حضور على الورق.. غياب في الواقع!!


● ما من شك أن لكل مهنة مخاطرها وحوادثها المصاحبة لكن أكثر الأشخاص تعرضاٍ للإصابات هم العمال حيث يقع عليهم الخطر الأكبر بسبب احتكاكهم بالآلات أو الأدوات الحادة أو حتى الأعمال الثقيلة.. وكل ما يترتب على ذلك من مخاطر يندرج ضمن إصابات العمل.. حيث يتعرض العمال لحوادث وإصابات سواء في القطاع العام أو الخاص .. وهنا نستطيع القول أننا أمام ظاهرة منتشرة وضحاياها من ” العمال ” في ظل إهمال كبير من أصحاب العمل من خلال التحقيق نسعى للتعرف أكثر على حجم المشكلة وكل ما يتعلق بالصحة والسلامة المهنية لهؤلاء العمال وكيف يتعاطي أرباب العمل معهم وماذا يقدم لهم القانون.. وهل يتم انصافهم!¿
عاملة النظافة ” فاطمة ” تبلغ من العمر 45عاماٍ تعمل في إحدى المعاهد المهنية كانت قد تعرضت أثناء عملها لحادث انزلاق أوقعها من أعلى السْلم الذي كانت تقوم بتنظيفه وتبين بعد معاينة أرضيات مبنى المعهد أنها غير مطابقة للمواصفات..
كانت ” فاطمة ” طوال مدة عملها تعول أطفالها التسعة وزوجها الذي يعاني من مرض الروماتيزم المزمن لكن الحادث اضطرها للبقاء في الفراش نتيجة إصابتها حيث لم يدفع المعهد تكلفة علاجها إذ انحصرت مساعدته بصرف راتب شهرين فقط ورفض منح العاملة إجازة مرضية أثناء مكوثها بالمنزل مدة الشهرين جراء إصابتها.. ليتم بعد ذلك الاستغناء عنها وفصلها من العمل..
إصابات عمل
أما ” مصطفى سالم” فقد تعرض لإصابة عمل أدت إلى إعاقته حركياٍ لدى شركة للاستثمارات المتنوعة المحدودة كعامل فني ” قائد مقص” وعلى الرغم من أنه لم يكن لديه عقد رسمي مع المصنع إلا أنه كان يحصل على بعض حقوقه العمالية منذ أن بدأ العمل بالشركة منذ شهر أغسطس من العام 2003م.
أصيب مصطفى حين كان بإحدى قاعات العمل إثر سقوط صناديق ثقيلة على سطح غرفة العمل مما تسبب بانهيار سقف الغرفة على رأسه فأسعف في حينه إلى المستشفى وبعد إجراء الأشعة المقطعية للدماغ تبين وجود شرخ بعظام الجمجمة وارتجاج بالمخ وكسر بالفقرة القطنية الثانية واحتاج لعملية جراحية لتثبيت الفقرة المكسورة.
وبناء على هذا التشخيص قامت جهة العمل بإرساله إلى المستشفى حيث أجريت له عملية للعمود الفقري..عاد مصطفى إلى منزله ليبقى ثمانية أشهر دون تحسن كما توقفت جهة العمل عن صرف مرتبه..
نجد من هذه القضيتين بأن أصحاب العمل يتمتعون بحرية تكاد تكون مطلقة في فصل العامل غير المبرر وحرمانه من التعويض العادل ومن الإجازات المرضية وبخاصة ما يتعلق بإصابة العمل.
إحصائية
بحسب التقرير السنوي لنشاط الإدارة العامة للصحة والسلامة المهنية وفروعها في أمانة العاصمة والمحافظات للعام 2013م.
فقد حدد التقرير إجمالي إصابات العمل لنفس العام بحوالي ” 73″ حالة وعدد من تم شفاؤهم بعناية طبية ” 52″ حالة وعدد حالات العجز الجزئي الدائم ” 15″ حالة ولم يبين التقرير احصائيات عن أمراض مهنية أو حالات عجز كلي دائم أو حالات وفاة.. فيما بلغ وعدد التعويضات للإصابات والوفاة ” 4″ حالات.
وبين التقرير أن إجمالي عدد الزيارات الميدانية للمنشآت من قبل إدارة الصحة والسلامة المهنية ” 332″ زيارة وإجمالي عدد التنبيهات والإنذارات للمنشآت بشأن إزالة المخلفات ” 93″ إنذاراٍ وتنبيهاٍ وعدد لجان السلامة والصحة المهنية التي تم تشكيلها داخل المنشآت ” 23″ لجنة..
