
أصبح الخطاب الإعلامي فيما يسمى بالثورة الكونية ومجتمع المعرفة العالمي الذي يعتمد على التكنولوجيا التي حولت العالم, إلى قرية صغيرة أداة هامة في صناعة توافق وتوجهات وممارسات الرأي العام الأمر الذي دفع القوى السياسية في معظم دول العالم ومنها اليمن إلى استخدام الخطاب الإعلامي ولاسيما الالكتروني إلى جانب الوسائل الإعلامية التقليدية في جلسته السياسية والاتصال والتواصل الاجتماعي لكن يلاحظ توجيه الخطاب السياسي للخطاب الإعلامي هذا يتم في إطار الصراع السياسي والشحن الطائفي وبالشكل الذي يؤدي إلى زيادة حدة الاحتقانات والأزمات..
ومن هذا المنطلق فإن التساؤلات التي تطرح في هذا الاستطلاع تدور حول الخطاب السياسي والخطاب الإعلامي في صناعة الأزمات, واستغلالهما¿ وهل هناك حاجة لتجديد الخطابين¿ وما هي الحلول¿ وقد حاولنا الإجابة عليها كما يلي:
كانت البداية مع وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء وأمين عام حزب الحق الأستاذ حسن زيد الذي قدم نموذجاٍ لبعض الخطابات السياسية والإعلامية التي هدفت إلى تشويه صورة حكومة الكفاءات من خلال الإشاعات الكاذبة منذ أول يوم تم تشكيلها من أجل زعزعة ثقة الرأي العام بها وخلق البلبلة والفوضى, قائلا: “مؤسف جداٍ التشكيك وخلق الإشاعات, صحيح أن معظم أزماتنا لها جذور حقيقية, بعض السياسين يستغلون في تضخيم الإعلام الأمور عبر نشر الأكاذيب والإشاعات .. فبمجرد الدخول على المواقع الصحافية الالكترونية تجد الخبر ونقيضه والكذبة ونقيضها, والسبب في ذلك وللأسف الشديد أن بعض المواقع لا تحترم نفسها وبعض المثقفين يعتمدون على هذه الإشاعات على أنها مسلمات وبما يؤدي إلى إرباك الرأي العام وتشكيكه وبالصورة إلى تقود إلى تعزيز عدم الثقة في الحكومة, وإذا فقدنا الثقة التي في الحكومة منذ تشكيلها فستكون كارثة, لأن الحكومة بحاجة إلى دعم وعون من المجتمع”, وأشار زيد إلى أن هدم الثقة بالحكومة قد بدأت منذ تشكيلها من خلال الإشاعات حول أعضاء حكومة الكفاءات أنهم استلموا مبالغ تصل إلى خمسين مليوناٍ, بهدف تشويه صورة أعضاء الحكومة ومثل هذه الإشاعات في حقيقتها تتعارض مع قرار مجلس الوزراء لشأن شغل الوظائف العامة وبأن مثل هذه الأمور تستهدف صناعة وخلق أزمة سياسية.
تلازم بين الخطابين
الأستاذ الدكتور علي العمار -أستاذ الإعلام بجامعة صنعاء- يؤكد أن هناك تلازماٍ بين الخطابين السياسي والإعلامي, كون الإعلام أداة من أدوات السياسة, فلا يستطيع السياسي إيصال خطابه إلى الرأي العام إلا عن طريق وسائل الإعلام, لذلك يعمل الخطاب الإعلامي على صناعة الأزمات كانعكاس للخطاب السياسي.. وأن “ما يحدث لدينا هو تأزيم للواقع وإدارة الأزمات بأزمات أخرى من قبل السياسيين.. وأصبح الخطاب الإعلامي خطاب مناكفات وملاسنات, فغالبية الإعلام يعمل على التهويل والمبالغة وبث الإشاعات مما يؤدي إلى تخويف الناس وبث الرعب في قلوبهم”.
وشدد الدكتور العمار على أنه لن يصلح حال الإعلام إلا إذا صلح الوضع السياسي أولا, كونه أداة من أدوات السياسة.. وبأنه من المفترض أن يعمل الخطابان السياسي والإعلامي على التهدئة وتحمل المسؤولية الوطنية للخروج من الأزمات التي يعيشها الوطن والمواطن.
