع وأهدافاً دنيوية أيا كانت، أو كان يقام ضمن استراتيجية التوظيف السياسي للدين..!
لكن اعرف وقبل أن يقام المولد النبوي برعاية رسمية من قبل السلطة أو الدولة بصورته الراهنة ، كنا نحتفل بهذه المناسبة العظيمة في قرانا ومدننا، وكانت تذبح الذبائح وتوزع لحومها على الفقراء والمساكين في القرى، وليلا يتجمع الناس لتناول العشاء في منزل القائم بالمولد، أو من اعتاد على إحيائه كل عام، ويقضي الناس ليلهم حتى الفجر يتلون المدائح النبوية ويتغزلون بعظمة رسولهم وخاتم الأنبياء عليه وآله الصلاة والسلام وعلى آله، وترسخت هذه السلوكيات على مدى قرون، فيما كانت الدولة تحتفل به في الجوامع ودور العبادة، وكانت المناسبة في بعض أجزاء من الوطن لها حضورها وبريقها، حيث كان الناس في تلك النطاقات يعطلون أعمالهم، يصومون نهارا، ويحتفلون ليلا، حتى جاء اتباع “محمد بن عبد الوهاب” الذين جاءوا ب”معاولهم” لهدم الأضرحة، وب” سواطيرهم” لذبح البشر باسم الدين، وبفتاويهم لتحريم مجالس الذكر، لكنهم كانوا يحتفلون بذكرى تسلط ولي نعمتهم “عبد العزيز” على نجد والحجاز، فهل يجوز الاحتفال بجلوس ” آل سعود على كرسي التسلط” ولا يجوز إحياء مولد رسول الله.
إن الجدل المثار حول المولد لم نعرفه في مجتمعنا إلا من أوائل ثمانينيات القرن الماضي مع بدء هيمنة وتسلط جماعة ” الإخوان المسلمين” وإحكام قبضتهم على مفاصل الدولة، وخاصة سيطرتهم على قطاع التعليم الذي تدمر على أيديهم كما تدمرت الثقافة الوطنية والهوية الوطنية، وكذا سيطرتهم على المساجد، وفرض “الوهابية” كمذهب عمل على إزاحة المذهبين الرئيسيين في البلاد وهما المذهب “الشافعي ” و المذهب” الزيدي” ومضايقة وتخوين وتكفير أتباع بقية الأقليات الدينية أمثال أبناء طائفة ” البهرة.” و “الإسماعيلية”.
يبقى أعظم تكريم وإخلاص ووفاء لرسولنا المصطفى، ليس فقط الاحتفال بمولده بل اتباع سنته والتزام أوامره ونواهيه، وهذا هو التكريم الأعظم الذي علينا أن نقوم به ونلتزم ونتمسك به.
صلوات الله وسلامه عليك يا سيدي يا رسول الله..

قد يعجبك ايضا