مسؤولية غائبة
قامت كاتبة التحقيق بزيارة لإحدى مصانع الإسفنج بالعاصمة إذ رفض نائب المدير التجاوب حول إذا ما كان لديهم إجراءات متبعة للصحة والسلامة المهنية للحفاظ على سلامة عمال المصنع معللاٍ ذلك بأن هناك مصانع تعمل بآلات أكثر خطورة كما أضاف ساخراٍ مصنع الإسفنج لا يتعرض عماله لأي خطورة كون الإسفنج والمواد الأسفنجية ناعمة وإذا ما سقط عامل سيسقط على إسفنج ناعم..
ولا ندري إذا كان هذا المصنع لا يحوي سوى أسفنج ومواد ناعمة دون ماكينات وقاطعات وأدوات حادة واحتمالية وقوع حرائق أو تسمم أو أي مخاطر هذا الأمر نتركه لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل..
الممانعة ذاتها كانت حاضرة في شركات التأمين التي زرناها واتضح لنا أنها لا توفر تأميناٍ لعمالها وكانت الحجة أن ذلك يعد من أسرار العمل ولا يتوجب الخوض فيه مع غير الجهة المؤمنة نفسها ..

تشريعات قانونية
نصوص قانون العمل التي تكفل حق العامل عند إصابات العمل يوضحها القانوني عبدالباسط الضراسي : الذي يقول: القانون حددها بالتالي: الإصابات التي تحدث للعامل في مكان العمل أو بسببه أو الإصابات التي تقع للعامل في طريق ذهابه أو إيابه للعمل أو إلى أي مكان حدده له صاحب العمل شريطة أن يسلك الطريق الطبيعي وفقا لما تضمنته المادة الثانية من القانون رقم 26 لسنة 1991 بشأن التأمينات الاجتماعية وتعديلاته وهو القانون الذي يسري على العمال الذين يتبعون القطاع الخاص وهناك القانون رقم 25 لسنة 1991 بشأن التأمينات والمعاشات وهو القانون الذي يسري على موظفي الدولة وعمالها وشاغلي الوظائف العليا وكل كادر وظيفي تنص قوانينه ولوائحه على ذلك.
ويضيف بأن العمال الذين يتبعون القطاع الخاص لا يجوز تحميلهم أي نصيب أو نسبة تحمل من هذا التأمين وفقا للفقرة الثانية من المادة 37 من القانون ولذلك فعقود التأمين التي يبرمها صاحب العمل مع شركات التأمين لا تتضمن إصابات العمل لأن هناك حقوقاٍ أخرى غير الرعاية الطبية وتتمثل في تعويض العجز المؤقت والتعويض أو المعاش المستديم في حالة العجز المستديم وكذا المرتب في حال وفاة المؤمن عليه وكل هذا تلتزم به المؤسسة العامة للتأمينات .
القليل يعلم بحقوقه
وحول ماهية الإصابات التي قد يتعرض لها العمال في مجال العمل تقول هيام فاضل العامري – مسئول إدارة التثقيف والتوعية بالإدارة العامة للصحة والسلامة المهنية بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل : هناك حالات لإصابات تحدث بحسب مجال العمل كالتعرض للعدوى وهي كثيرة كذلك الإصابات في مجالات الورش وإصابات القطعية والسقوط والصعق الكهربائي والحروق وفي مجال التعرض لتلوث المواد الكيماوية كمصانع البلاستيك في مجال السيارات والبنزين..حيث والأمراض المهنية تحتاج لفترة زمنية واسعة لتظهر أعراضها كما أنها لا تخلو من المشاكل الكبيرة والمعقدة كونها تظل لسنوات عديدة في أروقة المحاكم.
مضيفة بأنه ومن خلال النزول الميداني يتضح بأن هناك القليل من العمال ممن لديهم خبرة بحقوقهم المهنية خاصة فيما يتعلق بإصابات العمل وهناك أيضا عمال يقدمون تنازلات حتى يستطيعوا مواصلة العمل ضمن جهة العمل التي يعملون بها..