بين التعبير والترويج
وبخلفية معرفية استهل الدكتور محمود البكاري -أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة تعز- حديثه قائلاٍ: بما أن الخطاب السياسي في النظم الديمقراطية هو المعبر عن اتجاهات ومواقف الأحزاب السياسية سواء كانت في السلطة أو المعارضة, فإن الخطاب الإعلامي يتولى الترويج للخطاب السياسي وإقناع الناس بمحتواه, وبالتالي يعد الخطاب الإعلامي من أهم وسائط التأثير الجماهيري الإيجابي طبعا, وصناعة الرأي العام. ولفت الدكتور البكاري إلى أن المشكلة تكمن عندما يكون الخطاب السياسي معبراٍ عن عقلية شمولية مغلقة, فإن الخطاب الإعلامي يصبح بمثابة أداة توتير وإقلاق للسكينة العامة, وإحداث التصدع الاجتماعي, وهو ما يعرف بصناعة الأزمات, ونحن في اليمن نعاني من هذه الحالة فلدينا خطاب سياسي تصادمي وخطاب إعلامي تحريضي, فكل مفردة من مفرداته تدعو وتحرض على العنف بصورة صريحة أو ضمنية ولا يكاد يخلو خطاب سياسي أو إعلامي من هذه السلبيات, وبالتالي فإن تصويب المسار الديمقراطي بحاجة ماسة إلى تجديد ليس الخطاب السياسي فقط بل تجديد الفكر السياسي برمته وهو المنتج للأزمات السياسية التي نعيشها, وبحيث تكون مدخلات ومخرجات الخطاب السياسي بمضمون ديمقراطي منفتح ومتسامح يرفض العنف وينبذ الصراع, وفي هذه الحالة سينعكس ذلك على مدخلات ومخرجات الخطاب الإعلامي الذي يعد في الحالة الراهنة متغيراٍ تابعاٍ يْحرك آليا من دهاليز ومطابخ السياسة حسب العرض والطلب, تصعيداٍ أو تهدئة, وهذا يعد خروجا عن مهام الإعلام ووظائفه الحقيقية والمتمثلة بنشر قيم التسامح والتآلف والتعايش ونبذ العنف والفرقة بين أبناء البلد الواحد.
غياب الاستقلال
ومن جهتها ترى الأستاذة الدكتورة سعاد السبع –أستاذ مناهج وطرق التدريس بجامعة صنعاء- أن الإعلام هو الوعاء الناقل للخطاب السياسي والديني والاجتماعي والعسكري ..الإعلام هو الأساس ليس هناك خطاب إعلامي مستقل بذاته, هناك خطاب ينقله الإعلام… يصنعه الإعلام, وبالتالي فإن على الإعلام أن يلتزم بنقل الخطاب وأن يبتعد عن التزييف وصناعة الخطاب لخدمة أغراض خاصة.. متى ما كان الإعلام وطنيا فسوف ينتقي إظهار الخطاب الوطني ويتجاهل الخطاب غير الوطني¿ ومتى ما كان الإعلام مهنيا فسوف ينقل الخطاب كما هو ويترك المجال للتحليلات بشفافية¿
اتجاهان للإعلام
وتواصل الدكتورة السبع حديثها: “الإعلام في نظري سبب كل أزمات البلاد لأنه يشعل الحرائق ويوسع الخلافات, وهو سبب أيضا لإنقاذ البلاد لأنه أسهم في زلزلة عروش الفاسدين لأنه يسلط الضوء على فضائحهم وعلى فسادهم ويؤلب المجتمع عليهم .. فقط لو أدرك الإعلام أهميته ودوره لأصبح المجتمع على درجة عالية من التوافق على الثوابت وعلى درجة عالية من التوحد ضد أعداء الوطن, لكن للأسف الإعلام اليمني يلعب على الحبلين ونحن نريده أن يلعب على حبل واحد من أجل الوطن اليمني الكبير.. تجديد الخطاب الإعلامي يكمن في اتباع المهنية الخالصة البعيدة عن الترويج لما يسيء للوحدة الوطنية أو يسهم في تزييف وعي الجمهور”.