تحقيق/أسماء حيدر البزاز –
هزاع: الإدمان على أفلام العنف والقتال منزلق سريع للوقوع في منعطفات الانحراف والجريمة
الفضيل: نناشد بإقامة النوادي الثقافية والترفيهية معاٍ لحفظ الشباب من هذه الأفلام والغزو الفكري
وبصارحة تعددت تلك الدوافع بين الأوساط في نسبة المتابعة والمشاهدة فكل له نظرته الخاصة وميوله الشخصي.
طارق البشري من أحد المدمنين على متابعتها كما وصف نفسه يقول: منذ طفوليتي وأنا أحب الأفلام البطولية والقتالية والتي تحوي على فنون الكارتيه والجودو لأني بصراحة تعلمت منها أسس الدفاع عن النفس وشجعتني على الالتحاق بالنوادي الرياضية ولو أنني لم أصل إلى قوتها لأنها خيالية ولكن يكفيني ما حصدته منها على أرض الواقع.
وأضاف البشري: وأنا أراها بالطبع قريبة من شخصية الشباب للشعور بالقوة والرجولة عوضاٍ عن تلك الأفلام الرومانسية التي لا تليق إلا بالبنات.
أكشنها الواقع
> طبعاٍ الأحداث والتغيرات الكبيرة التي شهدها وطننا العربي وشهدتها بلادنا من حروب وعنف ودماء كل ذلك جعل الناس يرون المناظر والمشاهد التي تعرضها هذه الأفلام غير غريبة ولا مخيفة كما كانوا يرونها ويتصورونها من قبل .. هكذا استهل فؤاد السنباني- جامعة صنعاء- حديثه حول هذا الموضوع.
موضحاٍ لأننا في الحقيقة رأينا خلال تلك الأحداث الواقعية تلك الجثث المتقطعة الأشلاء الممزقة والجرحى بالآلاف والقنابل والرشاشات والصواريخ بكل أنواعها تدمر المنازل والمنشآت وتقتل الصغار والكبار وتشرد المئات من منازلهم وديارهم .. هذا هو واقعنا الذي في الحقيقة قد فاق التصور والخيال .. ولعل ما نراه سواء من أفلام الرعب أو القتال وإن كان حقيقة يغلب عليه الخيال إلا أن مرارة الواقع هي الأعنف والأقسى من ذلك كله.
شغوفة بمتابعة الأكشن
> وتوافقه في ذلك كله أميرة صفوان- مدرسة- مضيفة إلى حديثه: كنت في السابق أحب متابعة الأفلام الرومانسية خاصة المصرية والهندية وأكره مشاهد العنف والرعب .. لكن الآن لا أدري ما الذي جعلني شغوفة بمتابعة أحداث الأكشن التي تعنى بعرضها محطة ((mbc2) أو (اكشن (mbc) ومحطة ((fox) وهذا يبرهن أن الواقع وأحداثه المتسارعة هو الذي يؤثر ويتحكم باختياراتنا ورغباتنا.
نزولاٍ عند رغبات أزواجنا
> وربما كان لهذه الظاهرة تأثيرها خاصة على ربات البيوت إذ تقول لنا -دلال- 25 عاماٍ- متزوجة منذ سنتين: أنا زوجي ما يلبث أن يعود إلى البيت حتى يبدأ بتقليب المحطات الفضائية المليئة بأفلام الحروب والصراعات والدمار تحت مبدأ الصراع بين الخير والشر وكلها شر في شر بعد أن قام بجمعها في قائمته المفضلة فتعتريني حالة هستيرية وأنا أراه يستمتع بتلك المناظر وهو يصرخ ويكبر ويتفاعل مع أحداثها المخيفة.
وبصراحة أصبحت أخاف منه لأنه لا يقشعر من رؤية هذه المناظر الدموية التي تجعل من دم الإنسان وكأنه لعبة ليس لها قيمة.
واسترسلت دلال حديثها: بعدها نصحته وقلت له: للأكشن حدود فأجاب غاضباٍ: أصمتي وإلا سأجعلك مثل هؤلاء.
وربما هذه الحالة مطابقة تماماٍ مع أم أسامة 30 عاماٍ والتي حدثتنا عن تجربتها قائلة: بالفعل هذه الأفلام تؤثر على شخصية الفرد بشكل مباشرة فأنا زوجي بعد أن يسهر ليلة في مشاهدة المصارعة والرعب وأفلام العنف تتغير طبيعته في اليوم التالي ويصبح أكثر عصبية .. تراه يصرخ من أتفه وأبسط الأمور .. يريد أن يخلق أية مشكلة يا فرحته إذا وجد أي مصارع يصارعه حتى إذا دخل المطبخ يكسر الصحون بحجة البحث عن الملح أو السكر ويتصنع التعليقات الساخرة حتى أرد عليه لكي يريني بعدها مهاراته القتالية التي تعلمها.
وأوضحت أم أسامة: لأن هذه الأفلام تحمل طابعاٍ عدوانياٍ بين أفرادها وحكاياتها وهي بالطبع تْعدي من يتابعها هذه الصفة إلا إنني قلت له آخرها: إذاٍ في عندك طاقة زائدة بستان عمي محتاج إليها.