نقص الكادر الطبي
صالح حميد البعداني مدير عام الصحة والسلامة المهنية بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل يقول : يقتصر دور الإدارة على تلقي شكوى عن إصابة عمل أو تكرار الأخطاء أو المشاكل.. وبالتالي نقوم بتنفيذ الإجراءات التي قد تتمثل بتوقيف أي سبب أو آلة تكون مصدر للخطر حتى يتم إصلاحها أو تبديلها.. وشدد على توفير كل ما يتعلق بسلامة العامل وقال لا بد من أن تستخدم فعلى صاحب العمل توفيرها وعلى العامل أيضا الالتزام باستخدامها وارتدائها كالخوذ والواقيات والكمامات فالعملية تكاملية حيث يتحمل العامل جزءاٍ من المسؤولية نتيجة الإهمال بعدم ارتداء أدوات السلامة..
تسهيل أعمال لا جباية
ويوضح الدكتور علي محمد النصيري وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لقطاع علاقات العمل قائلاٍ: لدينا مفتشين يقومون بالنزول الميداني بشكل دوري للقطاع العام والخاص والمختلط لمعرفة مدى التزام جهة العمل بالالتزام بتنفيذ تعليمات الصحة والسلامة وفي حال المخالفة تتخذ عقوبات على صاحب العمل.. وقال: لدينا نوعين من التفتيش الأول للعمل فيما يتعلق بتطبيق القانون والثاني معني بتفتيش الصحة والسلامة المهنية فيما يتعلق ببيئة العمل وسلامة العمال..
وأبدى الدكتور النصيري أسفه من القطاع العام لعدم تجاوب الجهات الحكومية وعدم تسهيل عملية ترسيم المفتش وقال “يبدو لي بأنهم غير مطلعين على أن القانون أعطى للوزارة حق فيما يتعلق بالصحة والسلامة المهنية على الجهاز الإداري للدولة والقطاع العام والمختلط”..
ويعترف وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لقطاع علاقات العمل بأن هناك إهمالاٍ من قبل وزارته بعدم التركيز بشكل كبير على القطاع الإداري بالدولة لكن فيما يتعلق بالقطاع الخاص يقول الدكتور النصيري ” هناك متابعة ميدانية للقطاع الخاص على الرغم من أنهم يعتبروننا جهة جباية لكننا نؤكد هدفنا تسهيل أعمال وليس جباية ” ولفت النصيري أنه في حال الإصابة عبر آلة فمن حق الوزارة أن تبلغ صاحب العمل خلال أسبوع وإذا ما أبعد هذه المخالفات يحال للجنة التحكيمية العمالية..
وتابع: الاتحاد العام للعمال شريك في النشاط حيث تتم الاستعانة بالنقابة الممثلة في أي منشأة من المنشآت وقد تكون نقابة الاتحاد هي من تقدم الشكوى بأن هناك ضرراٍ في هذه الحالة نبلغ صاحب العمل..
حوادث كثيرة
ويعتقد علي أحمد بلخدر رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال اليمن أن هناك قصوراٍ في مجال الصحة والسلامة المهنية في عدد كبير من مواقع العمل وغياب الذي من مهامه مراقبة وجود الحماية من الإصابات وإيجاد بيئة عمـل آمنـة خاصة وهناك أعداد كبيرة من الإصابات الخطيرة وبعضها أدت إلى الوفاة..
وأكد وجود حوادث كثيرة يتعرض لها العمال سواء في القطاع العام أو الخـاص ولا توجـد إحصائية بشكل دقيق وفيما يتعلق بدور الاتحاد العـام في جانب الصحة والسلامة المهنية يأتي عبر ما يتلقاه من قبل اللجان النقابية أو النقابات العامة التي يتعرض عمالها إلى إصابات عمل أو من خلال وجود ممثل الاتحاد في محاكم منازعات العمل وكذلك من خلال ممثلنا في لجنة الصحة والسلامة المهنية.. كما لفت إلى أن هناك مشكلة في إصابات العمل يتعرض لها العمال في القطاع غير المنظم أو القطاع الخاص إذ لا توجد لديهم نقابات تمثلهم وما يتعلق بتقديم الشكوى تقـدم مباشرة عبر اللجان النقابية أو النقابة العامة. متمنياٍ أن يولي ممثلو العمال الصحة والسلامة المهنية اهتماماٍ أكبر.
بالمختصر
ضعف الأداء والضبط القضائي يجعل أصحاب العمل يشعرون بأنهم في منأى عن المساءلة..
كما يجب وضع معالجات وافية لمسألة التأمينات والضمان الاجتماعي لمواجهة ضعف وغياب سياسات تأمينية شاملة صحية ومهنية وتقاعدية .

قد يعجبك ايضا