منذ اللحظة التي أشرقت فيها أنوار المولد النبوي الشريف، والعالم يتغير جذريًا؛ فقد ولد محمد صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين، ومخرجًا للبشرية من ظلمات الجهل والظلم إلى نور الهداية والعدل. لكن اليمن كان له خصوصية استثنائية في هذا المسار النبوي، فقد شمله قول الرسول الأعظم: “الإيمان يمان والحكمة يمانية”. هذه الكلمات النبوية الخالدة لم تكن مجرد وصف عابر، بل بشارة ووعد ممتد، يربط اليمن برسالة الإسلام ربطًا أبديًا لا ينفصم.
وحين يُقبل المولد الشريف كل عام، يتحول اليمن إلى ساحة واسعة للنور، حيث تجتمع الملايين في أجواء مهيبة، تعلن حبها وولاءها لرسول الله، وتستعيد حضور النبوة في وجدانها. في وقتٍ قد يتعامل فيه البعض مع المولد كذكرى تاريخية محدودة، يجعله اليمنيون مشروعًا روحيًا وحضاريًا متجددًا. فهم لا يرونه مناسبة للزينة والاحتفالات فحسب، بل نافذة للوعي والتربية، ومنبرًا لتجديد العهد مع الله ورسوله، ووقودًا لصناعة الصمود في مواجهة التحديات.
لقد أثبتت التجربة اليمنية أن المولد النبوي في زمن العدوان والحصار ليس ترفًا روحيًا، بل فعل مقاومة حقيقي. فمن رحم الاحتفاء بالمولد تتولد روح التحدي، وتُستمد القيم النبوية في التضحية والعدل والصبر. وهذا ما يجعل الطغاة والمستكبرين ينزعجون من مشهد اليمنيين في ذكرى المولد؛ لأنهم يدركون أن هذه الملايين التي تخرج للهتاف باسم محمد، تحمل في قلوبها مشروعًا يهدد عروشهم الزائفة.
إنّ اليمنيين وهم يحيون ذكرى المولد، إنما يستعيدون تاريخهم الطويل مع الرسالة المحمدية. فمنذ بزوغ فجر الإسلام، كان اليمنيون في طليعة الأنصار، بايعوا الرسول، ونصروه، وفتحوا قلوبهم قبل ديارهم لدعوته. واليوم، وهم يحتشدون في الساحات، إنما يؤكدون أنهم الورثة الحقيقيون لذلك المجد، وأنهم على العهد ماضون مهما عظمت التضحيات.
في هذا السياق، يكتسب شعار “الإيمان يمان” بعدًا جديدًا. فهو لم يعد مجرد نص نبوي يتردد على الألسنة، بل أصبح حقيقة ملموسة تجسدها مواقف اليمنيين. ففي زمن الحروب والحصار، يثبتون للعالم أن الإيمان لا يُقاس بالشعارات، بل بالمواقف العملية والقدرة على الثبات في وجه التحديات. وهكذا يتجدد نور النبوة على أرض اليمن، فيتحول المولد الشريف إلى شعلة تهدي الأجيال، وتبني وعي الأمة، وترسم لها طريق المستقبل.
إنّ المولد النبوي في اليمن ليس احتفالًا عاطفيًا عابرًا، بل مدرسة متكاملة تجمع بين الروح والفكر والعمل. هو لحظة تتجدد فيها الهوية، وتتوحد الكلمة، ويستعيد الناس ثقتهم بأن الرسالة المحمدية باقية، وأن وعد الله بالنصر لعباده المؤمنين آتٍ لا محالة. ومن هنا فإن المولد النبوي الشريف على أرض الصمود ليس مجرد ذكرى، بل هو ميلاد متجدد للأمة، وإعلان متواصل أن اليمنيين أوفياء للعهد، ماضون على خطى محمد مهما كانت التضحيات.
وختامًا… يبقى القول النبوي الخالد “الإيمان يمان والحكمة يمانية” ليس مجرد حديث شريف يُتداول، بل عنوان لهوية أمة وصورة لواقع يتجدد عبر القرون. ففي كل مولد نبوي على أرض اليمن، يسطع نور النبوة من جديد، شاهداً على أن هذه الأرض المباركة ستظل قلعةً للإيمان، ومنبرًا للحكمة، ومصدرًا للصمود الذي لا ينكسر.