Come in Action
> أما صفاء عزالدين – 02 عاماٍ فهي تقول متعجبة: لا أدري لماذا البعض ينظر إلى هذه الأفلام نظرة قاصرة فنحن يمكننا من خلالها أن نخرج بفوائد كثيرة ومن أبرزها تعلم اللغة الإنجليزية الحية والتعرف على مفرداتها اللغوية وفي الوقت نفسه نرى فيها كل أنواع التشويق والمغامرة والإثارة وتفرغ فيها أحياناٍ شعورنا بالغضب أو الانتقام وكأننا نحن من نتعرف ونحارب ونقاتل حقاٍ هي رحلة نجوبها في زمن آخر وعالم آخر.
تساعد على انحراف الشباب
> ويختلف معها أبو سلطان عبدالقادر – بائع تجزئة قائلاٍ: والله أن هذه الأفلام مازادت إلا في انحراف أبنائنا وغيرت من سلوكهم وتعاملاتهم أنا أبنائي سلطان ومحمد وسليم ما زالوا طلاباٍ في المرحلتين الثانوية والإعدادية لكنهم مدمنون بشكل كبير على متابعتها.. فتراهم لا يهتمون بأداء صلواتهم ولا دراستهم ولا حتى تعاملهم مع بعضهم البعض ما معهم إلا أخت صغيرة فقط وقد فيها كل أنواع العاهات والدكمات وكأنها مجرد دربوك في حلبة المصارعة يجربون فيها لياقتهم ومهاراتهم والأسف حتى وإن منعتهم من مشاهدة ذلك فمحلات الانترنت موجودة بكثرة وما تقصر.
صناعة الشخصية
> وعن رأي اختصاص علم النفس تقول لنا الدكتورة منال هزاع: إن رغبة الشباب وإدمانهم في متابعة الأفلام القتالية والصراعات الدموية والمغامرات الخيالية تتفاوت أسبابها من شاب إلى آخر فمنهم من يرى فيها روح البطولة والمجد والشجاعة الذي حْرم هو منه ومنهم من يرى نفسه حاضراٍ فيها متواجداٍ في أحداثها وكأنه يحاول أن يتقمص شخصية أبطالها ليثبت عن طريقهم بها نفسه ومنهم من يتابعها حتى يتفاخر أمام أصدقائه بأنه يعرف أسماء أبطالها وممثليها ويتابع آخر ما نزل منها ظناٍ منه بأنه أكثر تحظراٍ وتطوراٍ من غيره وبالمقابل هناك من يتابعها للتسلية والقضاء على وقت الفراغ الطويل الذي يعاني منه.
وأضافت منال هزاع: الآثار الناجمة عن هذا النوع من الأفلام كثيرة وخطيرة خاصة على الشباب الناشئ الذين ما تزال أفكارهم محدودة في تغيير الأشياء وبيان حقائق الأمور أبرزها العصبية الزائدة والانفعال المفاجئ لأبسط الأمور والاعتماد على مبدأ البقاء للأقوى واتخاذ العنف وسيلة مثلى عوضاٍ عن الحوار والتفاهم وهذا من شأنه يخلق ما يسمى بالتعصبات أو العصابات والجماعات التي ينشأها طلاب المدارس فمثلاٍ فلان ضربني سوف أدعي جماعتي أو عصابتي حتى تتعصب عليها ويحدث إثرها التقليد الأعمى لتلك الحركات القتالية التي شاهدوها في تلك الأفلام والتي بدورها تنشئ شخصية مهزوزة ضعيفة الثقة بنفسها كثيرة العداء والشغب مع من حولها وهذا لا قدر الله في بعض الأحيان قد يقود إلى ارتكاب جريمة القتل تحت مبررات واهية ليقال إنه هو الأقوى والزعيم والبطل كما كانت تروج له تلك الأفلام!! ولكانت هذه الأفلام أيضاٍ نهاية حياة زوجية سعيدة اعترتها الصراعات والنزاعات.
الجانب الديني والمراقبة والمتابعة
> ومن وجهة النظر الدينية يقول الداعية والمرشد الديني – مروان الفضيل: كل راعُ مسؤول عن رعيته فهؤلاء هم أبناؤنا وشبابنا محتاجون إلى الكلمة الطيبة والصدر الحاني والتوجيه الحسن لبيان الضوابط والحدود والأوامر والنواهي فبدلاٍ من أن نعطيهم الحرية الزائدة والثقة الكبيرة وهم في مقتبل هذا العمر نكون جنباٍ إلى صفهم ومصادقتهم وبيان خطورة هذه الأفلام التي تحمل في ظاهرها لذة المغامرة والمتعة وفي باطنها إبراز روح العداء والعنف والدمار فالأحرى من ذلك كله أن يقضوا أوقاتهم فيما ينفعهم لا فيما يضرهم ويدمر شخصيتهم ويكون سبباٍ في شرخ مستقبلهم القويم.
وناشد الفضيل: ومن هنا ألقي المسؤولية على الأسرة في عدم مراقبتها ومتابعتها لأولادها وجعلهم عرضة لشوائب الإعلام وأصدقاء السوء وأطالب الجهات المعنية بالاهتمام بإقامة النوادي الثقافية والترفيهية القريبة من عاداتنا وتقاليدنا وضوابطنا المجتمعية والشبابية بما يكفل للشباب الحفظ والصون عن التراهات الوهمية.