الجواب في بطن المخرج

عندما يقرر شخص ما الإنتساب إلى سلك الشرطة فإن شروطا قاسية تفرض عليه خلال فترة استقباله التي تسمى (فترة الإستجداد) , الغرض من تلك الفترة نقل المتقدم للعمل في الشرطة من الحياة المدنية التي يغلب عليها الرفاهية إلى الحياة النظامية القاسية التي تجعل التعامل مع الحالات الصعبة أمرا معتادا عليه والتي تفرض عليه رتوشا يظل ملزما بها ما بقي عاملا في سلك الشرطة .
خلال فترى الإستجداد لا يكون للمستجد من ساعات النوم إلا سويعات قليلة فإذ ما جائت ليالي الواجب في الدوام الليلي (النوبتشية) أصبح الضابط والفرد قادرا على السهر في خدمةالمجتمع , وخلالها أيضا يخضع المستجد لا ختبار قوة التحمل فإذا ما شارك في حماية مسيرة أو تأمين مظاهرة وحاول بعض المندسين فيها استفزازه غلبهم بطول أناته التي اكتسب مهاراتها عتد التحاقه بالعمل الأمني فيكسب نجاحه في تأدية مهمته وتفويت فرصة الخارجين على القانون في إحداث شغب أو افتعال فوضى , وضمن الكثير مما يتعلمه المستجد في العمل الأمني مما لا يتسع المقام لحصره تفصيلا تدربه على الطاعة العمياء لقائده , لأن القائد هو صاحب الخطة الأمنية وراسم بنودها وهو الأدرى بما يجب أن يعود إليه والمسئول الأول عن نتائجها , وهكذا فإن التزام الشرطي بما تلقاه من أساسيات وقواعد المهنة بقود الى النجاح وغير ذلك يورد الى مستنقعا الفشل .
اليوم يتسائل المواطن وكل المجتمع ماذا حدث لجهازنا الشرطي حتى أصبح عقيما ¿
والجواب لم يعد خافيا على أحد .
عندما استعصى النصر على جيش المسلمين في إحدى المعارك ولم يتمطنوا من فتح حصون العدو بحث قائدهم فيما قصروا فيه من فروض أو سنن و وجد أنهم تهاونوا قي سنة السواك بقعل انشغالهم بالقتال , فأمر جنده بالسواك , فلما استاكوا ورأى عدوهم ذلك ظن العدو أنهم إنما يحدون أسنانهم, فكان ذلم الرعب في نفس العدو مفتاح النصر .
وبقراءة سريعة للواقع الشرطي في بلادنا , فإن قادة الشرطة لم يولوا مبادئ وأسس العمل الشرطي اهتمامهم فضلا عن اهتمامهم بجودة العمل الشرطي !!
إن رمنا أن يكون للشرطي هيبته التي يجب أن ينالها فيجب علينا أن نبدأ من الآن دون تأخير , فكل وقت إضافي يمضي في ظل هذا الفراغ الذي يعيشه نظامنا الشرطي في اليمن يزيد من الخراب في البناء المؤسسي ويجعل من إعادةالبناء أكثر تعقيدا .
يكفينا مثلا لتشخيص الواقع أن ننظر إلى مؤسسات الشرطة التعليمية لندرك أن اهتمامات قادة الشرطة كانت ولا زالت بعيدة جدا عن أسس البناء السليم , مدرسة تدريب أفراد الشرطة و المركز التدريبي العام للشرطة بكامل طواقمهما الوظيفية و كوادرهما التدريبية ونفقاتهما التشغيلية ظلتا بدون عمل حقيقي يذكر, بينما كان من أهم أولويات المرحلة إعادة تأهيل و تدريب كامل قوة الشرطة , بل كان من الضرورة بمكان تفعيل دور لتأهيل والتدريب داخل المعسكرات حتى ننمي في نفوس الشرطة حب الوطن وترتفع معنوياتهم وتزداد ثقتهم بقدراتهم على مواجهة المجرمين والتصدي لهم.
رجل الشرطة إذا لم يحصل على حاجته من التدريب المستمر بصورة دورية فإنه دون شك سيكون عاجزا عن المواجهة , وواقعنا يسطر أن أغلب الشرطة لا يقوم بالتدرب على إطلاق النار إلا في الفترة التي درس فيها السلاح ثم تمر السنون دون ممارسة أو تطبيق وهذا يتنافى مع شروط القانون في الحالات التي يجوز للشرطة فيها استخدام السلاح وحالات إطلاق النار التي يجب أن تكون دقيقة جدا لغرض الإعاقة وغير قاتلة وأنى يتأتى هذا لضابط الشرطة أو الفرد الذي لم يتلق أي تدريب يذكر منذ تخرجه !!!
أنا أدرك أن قول الحقيقة يؤلم كثيرا لكنه واقعنا الذي لا مفر من مواجهته حتى نصحح الإعوجاج الذي تسبب فيما وصلنا إليه وقبل أن أكتبه هنا عله يصل إلى من يستفيد منه أو يكون براءة ذمة كمن قد أوصلته أكثر من مرة إلى القادة أنفسهم , ونظرة أخيرة إلى الهيكل الجديد لوزارة الداخلية الذي أسقط (مخرجه) التدريب والتأهيل بوزارة الداخلية إلى إدارة عامة بعد أن كان قطاعا يرأسه وكيل وكانت الطموحات لأن يمنح صلاحياته وموازناته الكافية لمواكبة تطورات علوم الشرطة التي تحدث بين الفينة والأخرى .
ويبقى السؤال : هل توجد رغبة حقيقة بتصحيح وضع جهاز الشرطة أم أنه (مقرر) له أن يبقى على حالته التي هو عليها ¿
ونبحث عن الجواب , وإلى اللحظة لا زال الجواب في بطن المخرج .
همسة أمنية :
تجمهر المواطنين في مكان وقوع الحادث أو الجريمة يعيق عمل أجهزة الشرطة ويتسبب في ضياع الأدلة و عامل خطر على المتجمهرين . أتركوا المجال لأجهزة الإختصاص لتقوم بواجباتها .
دام اليمن و دمت بإذن الله سالمين .

قائد شرطة الدوريات الراجلة – سابقا .

alwajih@yahoo.com

قد يعجبك ايضا